تحریر المجله المجلد 3

اشارة

شماره بازیابی : 51-81060

وضعیت نمایه سازی : اطلاعات ثبت

شماره کتابشناسی ملی : 2870819

عنوان و نام پديدآور : تحریر المجله، تالیف آیةاله فقید محمدحسین آل کاشف الغطاء

مقطع و رشته تحصیلی : قضائی. عربی

ملاحظات: اين كتاب در كتاب فروشى نجاح در تهران و كتابفروشى فيروزآبادى در قم افست شده است.

مشخصات نشر : عراق. نجف اشرف، المكتبة المرتضوية.1359. ج 5

مشخصات ظاهری : 1146 ورق.

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

بسم اللّٰه و له الحمد و المجد

الكتاب السادس في الأمانات

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثلاثة أبواب

ص: 4

المقدمة في بيان «الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالأمانات»

الأمانات:

«تمهيد مفيد» اعلم ان كل إنسان وقع في يده مال غيره فاما ان يكون استيلاؤه عليه بإذن المالك، أو بإذن الشارع، أو بدون اذن واحد منهما، و الأول اما ان يكون لمصلحة المالك فقط أو لمصلحة القابض أو لمصلحتهما، و من الأول الامانة بالمعنى الأخص و هي الوديعة التي هي القيام بحفظ مال الغير باذنه بغير جعل و لا فائدة، و من الثاني العارية التي هي إباحة للانتفاع أو تمليك للمنفعة بغير عوض، و من الثالث الإجارة فإنها لمنفعة المالك من حيث أخذ الأجرة و لمنفعة المستأجر من حيث استيفاء المنفعة و كل هذه تعد من الأمانات و لكن بالمعنى الخاص و هي أعم من

ص: 5

الوديعة التي هي أمانة بالمعنى الأخص، و كلها أيضا أمانات مالكية لأنها اجمع بإذن المالك، اما القسم الثاني و هو ما كان بإذن الشارع فقط فمنه اللقطة و مجهول المالك كالذي أطارته الريح الى دار إنسان و ما دخل الى ملك الغير من طائر أو حيوان و ما أشبه ذلك، و كل هذه الأنواع تعد أيضا من الأمانات و لكنها بالمعنى الأعم و هي أمانات شرعية.

و جميع الأمانات تشترك في حكم و ينفك بعضها عن بعض في حكم دون آخر، و الحكم العام المشترك بين جميع الأمانات أمران- عدم الضمان إلا بالتعدي و التفريط. و وجوب الرد الى المالك- و تفترق الشرعية عن المالكية بوجوب طلب المالك و المبادرة إلى رد ماله اليه و لو من غير طلب منه بخلاف المالكية فان الواجب دفع ماله اليه عند طلبه و لا يجب أن يتطلبه كما في الأولى.

و هناك أحكام اخرى يمتاز بها بعض الأمانات عن بعض تذكر في مواضعها، أما القسم الثالث و هو الاستيلاء على مال الغير من دون اذن المالك و لا الشارع فأظهر افراده المال المغصوب بجميع أنواعه و أسبابه من سرقة أو نهب أو خيانة أو تدليس أو نظائر ذلك، و يمتاز هذا عن القسمين السابقين بأنه مضمون مطلقاً حتى مع التلف بغير تعد و لا تفريط، و يقابله الأمانة بالمعنى الأعم الشاملة للاستيلاء على مال الغير بإذنه أو بإذن الشارع.

و حيث عرفت أنواع الأمانات يتضح لك أن (المجلة) ذكرت من أنواع الأمانات هنا خصوص الأمانة بالمعنى الأخص و هو الوديعة و العارية

ص: 6

أعني ما كان لمصلحة المالك فقط أو لمصلحة القابض فقط و ما عدا ذلك من الأنواع فهي مذكورة في خلال أبواب المعاملات بالمعنى الأعم و عبرت عن الامانة كما في مادة (762) بأنها هي الشي ء الذي يوجد عند من يتخذ أميناً، و هذا التعريف لا يخلو من فكاهة فإن الذي يتخذ أميناً عنده أشياء كثيرة فهل كلها امانة؟ و يهون هذا بناء هذه التعاريف على التساهل، و التعريف القريب للأمانة بالمعنى الخاص هو انها المال الذي صار في يد غير مالكه، بإذنه أو اذن الشارع، و الأمانة بالمعنى الأخص- اي الوديعة- هو المال الذي دفعه مالكه لغيره لينوب عنه في حفظه، و المعروف في تعريفها عندنا استنابة في الحفظ و إليها أشارت (المجلة) بقولها: سواء كان امانة بعقد الاستحفاظ كالوديعة!! و الاستحفاظ تارة يكون تمام المقصود من العقد كما في الوديعة. و اخرى يكون لازم العقد و المقصود بالعقد أصالة غيره كالإجارة و العارية و غيرهما. فالاستحفاظ ملحوظ في الجميع اما أصالة أو تبعاً و باللازم. فان كان المراد من الاستحفاظ ما هو من النوع الأول فلا وجه لكاف التشبيه فان العقد الذي لا يقصد منه الا الاستحفاظ ليس إلا الوديعة و ان كان ما يعمه و النوع الثاني لم يتجه قولها: أو كان امانة ضمن عقد كالمأجور و المستعار، بل حقه أن تقول: كالوديعة و كالمأجور و المستعار أو دخل بطريق الأمانة بيد شخص بدون عقد و لا قصد كما لو القت الريح في دار أحد مال جاره فحيث كان بدون عقد لا يكون وديعة بل أمانة فقط.

ص: 7

و بهذا ظهر ان الوديعة أخص و الأمانة أعم فإن المأجور و المستعار و الذي ألفته الريح كلها أمانة لا وديعة، غايته أن الأولين أمانة مالكية و الأخير أمانة شرعية، و منه ظهر مادة (763)

الوديعة:

هي المال الذي يوضع عند شخص لأجل الحفظ، و لا حاجة بعدها الي توضيح الواضح في مادة (764) الإيداع هو احالة المالك محافظة ماله لآخر و يسمى المستحفظ مودعا- بكسر الدال- و الذي يقبل الوديعة وديعا و مستودعا- بفتح الدال- و باصطلاح فقهائنا وديعا.

(مادة 765)

العارية:

هي المال الذي تملكت منفعته لآخر مجاناً اى بلا بدل- و يسمي معاراً و مستعاراً.

تباعدت حقيقة العارية على أكثر الفقهاء كما ضاع عليهم حقائق أكثر العقود فقال بعضهم: انها تمليك المنفعة مجاناً، و قال آخرون: انها إباحة المنفعة و إباحة الانتفاع (و الفرق بينهما نادر) و الحقيقة انها لا هذا و لا ذاك و انما هي: سلطنة خاصة على العين للانتفاع بها، كما ان الإجارة كذلك، و الفرق بينهما: ان العارية تسليط على العين بلا عوض، و الإجارة تسليط بعوض، و كلاهما تسليط على العين للانتفاع و لازم هذا إباحة المنفعة أو إباحة الانتفاع، و كأن القوم عبروا عن هذا العقد يلازمه كما هو عادتهم في أغلب العقود بل و غيرها، اما احتمال كونها تمليك المنفعة ذاتا أو لازما فهو بعيد عن التحقيق جداً و الاستدلال عليه بان المستعير له ان يعير و لو كان لا الملكية لما كان له ذلك- مدفوع بالإعارة الثانية ان كانت بإذن المعير الأول- أي المالك

ص: 8

صحت و لا تدل على الملكية، و ان كانت بغير اذنه منعنا جوازها أو تقع باطلة، بل و دفعها بغير اذن المالك الى المستعير الثاني حرام، فالحق ما ذكرنا من انه عقد أو إيقاع يفيد تسليط المالك غيره على العين للانتفاع بها مجاناً، و ليس للمستعير أن يتجاوز مقدار الاذن من المعير فلو تجاوز ضمن و فعل حراماً، و مع عدم التجاوز هي أمانة بيد المستعير لا يضمنها لو تلفت إلا بالتعدي و التقصير كما في مادة (768) الأمانة لا تكن مضمونة يعني إذا هلكت أو ضاعت بلا صنع الأمين و لا تقصير منه لا يلزمه الضمان!! و بعد ان ذكرت (المجلة) أشهر احكام الامانة و هو عدم الضمان أخذت في ذكر بعض مصاديقها و مواردها في مادة (769) إذا وجد رجل في الطريق أو في محل آخر شيئاً فأخذه على سبيل التملك يكون حكمه حكم الغاصب، و على هذا إذا هلك المال أو ضاع و لو بلا صنع أو تقصير منه يصير ضامناً!! كأنها تشير الى ان من استولى على مال الغير بغير اذنه ان أزال يده الحقة فهو غصب و ان لم يزل يده بل وصل اليه بغير القهر من الأسباب فهو بحكم الغصب و من هذا النوع من وجد مالا في الطريق- أي اللقطة- فأخذه بنية التملك فإنه و ان لم يكن غصباً أي الأخذ قهراً و لكن تترتب عليه احكام الغصب من الحرمة و الضمان مع التلف و لو بغير تعد و لا تقصير، و وجوب الرد مع عدمه، و أما لو أخذه على أن يرده لمالكه فان كان معلوما كان في يده امانة و يلزم تسليمه الى مالكه، و ان لم يكن معلوما فهو لقطة و هو في يد ملقطة أمانة.

ص: 9

و هذا البيان غير مستوعب لأقسام العنوان.

و «تحرير البحث» ان ما يقع بيد الإنسان من مال الغير بغير اذنه ان أخذه قهراً أو اختلاساً فهو الغصب، و ان أخذه بغير ذلك و بغير قصد ردّه الى مالكه فهو بحكم الغصب تترتب عليه جميع أحكامه وضعية و تكليفية، و ان أخذه بقصد رده إليه فإن كان مالكه معلوماً وجب المبادرة الى رده اليه و هو في ذلك الحال امانة لا ضمان فيه الا بالتعدي و لو توانى خرج عن الامانة و صار ضامناً مطلقاً، و ان لم يكن معلوماً فان كان قد وجده في الطريق أو في الصحراء أو غيرهما من المواضع العامة فهو اللقطة و تجري عليه أحكامها، و ان وجده في داره أو خزانته أو دكانه و نحو ذلك من المواضع الخاصة به و لا يعرف صاحبه كان من مجهول المالك و تجري عليه احكامه، و قصارى اللقطة و المجهول المالك ان مرجعهما أخيراً لحاكم الشرع.

و حيث ان اللقطة من مهمات مباحث الفقه، و هي عامة البلوى، و لم تستوف (المجلة) أحكامها مع انها من صلب الأمانات، فاللازم ان نوفيها حقها و قد تبين لك موضوعها في المجلة و تفصيله: انه عبارة عما يؤخذ من المواضع العامة من مال أو غيره من غير علم صاحبه به و لا اذنه و هو إما حيوان أو جماد و الحيوان اما إنسان أو غير إنسان، فالإنسان هو اللقيط و قد عرفوه بأنه إنسان ضائع لا كافل له و لا يستقل بنفسه و يشتمل المنبوذ و الضائع، و الحر و العبد، فالحر يرد إلى اهله، و العبد الى مالكه، و أخذه مستحب فان خيف عليه التلف وجب و إذا أخذه

ص: 10

الملتقط وجب عليه حضانته بالمعروف و ينفق عليه من بيت المال، و ان لم يكن فمن الزكاة، و الا استعان بالمسلمين، و إلا أنفق عليه و رجع به عليه بعد بلوغه، أو على اهله ان وجدهم، و هو مسلم إذا التقط في بلاد المسلمين أو في بلاد الكفر و فيها مسلم يحتمل كونه منه، و ولاؤه للإمام لا للملتقط، و لو اختلف هو و اللقيط بعد بلوغه أو أهله في أصل الإنفاق أو قدره يقدم قول الملتقط فيما يوافق المعروف و هذا من موارد تقديم الظاهر على الأصل و هو ظاهر، و لو التقطه اثنان و تشاحا أقرع بينهما و يشترط في الملتقط البلوغ و العقل بل و الرشد على الأحوط، و كونه حراً و إسلامه ان كان اللقيط مسلماً، بل و عدالته على الأحوط. فلو فقد أحد هذه لم يكن لالتقاطه اثر. و جاز للغير ان يأخذه منه. هذا كله في اللقيط- أي الإنسان الملقوط-. اما لقطة الحيوان و تعرف بالضالة و هي الدابة التي لا يعرف مالكها. فقد وردت أخبار تشعر بحرمة التقاطها و هي محمولة على الكراهة جمعاً بينهما و بين ما دل على الجواز و ترتفع الكراهة بخوف التلف عليها و ان كان صحيحاً في ماء و كلاء في غير مسبعة فالأولى تركه لامتناعه و لو أخذها فتلفت قيل يضمن و هو مسلم ان أخذها بنية التملك أو مع التفريط و الا فلا. و لو ترك من جهد في غير ماء أو كلاء كان أخذه مباحاً. فإن أنفق عليها الملتقط حتى أصلحها كانت له و ليس لمالكها لقول أمير المؤمنين سلام اللّٰه عليه ان تركها في غير ماء و لا كلاء فهي للذي أحياها و أوضح منها صحيحة ابن سنان و غيرها و العمل بها وفاقا لجمهور الأصحاب متعين و ان كانت على خلاف

ص: 11

القاعدة، و لعل الشارع جعل الاعراض هنا بالخصوص مزيلا للملكية السابقة رفقاً بالحيوان و يكون من المباحات فيملكه الملتقط بالحيازة، أما الشاة في الفلاة التي لا تمتنع من الوحش المفترس فيجوز أخذها بنية التملك كما في الخبر المشهور «هي لك أو لأخيك أو للذئب» إنما الكلام في الضمان لو ظهر صاحبها كما يدل عليه بعض الاخبار أو عدمه كما هو ظاهر إطلاق «هي لك ..» في الخبر المشهور مضافا الى الأصل و الأول أحوط ان لم يكن أقوى، و لو دفعها لحاكم الشرع برئ من الضمان قطعاً، و هل يتوقف تملكها على تعريفها سنة أو أقل أولا لإطلاق الخبر المتقدم و لعله الأقوى؟ و كذا حكم كل ما لا يمتنع من السباع بعد و أو طيران حتى مثل الدواجن كالدجاج و نحوه، و لو وجدت الشاة في العمران حبسها ثلاثة أيام فان لم يجد صاحبها باعها و تصدق بثمنها، فان ظهر مالكها و لم يمض غرم له القيمة و ليس له تملكها بل اما ان يبقيها امانة لمالكها و ينفق عليها و يقاص من لبنها و صوفها أو يبقيها و يبقى الثمن أمانة أو يتصدق به و لو دفعها أو قيمتها الى الحاكم سلم من ذلك كله.

هذا موجز الكلام في لفظة الحيوان إنسان و غير إنسان، أما لقطة المال الصامت فقد وردت جملة أخبار ظاهرة في حرمة التقاط المال في الحرم مطلقا ففي رواية عن الكاظم سلام اللّٰه عليه «لقطة الحرم لا تمس بيد و لا رجل، و لو ان الناس تركوها لجاء صاحبها و أخذها» و لكن المشهور الكراهة، و موضع البحث قصد التملك، إما أخذها لحفظها أو ردها الى صاحبها فالظاهر الاتفاق على جوازه و هو امانة لا تضمن حينئذ إلا

ص: 12

بالتفريط، ثم إذا أخذه بهذا القصد عرف به سنة فان لم يظهر تصدق به عن صاحبه و يضمن له لو ظهر بعد ذلك، و القاعدة تقتضي عدم الضمان لأنه أمانة شرعية و قد أنفقها بإذن الشارع، و لو دفعها للحاكم فلا شي ء عليه و ما ذكرناه يطرد في القليل و الكثير، أما لقطة غير الحرم فيحل منه ما كان دون الدرهم من غير تعريف، و لو ظهر مالكه و عينه باقية أخذها قطعاً فهي ملكية مراعاة، اما لو كانت تالفة ففي الضمان وجهان بل قولان أقواهما العدم لإذن الشارع بذلك التصرف و هو كإذن المالك أو أقوى أما الدرهم فما زاد فالواجب تعريفه حولا فلان لم يظهر صاحبه تخير بين ان يتملكه مَعَ الضمان لو ظهر و بين الصدقة به على مستحق الزكاة عن صاحبه و في الضمان الوجهان السابقان و عدم الضمان هنا أقوى، و بين إبقائه أمانة لمالكه فلا يضمن الا مع التفريط، و الدفع الى الحاكم الشرعي أصح و أسلم، و الحكم العام في لقطة المال من الدرهم فما زاد هو التعريف حولا فيما يمكن فيه التعريف، اما ما لا يمكن كالدراهم و الدنانير الغير المصرورة و لا في محفظة فقد يقال بسقوط تعريفها، و جواز تملكها بمجرد التقاطها و هو مشكل، و لو تحقق هذا الفرض في بعض الأموال كان من مجهول المالك و يجري عليه حكمه و لا يجوز تملكه بوجه مطلق كما انه لو وجد في المواقع العامة كالحمام أو المساجد و المعابد بدل ثيابه أو حذائه أو كتابه فإن علم انها لآخذ كتابه كانت من مجهول المالك لا اللقطة، و ان لم يعلم أو علم العدم فهي لقطة، و ما لا يبقى أو يحتاج بقاؤه إلى علاج باعه أو قومه على نفسه و حفظ قيمته و الأحوط مراجعة الحاكم في ذلك

ص: 13

لأنه الولي العام.

و أخذ اللقطة بوجه عام مكروه، و في بعض الأخبار

«لا يأخذ الضالة إلا الضالون»

و قد توجد خصوصيات مقامية تخرج عن الكراهة بل قد تصير مستحبة أو واجبة، و ذكروا: ان الكراهة تتأكد فيما تكثر منفعته و تقل قيمته كالعصا و النعل و الإداوة و أمثالها: كما تتأكد الكراهة في الفاسق و المعسر و يصح التقط المال من كل من يصح منه التكسب حتى الصبي و المجنون و يتولى حفظهما و التعريف بها الولي. و يستحب الاشهاد بل قد يحب في أخذها و ردها. مضافا الى الإعلان و الإنشاد في الحول حسب المتعارف.

و حيث ان اللقطة- كما عرفت- امانة يجب ردها الي مالكها الواقعي فلا يجوز دفعها الي مدعيها ما لم يثبت ملكه لها بالعلم أو ما يقوم مقامه شرعاً من الشاهدين العدلين. أو الشاهد و اليمين و لا يكفي إعطاء أوصافها و ان كان خفية الا مع حصول الاطمئنان بصدقه المتاخم للعلم. و إذا دفعها بالأوصاف و قدم غيره البينة انها له انتزعت من الاولى و دفعت لذي البينة و ان كانت تالفة تخير في الرجوع على الدافع أو المتلف فإن رجع على الأول رجع الأول على الثاني لأن قرار الضمان عليه. و لذا لو رجع عليه رأسا لم يرجع على الأول.

و من وجد مالا في فلاة من الأرض أو مدفونا في أرض ليس لها مالك و لم يكن عليه أثر الإسلام ملكه الواجد و ان كان في

ص: 14

أراضي الإسلام، و ان وجد عليه أثر الإسلام كان لقطة يجب تعريفها و لو كان للأرض مالك عرفه فان ادعاه دفع له و الا فلو أجده مع انتفاء أثر الإسلام و الا فهو لقطة و مثله ما يوجد في جوف الدابة أو السمكة ان كانت أهلية أما الوحشية و التي أخذت من المياه العامة جديداً لا يراجع بها المالك فان كان عليه أثر الإسلام فلقطة و الا فلو أجده، و من وجد مالًا في صندوقه أو دكانه أو داره فان كان له شريك فيه عرفه فان ادعاه أخذه بلا بينة و لا يمين، لانه مدع بلا معارض، و ان نفاه فهو لقطة لواجده، و ان لم يكن له شريك فقد ذكروا. انه يكون لمالك الدكان و الدار و نحوهما لانه من توابع ملكه و لم يجعلوه لقطة و هو محل نظر فليتأمل.

هذا موجز البحث في اللقطة موضوعاً و حكماً، و فيه على اختصاره غنى و كفاية و سيأتي لهذا البحث تتمة إن شاء اللّٰه تعالى.

و (المجلة) بمناسبة بحث الامانة استطردت الى ذكر اللقطة استطراداً خفيفاً، فلم توف حق الامانة، و لم تميز بين الأمانة الشرعية و الأمانة المالكية، كما انها لم تستوف رءوس مباحث اللقطة فضلًا عن دير لها و توابعها، و لم تخصص لها سوى مادة واحدة، و هي:

(مادة: 770) يلزم الملتقط ان يعلن أنه وجد لقطة و يحفظ المال في يده أمانة

الى أن يوجد صاحبه و إذا ظهر أحد و أثبت ان تلك اللقطة ماله لزمه تسليمها.

و في هذا أيضاً من التسامح أو الخلل ما لا يخفى، إذ ليس اللازم

ص: 15

إعلان انه وجد لقطة، بل اللازم طلب من ضاع له مال، و هو المعبر عنه بالإنشاد أي طلب صاحب المال و نشدانه في الجوامع و المحافل و الأندية العامة و نحوها، و يقول مثلا- نداء أو كتابة-: انه من ضاعت له دراهم فليراجع المحل الفلاني. و نحو ذلك، و لا يبعد ان اجرة المنادي و الناشد و ما يتصل بذلك على صاحب المال لا على الملتقط لانه محسن و (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ثم يبقى المال بيده أمانة إلى نهاية الحول أو حتى يحصل اليأس و لو قبل الحول، و النهاية هو الحول- و بعده التفاصيل السابقة، و اليه أشارت بقولها: و يحفظ المال بيده أمانة الى ان يوجد صاحبه، و إذا حضر و أثبت ان تلك اللقطة ماله لزمه تسليمها!!.

و «تحرير البحث» في موجبات تسليم اللقطة انه يجب بأمور.

أحدها-: و أقواها حكم الحاكم و ثبوت ذلك عنده، فإذا سلمها بحكم الحاكم خرج من العهدة و لم يبق عليه شي ء حتى لو ظهر خطأ الحاكم أو فساد حكمه.

ثانيها-: قيام البينة عند الملتقط نفسه فإنه يجب عليه تسليمها بشهادة العدلين أو العدل الواحد مع اليمين، و يخرج بذلك من كل تبعة.

ثالثها-: إقرار الملتقط بأنها للمدعي فإذا أقر وجب تسليمها للمقر له و لكن لا يخرج من العهدة و لو اقام آخر البينة انها له انتزعت من المقر له و دفعت لصاحب البينة و ان كانت تالفة رجع على أي منهما يشاء

ص: 16

و لا يرجع المقر على المقر له لو أخذت قيمتها منه حسب إقراره كما لا يرجع أيضاً الثاني على الأول لو أخذت منه.

رابعها-: بيان الأوصاف الخفية الموجبة للاطمئنان كما تقدم قريباً و لكن لا يخرج بها عن العهدة و حالها حال الإقرار.

و ذكر شيخنا الشهيد- أعلى اللّٰه مقامه- في «اللمعة» ما نصه-:

و لا تدفع إلا بالبينة لا بالأوصاف و ان خفيت، نعم يجوز الدفع بها ا ه.

و قد يشكل بان الدفع إذا جاز وجب فإن الأوصاف اما ان تكون امارة و حجة كالبينة فيجب الدفع و الا فلا يجوز، و يمكن دفع هذا بأن البينة حجة شرعية قاطعة يجب العمل بها بخلاف الاعتماد على الأوصاف فإنها لا تفيد سوى الظن، و أقصاه جواز العمل به ما لم ينكشف الواقع و يظهر الخلاف، فليتأمل.

(مادة: 771) إذا هلك مال شخص في يد آخر

فان كان أخذه إياه بدون اذن المالك ضمن بكل حال، و ان كان أخذ ذلك المال بإذن صاحبه لا يضمن لأنه امانة في يده إلا إذا كان أخذه على سوم الشراء و سمى الثمن فهلك المال لزمه الضمان، مثلا إذا أخذ شخص إناء «بلور» من دكان البائع بدون اذنه فوقع من يده فانكسر ضمن قيمته، و أما إذا أخذه بإذن صاحبه فوقع من يده بلا قصد أثناء النظر و انكسر فلا يلزمه الضمان، و لو وقع ذلك الإناء على آنية أخرى فانكسرت تلك الآنية أيضاً لزمه ضمانها فقط، و أما الإناء الأول فلا

ص: 17

يلزمه ضمانه لأنه امانة في يده، و أما لو قال لصاحب الدكان بكم هذا الأناة؟ فقال له: بكذا قرشا خذه، فأخذه بيده فوقع على الأرض فانكسر ضمن ثمنه، و كذا لو وقع كأس (الفقاعي) من يد أحد فانكسر و هو يشرب لا يلزمه الضمان لأنه أمانة من قبيل العارية، و أما لو وقع بسبب سوء استعماله فانكسر لزمه الضمان.

خرج من قضايا اللقطة إلى أصل باب الأمانات، و بهذا تريد (المجلة) إعطاء الضابطة الكلية، و القاعدة الأصلية لضمان اليد، و تحرير ذلك ان يقال: ان تلف مال إنسان بيد غيره لا يخلو اما ان يكون حصوله بيده كان بإذن المالك أو بإذن الشارع أو بدون اذن واحد منهما، و على الثاني فهو ضامن مطلقا سواء كان بالتعدي أو بدونه، و الأول اما ان يكون الإذن اذن معاوضة أو إذنا مجردا، و الثاني لا يوجب الضمان الا مع التعدي، و الأول يقتضي الضمان مطلقا بالمثل أو القيمة بقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) فتحصل ان الاستيلاء على مال الغير لا يخلو من ثلاثة أنواع.

(الأول) ما خلى عن الاذن مطلقا، و يدخل فيه الغصب و السرقة و الجحود و التعدي عن الامانة و الغش و التدليس و أشباه ذلك، و هو كثير و حكمه الضمان مطلقا، و منه المال المقبوض اشتباها كما لو دفع القصار ثوب زيد لغيره فتلف في يده، و لزيد حق الرجوع به على القصار حينئذ إلا مع الغرور، و كذا لو تخيل ان مال زيد ماله فأخذه فتلف في يده فإنه ضامن له بقاعدة اليد.

ص: 18

(الثاني) ما كان عن اذن و لكن أذن معاوضة و هي أما على العين باعتبار ذاتها أو عليها باعتبار بعض شئونها، و من هذا النوع الإجارة و المزرعة و المساقاة و أضرابها، و هذه تلحق بالأمانات و لا ضمان فيها الا مع التعدي و التفريط، و من الأول المقبوض بالعقد الفاسد، و المقبوض بالسوم، و هو ضماني مطلقا للقاعدة المتقدمة (ما يضمن بصحيحة ..)

(الثالث) ما كان عن اذن مجرد عن كل معاوضة و هو باب الأمانات بجميع أنواعها شرعية أو مالكية، و من أظهر أنواع الثاني الوديعة و العارية، و من أظهر أنواع الأول اللقطة و مجهول المالك و باب الحسبة كقبض عدول المؤمنين للوقف الذي لا متولي له و مال اليتيم الذي لا قيم له، و الغائب الذي لا وكيل له، حيث لا يوجد الولي العام و هو الحاكم أو الى زمن إمكان مراجعته و لا ضمان في الجميع الا مع التعدي و التفريط.

هذا تمام أنواع الاستيلاء على مال الغير و أحكامها و منه تعرف عدم استيفاء (المجلة) لأنواع هذا البحث كما يتضح بما ذكرناه من الأمثلة المدرجة في هذه المادة بقولها مثلا- إذا أخذ شخص إناء بلور إلخ ..

(مادة: 772) الاذن دلالة كالاذن صراحة،

و اما إذا وجد النهي صراحة فلا عبرة بالإذن دلالة مثلا- إذا دخل شخص دار آخر باذنه فوجد إناء معدا للشراب فهو مأذون دلالة بالشرب به فإذا أخذ ذلك الإناء ليشرب به فوقع من يده و هو يشرب فلا ضمان عليه و اما إذا نهاه صاحب الدار عن الشرب به ثم أخذه ليشرب به فوقع من

ص: 19

يده و انكسر فيضمن قيمته.

و ملاك كل ذلك القواعد المقررة في الاستعمال، و أصول الفهم و التفاهم منها قاعدة تقديم النص على الظاهر و الأظهر على الظاهر.

ص: 20

«الباب الثاني» في الوديعة

اشارة

و يشتمل على فصلين

الفصل الأول في «بيان المسائل المتعلقة بعقد الإيداع و شروطه»

،،، الوديعة كما عرفت هي الأمانة الخاصة و أحسن تعريف لها انها استنابة في الحفظ و حيث انها تتقوم بطرفين و لا يتحقق أثرها بطرف واحد لذلك كانت من العقود المتوقفة على إيجاب و قبول كما في مادة «773» ينعقد الإيداع بالإيجاب و القبول صراحة أو دلالة، و لا إشكال في انعقاده بالقول الصريح مثل: أودعتك، أو: احفظها عني و يقول الآخر: قبلت، و باللازم اجعلها عندك أو صيرها مع أموالك و أمثال ذلك مما ذكرته «المجلة» مثلا- إذا قال صاحب الوديعة أودعتك هذا الشي ء أو جعلته امانة عندك، فقال المستودع: قبلت انعقد الإيداع صراحة، و كذا لو دخل شخص خانا فقال لصاحب الخان: اين أربط دابتي، فأراه محلا فربط الدابة فيه انعقد الإيداع دلالة، و كذلك إذا وضع رجل ماله في دكان فرآه صاحب الدكان

ص: 21

و سكت ثم ترك الرجل ذلك المال و انصرف صار ذلك المال عند صاحب الدكان وديعة، و أما لو رد صاحب الدكان الإيداع بأن قال لا اقبل فلا ينعقد الإيداع حينئذ، و كذا إذا وضع رجل ماله عند جماعة على سبيل الوديعة و انصرف و هم يرونه و بقوا ساكتين صار ذلك المال وديعة عند جميعهم فإذا قاموا واحدا بعد واحد و انصرفوا من ذلك المحل فبما انه يتعين حينئذ على من بقي منهم أخيرا يصير المال وديعة عند الأخير فقط كل ذلك حيث يكون السكوت دالا على الرضا و الالتزام فيكون وديعة معاطاتية و يترتب عليها الحكم التكليفي و هو وجوب الحفظ و الوديعة العقدية و المعاطاتية سواء في عدم اللزوم كما في مادة «774» لكل من المودع و المستودع فسخ عقد الإيداع متى شاء.

و إذا فسخ أحدهما وجب رد الوديعة ان طالب بها صاحبها كما هو حكم الأمانة المالكية فإذا طلبها و لم يدفعها الودعي صار بحكم الغاصب و ضمنها مطلقا، و حيث عرفت انها عقد فيتعبر فيها ما يعتبر في سائر العقود من كونها مقدورة التسليم من عاقلين بالغين أو مميزين كما نصت عليه مادة «775» يشترط كون الوديعة قابلة لوضع اليد عليها و صالحة للقبض فلا يصح إيداع الطير في الهواء.

إلا إذا كان مما تعوّد على العود.

و مادة (776) يشترط كون المودع و المستودع عاقلين مميزين و أما كونهما بالغين فليس بشرط فلا يصح إيداع المجنون و الصبي غير المميز

ص: 22

و لا قبولهما لهما الوديعة، و أما الصبي المميز المأذون فيصح إيداعه و قبوله الوديعة.

فلو أودع الصبي أو المجنون و قبض الودعي كان غاصبا و يضمن مطلقا، اما الإيداع عند الصبي أو المجنون فان وجدها صاحبها أخذها و ان تلفت فلا ضمان أصلا لأنه هو الذي أسقط حرمة ماله، اما لو كان جاهلا بجنونه أو عدم بلوغه فلا يبعد الضمان من ماله مطلقا و إذا مات أخذه من تركته.

«الفصل الثاني» (في أحكام الوديعة و ضمانها)

(مادة: 777) الوديعة امانة في يد الوديع

بناء عليه إذا هلكت بلا تعد من المستودع و بدون صنعه و تقصيره في الحفظ فلا يلزم الضمان الا انه إذا كان الإيداع بأجرة على حفظ الوديعة أو ضاعت بسبب يمكن التحرز منه لزم المستودع ضمانها مثلا- لو وقعت الساعة المودعة من يد الوديع بلا صنعه فانكسرت لا يلزم الضمان، اما لو وطئت الساعة بالرجل أو وقع من اليد عليها شي ء فانكسرت لزم الضمان.

ص: 23

لا نعرف وجها لهذا الاستثناء فان الامانة مطلقا يجب حفظها حسب الإمكان فإذا هلكت و كان يمكنه التحرز من هلاكها فهو مقصر في حفظها و يكون ضامنا سواء كان بأجرة أو بغير اجرة، و إذا هلكت و كان لا يمكنه التحرز فهو معذور و لا ضمان عليه، فأين موضع الاستثناء؟ ثم لا يخفى ان الوديعة و الأجرة لا يجتمعان و هو أشبه بجمع الضدين أو النقيضين كقضية الهبة و العوض فإن الوديعة مأخوذ في حقيقتها اعتبار المجانية كالهبة، اما إذا أخذت الأجرة على الوديعة- اي على حفظها- فقد خرجت عن كونها وديعة و دخلت في باب الإجارة و جرى عليه أحكامها فتدبر و لا يشبه عليك الأمر، و العين المستأجرة أيضا هي أمانة يجب التحرز عن هلاكها بكل ما يمكن فلو قصر في ذلك فهو ضامن لها كضمانة للوديعة.

اما الأمثلة التي ذكرتها (المجلة) فهي تختلف حسب الظروف و الأحوال و الخصوصيات المقامية، و ليس لها ضابطة كلية، فقد يكون وقوع الساعة من يد المستودع في بعض الأحوال تقصيرا أو تفريطا يوجب الضمان و قد لا يكون كما ان وطئها بالرجل أو وقوع شي ء من اليد فينكسر قد لا يكون تقصيرا و قد يكون.

كذلك إذا أودع رجل ماله عند آخر و أعطاه اجرة على حفظه فضاع بسبب يمكن التحرز منه كالسرقة فيلزم المستودع الضمان و في هذا المثال خلل من جهات أوضحها أن السرقة تختلف فقد تكون من تساهل المسروق و عدم أخذه بالاحتياط في التحفظ

ص: 24

فيكون تقصيرا موجبا للضمان، و قد تقع مع غاية التحفظ، فالإطلاق غير متجه كما انها في المورد الذي تكون فيه موجبة للضمان لا فرق بين إعطاء الأجرة و عدمه.

و هكذا الكلام في مادة (778) إذا وقع من يد خادم المستودع شي ء على الوديعة فتلفت لزم الخادم الضمان.

فان هذا الإطلاق ليس في محله بل قد يكون تفريطا فيضمن و قد لا يكون.

(مادة: 779) فعل ما لا يرضى به المودع في حق الوديعة تعد من الفاعل.

شاع عند الفقهاء في باب الأمانات استعمال لفظي التعدي و التفريط أو التقصير، و (المجلة) كأنها تريد إعطاء الضابطة للتعدي و لكن الضابطة التي ذكرتها مع إجمالها ناقصة بتراء فان ما لا يرضى به المودع ان صرح به في العقد لزم على الودعي ان لا يتجاوزه فلو خالفه كان تعديا و الا لا يكون تعديا فيما لو كان الودعي لا يعلم ما يوافق رضا المالك و ما لا يوافقه.

و (بالجملة) فهذه الضابطة قليلة الفائدة مع انها غير جامعة.

و (و تحرير البحث) ان التعدي أفعال، و التفريط تروك فلبس الثوب و ركوب الدابة بغير الاذن أو بغير المتعارف تعدي، فلو تلفت في ذلك الحال و لو تلفا سماويا كان ضامنا لخروجه عن الأمانة بالتعدي، و لكن إهمال حفظها و عدم وضعها في مكان حريز تروك و هي

ص: 25

توجب الضمان، و اليه ترجع أكثر الأفعال فإن أخذ الوديعة معه في السفر أو لبس الثوب و أضرابه و ان كانت أفعالا و لكن ترجع الى التقصير في الحفظ و ترك التحرز.

إذا فالضابطة الكلية، و القول الجامع، هو ان يقال: ان كلما يعد عرفا إهمالا، و تركا للتحفظ و التحرز، فهو تعد و تفريط، و هو يختلف باختلاف الزمان و المكان و الأشخاص، و أنواع الأمانات في الحفظ و الفيصل فيه العرف:

نعم لا اشكال ان شرط المودع لازم فلو تعداه كان تعديا سواء كان إهمالا بنظر العرف أم لا، و بعد هذا فلا حاجة بل لا فائدة في تكثير الأمثلة، و ان أخذ الامانة معه في السفر تعد أو تفريط، أو ليس كذلك؟ و كذا إذا وضع الدابة في الإصطبل و ترك الباب مفتوحا و كذا إذا وضع الثوب أو الجوهر في الغرفة و لم يضعه في الصندوق أو الخزانة و هلم جرا.

نعم لا ريب في انه لو أنكر الوديعة خرج عن الامانة و ضمر مطلقا، و لو رجع الى الاعتراف فهل ترجع صفة الامانة فلا يضمن لو تلفت بتلك الحال تلفا سماويا أو لا ترجع فيبقى الضمان على إطلاقه؟ المسألة في غاية الاشكال و الأول أقرب من حيث القواعد، و الثاني أحوط و اللّٰه اعلم.

اما لو كان الإنكار لمصلحة كدفع ظالم، أو رد تهمة، أو خوف سارق و ما أشبه ذلك، فهو عين الامانة.

ص: 26

«مادة: 780» الوديعة يحفظها المستودع بنفسه أو يستحفظها أمينه كمال نفسه فإذا هلكت في يده أو عند أمينه فلا ضمان عليه و لا على أمينه.

اعلم ان الأصل الاولى، و القاعدة الكلية، هي حرمة كل تصرف يتصرفه المستودع في الوديعة إلا مقدار ما نص عليه المودع و اذن فيه أو كان الإطلاق أو الانصراف يقتضيه، و معنى هذا ان كل تصرف يشك المستودع في حليته فهو حرام، و لو فعله مع الشك خرج عن الامانة، و صار ضامنا حتى مع عدم التعدي و التفريط، و عليه فالقدر المتيقن لحفظ بنفسه اما الحفظ بامينه من عيال أو غيرهم فان كان من غير دفعها لهم بل كانت في حوزته- كما لو وضعها في صندوقه أو خزانته- و أمرهم بالمحافظة عليها من غير دفع لهم و تسليم فلا ينبغي الإشكال في جوازه و لا ضمان عليه و لا عليهم لو تلفت من غير تفريط، اما تسليمها لهم بغير اذن صريح أو مع الشك في رضاه فغير جائز و لو كانوا أمناء و حينئذ فلو تلفت كانت مضمونة، و للمودع الرجوع على الودعي و على أمينه الذي تلفت عنده و هو يرجع على الودعي ان كان قد غره كما لو كان جاهلا، اما مع علمه فلا رجوع و يكون قرار الضمان عليه، اما لو رجع على الودعي فلا رجوع له على أمينه مع جهله و الا رجع عليه، و من كل هذا يظهر لك الخلل في عبارة (المجلة) بإطلاق قولها فإذا هلكت في يده أو عند أمينه فلا ضمان عليه و لا على أمينه.

(مادة: 781) للمستودع ان يحفظ الوديعة في المحل الذي يحفظ فيه ماله.

ص: 27

تختلف مواضع حفظ الأموال، باختلاف أنواع الأموال، فموضع حفظ الدابة و هو الإصطبل- مثلا- غير محل حفظ الثياب و هو الصندوق أو الدولاب، و محل حفظ الدراهم و الجواهر و هو الحقيقة و صندوق الحديد غير محل حفظ الكتب و هو الخزانة، و هكذا فالواجب على الودعي أن يحفظ الوديعة في المحل المتعارف لحفظها فلو تعداه ضمن، و المراد من المحل الذي يحفظ ماله هو هذا المعنى لا انه المحل الذي يحفظ ماله و ان لم يكن من المتعارف حفظها فيه فلو تسامح في ثيابه فوضعها في الغرفة و حقها ان تحفظ في الخزانة كان ضامنا كما لا يجوز له ان يضع الوديعة أيضا في الغرفة كما هو واضح، و لو كانت داره خربة أو قصيرة الجدران فاللازم وضعها في دار اخرى و هكذا سائر الجهات و الى ما ذكر تنظر مادة (782) يلزم حفظ الوديعة في حرز مثلها، بناء عليه وضع مثل النقود و الجوهرات في إصطبل الدواب أو التبن تقصير في الحفظ و بهذه الحال إذا ضاعت الوديعة أو هلكت لزم الضمان.

(مادة: 783) إذا كان المستودع جماعة متعددين

فان لم تكن الوديعة قابلة للقسمة يحفظها أحدهم بإذن الباقين أو يجعلونها مناوبة و بهاتين الصورتين إذا هلكت الوديعة بلا تقصير فلا ضمان على أحدهم و ان كانت قابلة للقسمة يقسمها المستودعون بينهم بالسوية و كل منهم يحفظ حصته منها، و بهذه الصورة ليس لأحدهم أن يسلم

ص: 28

حصته لمستودع آخر بدون اذن المودع.،

الميزان الصحيح هنا- هو ما أشرنا إليه من ان المدار على مقدار ما يستفاد من اذن المودع و رخصته لا على قضية قابلية الوديعة للقسمة و عدم قابليتها فإنه مما لا اثر له في المقام أصلا، فإن ظهر من مقال أو حال انه يريد التوزيع أو الشركة على نحو المجموع أو الجميع البدلي أو الشمولي لزم ذلك و لا يجوز التعدي، اما لو لم يظهر خصوص بعض الوجوه فالإطلاق يقتضي وجوب تحري الأصلح في حفظها عليهم جميعا، فان وجدوا القسمة أصلح قسموها مع الإمكان و الا فالمناوبة أو غيرها من الأساليب و لا ضمان عليهم لو تلفت بغير تفريط و أقصى ما عليهم اليمين انهم قد تحروا الأصلح بقسمة أو غيرها، و مع تعين القسمة من إطلاق أو تقييد فلو دفع أحدهم حصته للآخر و هلكت من غير تعد فهل يضمن أولا؟ و على الأول فعلى من يكون الضمان على المسلم أو المستلم؟ أما أصل الضمان فلا ينبغي الإشكال في لزومه و ان نسب الى بعض فقهاء المذاهب عدمه، و لعله في غير صورة التقييد، و اما الضامن فقد جعلته (المجلة) المسلم حيث قالت:

و إذا سلمها فهلكت في يد المستودع الآخر بلا تقصير منه فلا يلزمه الضمان، بل يلزم الذي سلمه إياها ضمان حصته منها.

و يعلل ذلك بان المستلم أمين المسلم عند أبي حنيفة- و الأمين لا يضمن.

و لو صح هذا لاقتضى سقوط الضمان عنهما معا، فان المسلم أيضا

ص: 29

أمين للمالك المودع، و لكنه لما خرج عن الأمانة بالمخالفة صارت يده و ما يتفرع عنها من الأيدي ضمانية و المالك حينئذ- كما عرفت- مخير بين الرجوع على أى شاء منهما على قاعدة توارد الأيادي أو الأيدي، أما رجوع أحدهما على الآخر فقد عرفت قريبا بيانه.

(مادة: 784) الشرط الواقع في عقد الإيداع إذا كان ممكن الاجراء و مفيدا يكون معتبرا و الا فهو لغو

الذي تقتضيه القواعد كما سبق قريبا ان كل شرط يشترطه المالك المودع و يقبله الودعي و هو مقدور فهو لازم سواء كان مفيدا أو غير مفيد لان العقد وقع على هذه الصفة فيلزم العمل به و ما عداه لا رخصة فيه و لا اذن من المالك فيكون حراما و ضامنا، و لكن القوم لما كان باب الاستحسان مفتوحا عندهم على مصراعيه و كثيرا آخذون بالاستحسان و يطرحون النص فما نحن فيه يوشك ان يكون من هذا القبيل، و هو اجتهاد في مقابلة النص، و على كل فالحق هو الضمان إذا تخطى مورد الشرط، الا مع العجز عن العمل على حد ان (الضروريات تبيح المحظورات) نعم لو اشترط شرطا و تبين انه لو عمل الودعي به لا وجب تلف العين يمكن القول بلغويته و عدم وجوب اتباعه على تأمل أيضا، و لعل من هذا القبيل ما ذكرته (المجلة) بقولها:

مثلا إذا كان قد شرط وقت العقد ان يحفظ المستودع الوديعة في داره فنقلها المستودع الى محل آخر بسبب وقوع حريق في داره لا يعتبر ذلك الشرط، و بهذه الصورة

ص: 30

إذا نقلها فهلكت بلا تعد و لا تقصير لا يلزم الضمان، و كذا إذا أمر المودع المستودع بحفظ الوديعة و نهاه عن ان يسلمها لزوجته أو ابنه أو خادمه أو لمن يأمنه على حفظ مال نفسه فإذا كان ثمة أمر مجبر على تسليم الوديعة لأحد هؤلاء كان ذلك النهي غير معتبر، و بهذه الصورة أيضا إذا هلكت الوديعة بلا تعد و لا تقصير لا يلزم الضمان، و إذا سلمها بلا مجبورية فهلكت لزمه الضمان، كذلك إذا شرط ان تحفظ في حجرة معينة فحفظها المستودع في حجرة غيرها فان كان حجر تلك الدار متساوية في الحفظ لا يكون ذلك الشرط معتبرا، و حينئذ إذا هلكت الوديعة فلا ضمان و أما إذا كان بين الحجر تفاوت كان كانت احدى الحجر بنيت بالأحجار و الأخرى بالأخشاب فيعتبر الشرط و يكون المستودع مجبورا على حفظها في الحجرة التي تعينت وقت العقد و إذا وضعها في حجرة دون تلك الحجرة في الحفظ فهلكت يكون ضامنا.

فان الحريق في المثال الأول، و المجبورية المفروضة في الثاني يصلح ان يكون وجها لمخالفة الشرط، نظرا الى ان مثل هذه الشروط مقيدة بقيد عقلي ارتكازي، فإن اشتراط وضعها بالدار مقيد بما إذا كانت الدار احفظ لها، و كذا حفظه بنفسه، أما مع اليقين بتلفها لو بقيت في الدار فلا محل للشرط، و لكن لا يتم هذا في المثال الثالث فإنه إذا عين حجرة تعينت سواء تساوت الحجر أو اختلفت.

نعم لو حصل اليقين بان بقاءها في تلك الحجرة يوجب تلفها جاز أو وجب مخالفة الشرط، اما لو تساوى بقاؤها و نقلها تعين بقاؤها بالشرط

ص: 31

فتدبره جيدا.

(مادة: 785) إذا كان صاحب الوديعة غائبا غيبة منقطعة

بحيث لا يعلم موته و لا حياته يحفظها المستودع الى ان يعلم موت صاحبها أو حياته.

و لا يجوز ان يسلمها للوارث و لا لغيره، نعم يجوز ان يسلمها لحاكم الشرع لولايته العامة و قد يتعين ذلك كما لو كانت مما يفسد بالمكث و دار الأمر بين ان تملك أو تباع و يحفظ ثمنها، فان اللازم دفعها اليه ليتولى ذلك، كل هذا حيث لا يكون للمودع وكيل خاص و الا وجب دفعها اليه لا لحاكم الشرع، و لو كان بقاؤها يفضي الى هلاكها فلم يبعها و لم يدفعها لحاكم الشرع أو لوكيله الخاص ضمن بلا اشكال لتقصيره فلا وجه لما ذكرته (المجلة) بقولها في ذيل هذه المادة:

إلا أنه إذا كانت الوديعة مما يفسد بالمكث فيبيعها المستودع بإذن الحاكم و يحفظ ثمنها امانة عنده، لكن إذا لم يبعها ففسدت بالمكث لا يضمن.

(مادة: 786) الوديعة التي تحتاج إلى النفقة كالخيل و البقر نفقتها على صاحبها،

و إذا كان صاحبها غائبا فيرفع المستودع الأمر إلى الحاكم، و الحاكم حينئذ يأمر بإجراء الأنفع و الأصلح في حق صاحب الوديعة فإن كان يمكن إيجار الوديعة يؤجرها المستودع برأى الحاكم و ينفق عليها من أجرتها أو يبيعها بثمن مثلها، و إذا لم يمكن

ص: 32

إيجارها فيبيعها فورا بثمن المثل، أو ينفق عليها المستودع من ماله ثلاثة أيام ثم يبيعها بثمن مثلها، ثم يطلب نفقة تلك الأيام الثلاثة من صاحبها و إذا أنفق عليها بدون اذن الحاكم فليس له مطالبة صاحبها بما أنفقه عليها.

فلو تعسر أو تعذر مراجعة الحاكم و لم يتبرع هو و لا غيره مجانا أو بالعوض باعها بنفسه و أشهد عدلين على البيع و الثمن، و التقييد بثلاثة أيام لا وجه له، كل ذلك في الغيبة المنقطعة، أما مع إمكان مراجعة المودع و إنذاره فان لم يرسل النفقة- إلى ثلاثة أيام أو أكثر حسب اختلاف الموارد- راجع المستودع الحاكم- الى آخر ما سبق.

(مادة: 787) إذا هلكت الوديعة أو نقصت قيمتها بسبب تعدي المستودع أو تقصيره لزمه الضمان،

مثلا- إذا صرف المستودع نقود الوديعة في أمور نفسه أو استهلكها ضمنها، و بهذه الصورة إذا صرف النقود التي هي أمانة عنده على الوجه المذكور ثم وضع بدل تلك النقود في الكيس المعد لها فهلكت أو ضاعت و هو ذاهب بها ضمن قيمتها سواء كان هلاكها بسبب سرعة السير فوق الوجه المعتاد أو بسبب آخر أو بلا سبب، و كذا يضمنها إذا سرقت، و كذا إذا وقع حريق و لم ينقل الوديعة إلى محل آخر مع قدرته على ذلك فاحترقت ضمنها.

هذا كله مما لا اشكال فيه، انما فيما لو خرج عن الامانة و تاب و أعاد بدلها مثلا أو قيمة كما في (المجلة): ثم وضع بدل تلك

ص: 33

النقود في الكيس المعد لها إلخ .. فلو تلفت بعد ذلك بدون تعد فهل يضمنها لارتفاع الائتمان بذلك أو لا يضمن لأنها عادت بالقصد الثاني- قضية مشكلة- و التحقيق فيها انك عرفت قريبا ان الأمانات على ثلاثة أنواع.

الأول ما يكون القبض لمصلحة المالك فقط كالوديعة، و الوكيل بلا أجرة، و عارية الرهن، و ما في هذا السبيل.

و هذا النوع مما تكون به يد القابض كيد المالك لا ينبغي الإشكال في عدم ضمانه لو صدقه المالك بالتلف و ادعى عليه التقصير فليس عليه الا اليمين، و مثل هذا فيما لو ادعى السرقة أو الرد أو نحوهما فان القول قوله بيمينه في جميع ذلك لانه محسن و أمين و (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) الا ان يثبت خلاف ما يقول بالبينة.

الثاني-: ما يكون لمصلحة القابض فقط، و القول هنا أيضا قول المالك لا القابض عكس الاولى، فلو خان المستعير ثم عاد لا يرتفع الضمان عنه، لانه صار كالغاصب، و صارت يده ضمانية و لا سبب لعود تلك اليد الزائلة و (الزائل لا يعود) و هذا أيضا مما لا ينبغي الإشكال فيه، انما الإشكال في:

الثالث-: و هو ما كان القبض فيه لمصلحة الطرفين و ذلك كالإجارة و المضاربة و الوكالة بالأجرة و ما جرى على هذا النهج، فلو تعدى المستأجر في العين المستأجرة ثم عاد الى ما استحقه بالعقد أو شرط عليه شرطا فخالفه ثم عاد الى العمل به، ثم تلفت بغير تفريط فهل يضمنها

ص: 34

لانه صار كالغاصب أو لا لانه عاد إلى الأمانة؟ المسألة جد مشكلة، و الذي ظهر لي من التتبع في كلمات فقهائنا انهم لا يرتبون احكام الامانة أصلا على هذين القسمين، حتى قبل المخالفة، فلو ادعى السرقة أو الرد أو النقص يلزمه الإثبات و لا يقبل قوله بيمينه، بل القول قول المالك، و لا يقبل قول الأمين إلا في القسم الأول الذي هو محسن و أمين نعم لو ادعى المالك عليه التفريط بعد تصديقه في التلف أمكن الحكم بقبول قوله بيمينه في جميع الأقسام الثلاثة، و وجه الفرق بين هذا و بين تلك واضح يظهر بالتأمل.

(مادة: 788) خلط الوديعة بمال آخر بحيث لا يمكن تمييزها و تفريقها عنه، بدون اذن المودع يعد تعديا،

بناء عليه لو خلط المستودع دنانير الوديعة بدنانير له أو دنانير وديعة عنده لآخر متماثلة بلا اذن فضاعت أو سرقت لزمه الضمان، و كذا لو خلطها غير المستودع على الوجه المشروح ضمن الخالط.

«تحرير هذا» ان فاعل الخلط اما المالك المودع أو المستودع أو الأجنبي فإن كان هو المالك فقد أبطل الإيداع و برئت ذمة المستودع من العهدة، و ان كان هو المستودع أو الأجنبي فلا يخلو اما ان يكون بالمماثل جنسا المساوي قيمة أو الأعلى أو الأدنى و اما ان يكون بالمغاير جنسا و على كل التقادير اما ان يمكن التمييز و الإفراز، أو يتعذر أو يتعسر، فان كان الخلط بالجنس المساوي قيمة كخلط الحنطة بالحنطة المساوية، أو الدراهم بالدراهم، فالامانة بحالها إذ

ص: 35

لم يحدث بنظر العرف ما ينافي الحفظ فيقسمها و تبقى وديعة كما كانت و لو تلفت بلا تفريط لم يضمن، و ان كان بالجنس المتفاوت كحنطة جيده برديئه أو العكس فإن أمكن القسمة بالنسبة كثلث و ثلثين فكالأول و الا فكالخلط بالمغاير إن أمكن التمييز تعين كخلط الحنطة بالشعير الذي يمكن إفراز أحدهما بالماء فالشعير يطفو و الحنطة ترسب حيث لا يضر الماء و ان لم يمكن كان بحكم التلف و يتخير المودع حينئذ بين تغريم المستودع أو الأجنبي المثل أو القيمة أو البقاء على الشركة مع تغريمه أرش النقيصة أو عيب الشركة، و إذا غرم المثل أو القيمة صار المستودع أو الأجنبي شريكا مع صاحب المال المختلط انتقالا قهريا أو شركة قهرية هذا إذا بقي المال المختلط اما لو تلف بعد الخلط فالخالط ضامن للمودع مطلقا، سواء كان هو المستودع أو الأجنبي، لأن المستودع بتصرفه الغير المأذون به خرج عن الامانة و صار ضامنا، و لا ينافيه عدم الضمان لو تلفت بعد القسمة لأن الأمانة تعود بعد القسمة و إفراز المالين فليتدبر.

ثم ان الخلط و الامتزاج اما ان يكون اختياريا أو قهريا و الاختياري اما ان يكون بإذن المودع أو بغير إذنه، اما بغير اذنه فقد تقدم و اما الواقع بإذنه أو قهرا فهو ما أنبأت عنه.

(مادة: 789) إذا خلط المستودع الوديعة بإذن صاحبها على الوجه الذي ذكر في المادة السابقة

أو اختلطت مع مال آخر بدون صنعه بحيث لا يمكن تفريق أحد المالين عن الآخر، مثلا-

ص: 36

إذا تهرى الكيس الذي فيه دنانير الوديعة داخل صندوق فيه دنانير أخر للمستودع مماثلة لها فاختلط المالان اشترك صاحب الوديعة و المستودع بمجموع الدنانير كل منهما على قدر حصته، و بهذه الصورة إذا هلكت أو ضاعت بلا تعد و لا تقصير فلا يلزم الضمان.

و حاصلها ان الوديعة إذا اختلطت بمال المستودع أو غيره بإذن المودع أو قهرا صارت شركة اختيارية أو قهرية و حكم الشركة ان تلفت- كلا أو بعضا- يكون على الشريكين و لا يضمن أحدهما للآخر إلا مع العدوان و حيث لا عدوان فلا ضمان.

و قد اختلفت مذاهب القوم، فالمنسوب الى أبي حنيفة: ان المال كله يكون للمستودع أو الأجنبي و يضمن حصة المودع و صاحبه أبو يوسف يقول: ان الكل يكون تابعا للأكثر و صاحبه يملك الجموع و يغرم للآخر.

و كلها أقاويل عارية عن الدليل، و الحق ما ذكرناه في الشركة و تجري في الفرض المزبور أحكامها.

(مادة: 790) ليس للمستودع إيداع الوديعة عند آخر بدون اذن و إذا أودعها فهلكت صار ضامنا،

ثم إذا كان هلاكها عند المستودع الثاني بتقصير أو تعد منه فالمودع مخير ان شاء ضمنها للمستودع الأول و ان شاء ضمنها للثاني فإذا ضمنها للمستودع الأول فيرجع على الثاني بما ضمنها.

ظاهر العبارة ان الضمان على المستودع الأول فقط و هو قول

ص: 37

الحنفية، لأن الثاني أمين الأول فلا رجوع عليه لا من المودع و لا من المستودع، أما بقية فقهاء المذاهب فقد ذهبوا إلى أن المودع مخير بين الرجوع على الأول أو الثاني، فإن رجع على الثاني رجع الثاني على الأول و لا عكس، و هو قول الإمامية قاطبة، على قاعدة توارد الأيدي على العين الواحدة، هذا إذا هلكت عند الثاني بغير تفريط، اما لو هلكت بتفريطه أو تعديه فللمودع الرجوع على كل منهما اتفاقا و قرار الضمان على الثاني كما صرحت هذه المادة

(مادة: 791) إذا أودع المستودع الوديعة عند آخر

بإذن المودع خرج المستودع الأول من العهدة و صار الثاني مستودعا.

فلا رجوع على الأول لو تلفت عند الثاني مطلقا.

(مادة: 792) كما انه يسوغ للمستودع استعمال الوديعة بإذن صاحبها فله ان يؤجرها أو يعيرها و ان يرهنها أيضا،

و اما لو آجرها أو أعارها لآخر أو رهنها بدون اذن صاحبها فهلكت أو نقصت قيمتها في يد المستأجر أو المستعير أو المرتهن ضمن لو اختصر كل ذلك بكلمتين لكان أصح و أفصح فقال: كل تصرف من استعمال أو عقد على الوديعة بإذن صاحبها نافذ و بدونه باطل بل و ضامن ان دفعها الى المستأجر أو المستعير، و لا حاجة الى هذه التطويلات المملة أو المخلة مثل:

(مادة: 793) إذا أقرض المستودع دراهم الوديعة لآخر بلا اذن و لم يجز صاحبها ضمنها المستودع،

و كذا

ص: 38

لو أدى المستودع دين المودع الذي بذمته من الدراهم المودعة التي بيده فلم يرض المودع ضمن أيضا.

(مادة: 794) يلزم رد الوديعة إلى صاحبها إذا طلبها

و مئونة الرد و التسليم اي مصارفهما و كلفتهما عائدة إلى المودع و إذا طلبها المودع فلم يسلمها له المستودع و هلكت أو ضاعت ضمنها المستودع لكن إذا كان عدم تسليمها وقت الطلب ناشئا عن عذر كان تكون حينئذ في محل بعيد ثم هلكت أو ضاعت فلا يلزم الضمان.

عرفت قبلا ان الوديعة أمانة مالكية فلا يجب ردها الا مع الطلب بنفسه أو وكيله فيردها له أو لوكيله في خصوص الرد و كان ينبغي ان يضم إليها.

[مادة: 795] يرد المستودع الوديعة بذاته أو على يد أمينه

و إذا أرسلها و ردها بواسطة أمينه فهلكت أو ضاعت قبل وصولها للمودع بلا تقصير فلا ضمان

(مادة: 796) إذا أودع رجلان مالا مشتركا لهما عند شخص

ثم جاء أحد الشريكين في غيبة الآخر و طلب حصته من المستودع فان كانت الوديعة من المثليات إعطاء المستودع حصته و ان كانت من القيميات لا يعطيه إياها.

منع أبو حنيفة من إعطاء أحدهما بدون حضور الآخر مطلقا و فصل صاحباه هذا التفصيل، و لعل نظرهما الى ان إعطاء حصته من المثلي كالطعام و نحوه لا ضرر فيه و قسمته ممكنة بسهولة بخلاف القيمي

ص: 39

كالعبد و الجوهر، و يؤخذ عليهما ان اللازم حينئذ جعل المدار على إمكان القسمة و عدمها لا على المثلي و القيمي إذ رب مثلي لا يمكنه كالثوب و نحوه.

و على كل فالحق هو المنع مطلقا لأن إعطاء حصة أحدهما قسمة و المستودع حسب الفرض غير مفوض عليها و لا مأذون بها فيضمن نعم لو اذنا له في ذلك صح بلا اشكال، و لو دفع لأحدهما حصته في صورة عدم الجواز فتلفت اشترك الاثنان في الباقي و استقر الضمان على من تلفت الحصة في يده و يشتركان أيضا في بدلها.

(مادة: 797) يعتبر مكان الإيداع في تسليم الوديعة

مثلا- لو أودع مال في (استانبول) يسلم في (استانبول) أيضا و لا يجبر المستودع على تسليمه في «ادرنه». و هذا واضح.

(مادة: 798) منافع الوديعة لصاحبها

مثلا- نتاج حيوان الوديعة- أي فلوه و لبنه و شعره- لصاحب الحيوان.

هذا واضح لان منافع العين لمالكها و لا فرق في ذلك بين المنافع العينية كاللبن و الصوف و النتاج و بين الاعتبارية كسكنى الدار و ركوب الدابة.

و من الغريب هنا قول بعض الشراح.

أما غير المتولدة كبدل الإيجار فهي إلى المستودع فإذا آجر المستودع الوديعة و أخذ أجرتها تكون له دون المودع و ان كانت غير طيبة و كذا إذا اتجر المستودع بالنقود المودعة و ربح بها فالربح له دون

ص: 40

المودع ا ه.

(مادة: 799) إذا كان صاحب الوديعة غائبا ففرض الحاكم من الدراهم نفقة

لمن يلزم صاحب الوديعة الإنفاق عليه بطلبه فصرف المستودع تلك النفقة المفروضة من الدراهم المودعة لا يلزم الضمان، و أما إذا صرف بدون أمر الحاكم فيضمن.

و من المعلوم ان الحاكم لا يحكم بهذا الحكم الا بعد تحقق مقدمات.

(منها) استحقاق النفقة.

و (منها) عدم إمكان مراجعة المودع.

و (منها) عدم وجود مال آخر له و هكذا.

كما انه لو تعذر أو تعسر مراجعة الحاكم كان لنفس المستودع ان ينفق منها على واجب النفقة و لكن مع أخذ الوكيل على دفع بدلها لو تبين ان المودع كان قد دفع النفقة أو كان المنفق عليه غير مستحق.

(مادة: 800) إذا عرض للمستودع جنون بحيث لا نرجي إفاقته

و لو صحوه منه و كان قد استودع مالا قبل جنونه ثم لم يوجد عنده المال المذكور بعينه كان للمودع ان يعطي كفيلا ماليا و يضمنها من مال المجنون، ثم إذا أفاق المجنون فادعى رد الوديعة لصاحبها أو هلاكها بلا تعد و لا تقصير يصدق بيمينه و يسترد ما أخذ من ماله بدل الوديعة.

هذه القضية الفرضية مرجعها الى الحاكم الذي هو ولي المجنون و هي منوطة إلى نظره، و كل تصرف يكون في ماله من غير اجازة الحاكم

ص: 41

فهو حرام باطل حتى لو وجد المودع عين ماله- أي الوديعة- لا يجوز له أخذها إلا بمراجعة الحاكم على الأحوط الا في بعض الصور.

(مادة: 801) إذا مات المستودع و وجدت الوديعة عينا في تركته تكون امانة في يد وارثه فيردها لصاحبها

و اما إذا لم توجد عينا في تركته فإن أثبت الوارث ان المستودع قد بين حال الوديعة في حياته كان قال: رددت الوديعة لصاحبها، أو قال: ضاعت بلا تعد، فلا يلزم الضمان، و كذا لو قال الوارث: نحن نعرف الوديعة، و فسرها ببيان أوصافها ثم قال: انها هلكت، أو ضاعت بعد وفاة المستودع، صدق بيمينه و لا ضمان حينئذ، و إذا مات المستودع بدون ان يبين حال الوديعة يكون مجهلا فتؤخذ الوديعة من تركته كسائر ديونه، و كذا لو قال الوارث، نحن نعرف الوديعة بدون ان يفسرها و يصفها لا يعتبر قوله: انها ضاعت، و بهذه الصورة إذا لم يثبت انها ضاعت يلزم الضمان من التركة.

لا ريب ان الوديعة كالوكالة تبطل بموت كل من المودع و المستودع و حينئذ يجب على وارث المستودع بمجرد موته ان يرد العين الى المودع كما يجب على نفس المستودع ان يردها على وارث المودع لو مات لأنها خرجت عن الأمانة المالكية و صارت شرعية فلو لم يبادر الى ردها و تلفت ضمنها مطلقا حتى مع عدم التعدي و لا يصدق بدعوى التلف من غير تفريط حتى مع يمينه بل يلزمه الإثبات لو ادعى عدم التقصير في المبادرة على تأمل

ص: 42

و على كل فإطلاق (المجلة) انها تكون امانة في يد وارثه على إطلاقه غير سديد.

و كذا قولها: لو قال الوارث نحن نعرف الوديعة و فسرها إلخ.

فلو مات المستودع و لم يعلم حال الوديعة لا تؤخذ من تركته الا بعد إقرار الورثة أو إثباتها عند حاكم الشرع و يمين المودع انه لم يسترجعها

(مادة: 802) إذا مات المودع تسلم الوديعة لوارثه

لكن لو كانت التركة مستغرقة بالدين فيرفع الأمر إلى الحاكم فان سلمها المستودع الى الوارث بدون اذن الحاكم فاستهلكها هو ضمن المستودع.

(مادة: 803) الوديعة إذا لزم ضمانها

فان كانت من المثليات تضمن بمثلها و ان كانت من القيميات تضمن بقيمة يوم لزوم الضمان.

عرفت مكررا انهم قسموا الأموال إلى مثلية و قيمية، و حكموا بأن المثلي يضمن بالمثل و القيمي بالقيمية، و عرفوا كلا منهما بتعاريف لا تخلو من نقاش، و ذكرنا ما عندنا في هذا الموضوع، و ان الأصل في ضمان كل مال هو المثل، فحيث يوجد مثله وجب مثليا كان أو قيميا و الا وجبت القيمة أيضا كذلك راجع (الجزء الأول) و لو أودع عنده سند الدين أو قبالة المهر أو صك ملكية الدار أشكل قضية الضمان، و لكن إذا كان ضياع السند يوجب فوات الدين و جحود الدائن فيمكن دعوى لزوم ضمان الدين عليه لانه قد فات

ص: 43

عليه بسببه و ان كان لا يخلو من اشكال.

و قد أهملت (المجلة) على عادتها مسائل الخلاف و التخاصم بين المودع و المستودع و غيرها و ها نحن نذكر المهم في مواد.

(1) لو ادعى في المال الذي بيد شخص أنه وديعة فأنكر فالقول قوله بيمينه.

(2) لو اعترف بالوديعة و ادعى الرد أو التلف أو عدم التفريط أو الإنفاق عليها لحفظها أو اجرة نقلها الى مكان حريز، أو ما يجرى هذا المجرى، ففي كل ذلك القول قول المستودع لما عرفت من انه محسن و أمين فيصدق بيمينه و ان كان مدعيا و لكن خرج عن قاعدة المدعي بالإحسان.

(3) لو أنكر الوديعة ثم اعترف بها و ادعى التلف لم يقبل قوله و عليه الإثبات لأنه خرج بالجحود عن الائتمان، و لكن لو ادعى ان الجحود كان لنسيان أو غرض آخر معقول يحلف على ذلك و على التلف أو الرد و يبرأ من الضمان، و هكذا لو ادعى الرد ثم ادعى التلف أو العكس (4) لو اعترف ان المال لزيد و لكنه ادعى الوديعة و تلف بلا تفريط فلا ضمان، و لو ادعى زيد انه قد غصبه منه فالقول قول المقر بيمينه، و على مدعي الغصب الإثبات.

(5) لو اعترف انه له و لكنه عارية يملك منافعها و ادعى المالك انه وديعة فمنافعها له فالقول قول مدعي العارية بيمينه على تأمل (6) لو اعترف انه له و ادعى المالك انه إجارة و ادعى

ص: 44

المعترف أنه وديعة فالقول قوله بيمينه.

(7) لو كان له عليه دين و له عنده وديعة بقدره فدفع ذلك المبلغ و قال: هو دينك و الوديعة تلفت يقبل قوله بيمينه.

(8) لو ادعى اثنان ان العين التي هي بيد زيد وديعة لهما فاما ان يصدقهما فيدفعها لهما أو يعترف بها لأحدهما المعين أو المردد أو ينكرهما معا، فان اعترف بها لمعين دفعها له و انحصرت بينه و بين الآخر الدعوى ان ادعى كل منهما الاختصاص و الا اشتركا.

و ان اعترف لأحدهما المردد بقيت بيده الى ان تنتهي الدعوى بينهما فيدفعها لمن حكم له الحاكم، و ان أنكرهما معا توجه اليمين عليه لكل واحد منهما، فان لكل حلفا و كان المال بينهما ان ادعيا الاشتراك، و الا بقي بيده أو يدفعه للحاكم الى ان تنتهي الخصومة بينهما، و ان حلف لواحد و نكل عن الآخر حلف و أخذ المال، و لو نكل حلف الآخر و أخذه (9) لو تنازعا فقال أحدهما للآخر: ان الذي دفعته لي هو ديني عليك، و قال الآخر: بل هو وديعة يلزمك ان تردها لي و المسألة لا تخلو من غموض و لا يبعد ترجيح قول مدعي الوديعة لأصالة عدم الدين و لاعترافه بان يده متفرعة و مسبوقة بيد الآخر، و مع ذلك فهي محتاجة إلى التأمل.

و لعل هناك صورا اخرى للخلاف و في ما ذكرنا كفاية.

ص: 45

الباب الثالث (في العارية)

اشارة

(و يشتمل على فصلين)

(الفصل الأول) في (المسائل المتعلقة بعقد الإعارة و شروطها)

اشارة

[و هاهنا مباحث]

(الأول) ان (المجلة) أدمجت العارية في مباحث الوديعة،

و جعلتها- أي العارية- بابا من أبواب الوديعة نظرا للقدر الجامع بينهما، و انهما من أصل واحد- و هو الامانة- و غفلوا عن البون الشاسع بينهما، و الفرق العظيم، و ان الوديعة ضد العارية تماما ضرورة أن الوديعة ائتمان المالك، و العارية ائتمان لمصلحة القابض و لهذا اختلفا في الأحكام فدعوى الرد يقبل باليمين في الوديعة، و لا يقبل في العارية، و كذا دعوى التلف و نحوه.

و «الحاصل» الاولى أفراد العارية بكتاب مستقل كما صنعه

ص: 46

عامة فقهائنا، و هذا سهل لا أهمية له، انما المهم و المشكل جدا معرفة ان العارية عقد يحتاج إلى إيجاب و قبول، أو هو إيقاع يكفي فيه الصيغة من المالك، و لعل هذا يبتني على قضية تعرف حقيقة هذا العقد و انه هل هو تمليك المنافع أو إباحة و رخصة في الانتفاع لا غير فهي على الأول عقد و على الثاني إيقاع، و عند تدقيق النظر، و تعمق الفكر لا تجد العارية عند العرف تفيد أكثر من جواز الانتفاع لا أقل و لا أكثر و ليس لها نظر الى قضية التمليك أصلا، و كذا لو ان المستعير وهب المنافع أو صالح عليها أو نقلها بغير اذن المالك أو إجازته إلى الغير بأحد الأسباب الناقلة كان ذلك عدوانا منه و عملا باطلا، و لو انه ملك المنافع بالعارية لجاز له كل ذلك فليتدبر.

(الثاني) انهم ذكروا ان (العارية) تشدد و تخفف- من التعاور

بمعنى التداول من يد الى يد مثلها العارة و الجمع عواري و فعلها اعتور أو من أعاره اعارة بمعنى أخذه و ذهب بسرعة و ربما رجع الى الأول أو من عراه بمعنى قصده أو من العار و هو اروهن الجميع فان العار بائي و العارية و أوى و لذا تجمع على عواري و لا يحسن اطالة البحث في هذا فان معنى العارية استعمالا عند الشرع و العرف اجلى من كل تلك المآخذ، و له اطلاقان (أحدهما) عند المتشرعة اعني الفقهاء حيث يقولون كتاب العارية و احكام العارية و أمثال ذلك فإنهم يريدون به ذلك العقد أو الإيقاع الذي يفيد تمليك المنافع أو إباحتها مجانا (ثانيهما) عند

ص: 47

العرف حيث يقولون هذا الثوب عارية و هذا الكتاب مستعار أو عارية و يريدون به العين التي أباح المالك منافعها أو ملكها لغيره مجانا فهي تطلق على اسم المعنى مرة و على اسم العين اخرى و أصح مأخذها التعاور بمعنى التداول سواء جعلناها مصدرا أو اسم مصدر أو اسم عين.

(الثالث) ان الظاهر من مصاديق العارية المتداولة بين الناس انها إباحة الانتفاع بالعين مجانا

فهي إلى الإيقاع أقرب منها الى العقد و لكن المشهور بين الفريقين انها من العقود و هو صريح المجلة مادة «804» الإعارة تنعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي مثلا لو قال شخص لآخر أعرتك مالي هذا أو قال أعطيتك إياه عارية فقال الآخر قبلت أو قبضه و لم يقل شيئا أو قال رجل لإنسان أعطني هذا المال عارية فأعطاه إياه انعقدت الإعارة، و هذا هو الذي يظهر من «المحقق» في الشرائع حيث قال رضوان اللّٰه عليه: و هي عقد ثمرته التبرع بالمنفعة- و لكنه أصاب حيث قال في آخرها: و لا يجوز اعارة العين المستعارة إلا بإذن المالك و لا إجارتها لأن المنافع ليست مملوكة للمستعير و ان كان له استيفاؤها (انتهى) و قد رد بهذا كل من توهّم أو عبر عن العارية بأنها تمليك المنفعة للمستعير و من تأمله وجده كالصريح في ان حقيقتها إيقاع و ان وقعت بصورة العقد و اشتملت على الإيجاب و القبول فإنه صورة عقد لا عقد حقيقة و لا ينبغي الريب في هذا كما لا ريب في جريان المعاطاة فيها عقدا كانت أو إيقاعا فالعقد يقع كما تشعر به هنا عبارة «المجلة»

ص: 48

بكل ما دل عليها من الألفاظ شأن العقود الجائزة عموما و ان كان أقصى ما تنتهي العارية إليه هو الأذن- و الاذن لا يحتاج إلى إيجاب و قبول، و أيضا فإن العقود التزامات و تعهدات و العارية لا التزام فيها و لا تعهد نعم لا مانع من وقوعها بصورة العقد كما عرفت. و من الغريب ان السيد الأستاد قدس سره في (العروة) تردد في جملة من العقود التي لا ينبغي الريب في عقيدتها كالضمان و الحوالة و الوكالة ثم جزم أخيرا بأنها إيقاعات و لم يذكر العارية منها و هي أحق بالذكر و الجزم بكونها إيقاعا أما تلك العقود فلا ريب في كونها عقودا و لا سيما الضمان و الحوالة، و على كل فإحراز الرضا الفعلي من المالك قولا و فعلا بانتفاع شخص بماله كاف في جواز التصرف و الانتفاع و يكون عارية و تجري عليه أحكامها سواء كانت عقدا أو إيقاعا كما صرح به المحقق في عبارته المتقدمة فتدبره جيدا.

مادة «805» سكوت المعير لا يعد قبولا

فلو طلب شخص من آخر اعارة شي ء فسكت ثم أخذه المستعير كان غاصبا،،، السكوت لا يعد قبولا و لا يدل على الرضا الا في موارد مخصوصة يكون شاهد الحال فيها دليلا على الرضا اما السكوت بذاته فلا يدل على شي ء و قد تقدم في الجزء الأول في القواعد الكلية، مادة (67) لا ينسب الى ساكت قول لكن السكوت في معرض الحاجة بيان.

و القصارى انه لا خصوصية في العارية و لا غيرها في عدم الاكتفاء بالسكوت و ان المدار في جميع موارده على القرائن الحالية فإن دلت على

ص: 49

الرضا فهو و الا فالسكوت ليس له أي أثر، و من هنا يندفع سؤال الفرق بين الوديعة و بين العارية حيث اكتفت (المجلة) بالسكوت في الأولى دون الثانية كما نصت عليه مادة (773) فان القرينة هناك دلت على الرضا لا السكوت و لو حصل في العارية لكفى لكنها في الغالب لا تحصل فافهم هذا جيدا.

ثم ان من المتفق عليه ان العارية كالوديعة عقدا كانت أو إيقاعا جائزة بمعنى ان للمعير أن يرجع متى شاء لأنها في الحقيقة ليست إلا الاذن بالتصرف كما عرفت و تعرف في مادة (806) و للمستعير أن يرجع عن الإعارة متى شاء، و مادة (807) تنفسخ الإعارة بموت المعير و المستعير.

بل يرتفع الاذن بموت أحدهما لزوال الموضوع و التعبير بالانفساخ تسامح

مادة (808) يشترط كون المستعار صالحا للانتفاع به

بناء عليه لا تصح اعارة الحيوان الناد الفار و لا استعارته،،، ان كان الحيوان الفار مما يستبعد في العادة عوده كالطير الوحشي الذي صاده ثم طار أو السمك الذي رجع الى الماء كانت العارية لغوا لعدم موضوع لها و ان كان مما يمكن عوده عادة أو يمكن و لو للمستعير تحصيله فلا مانع من صحة العارية.

مادة (809) يشترط كون المعير و المستعير عاقلين مميزين

و لا يشترط كونهما بالغين بناء عليه لا يجوز اعارة المجنون و لا الصبي غير المميز أما الصبي المأذون فيجوز إعارته و استعارته

ص: 50

اعتبار قيد التمييز بعد اعتبار قيد العقل مستدرك عند اولي التمييز اما عند الإمامية فالبلوغ معتبر في جميع المعاملات و لا يكفي التمييز إلا في موارد مخصوصة كوصية من بلغ عشرا و نحوها من اعمال البر و المعروف و يمكن على القول بأن العارية إباحة اندراجها في ذلك على تأمل.

مادة (810) القبض شرط في العارية

فلا حكم لها قبل القبض، لم نجد لفقهائنا و لا لفقهاء المذاهب نصا على هذا الشرط و بناء على كونها عقدا فحال القبض بالنسبة إليها حال سائر العقود اما بناء على كونها إباحة و رخصة فلا معنى لاعتبار القبض فيها أصلا كما هو واضح

مادة (811) يلزم تعيين المستعار

و بناء عليه إذا أعار شخص احدى دابتين بدون تعيين و لا تخيير لا تصح الإعارة بل يلزم ان يعين المعير منهما الدابة التي يريد إعارتها لكن إذا قال المعير للمستعير خذ أيهما شئت عارية و خيره صحت العارية،،، ليس معنى هذا لزوم التعيين بل معناه ان الإبهام مفسد للعارية فإذا أعاره احدى الدابتين و جعل الخيار له أو للمستعير صح لعدم الإبهام فتتوجه العارية الى ما يقع عليه الاختيار اما لو أعاره واحدة منهما من دون تعيين و لا تخيير بطلت للإبهام فتأمله فإنه لا يخلو من دقة.

ص: 51

الفصل الثاني (في بيان أحكام العارية و ضماناتها)

مادة (812) المستعير يملك منفعة العارية بدون بدل

بناء عليه ليس للمعير ان يطلب من المستعير اجرة بعد الاستعمال،،، هذا هو قوام حقيقة العارية و هو اما إباحة المنافع أو تمليكها بلا عوض و هذا هو الفارق بينها و بين الإجارة

مادة (813) العارية امانة في يد المستعير

فإذا هلكت أو ضاعت أو نقصت قيمتها بلا تعد و لا تقصير لا يلزم الضمان مثلا إذا سقطت المرآة المعارة من يد المستعير قضاء بلا عمد أو زلقت رجل المستعير فانصدمت على مرآة فانكسرت لا يلزمه الضمان و كذا لو وقع على البساط المعار شي ء فتلوث به و نقصت قيمته فلا يضمن،،، من الشائع المعروف على السنة المتفقهة عندنا ان العارية لا تضمن إلا عارية الذهب و الفضة و الا مع الشرط و هي العارية المضمونة و الظاهر ان هذا مما تفردت به الإمامية فقد تظافرت نصوص أهل البيت (ع) ان العارية لا تضمن الا ما كان من ذهب أو فضة فهي مضمونة الا ان يشترط عدم ضمانها فأسباب ضمان العارية ثلاثة (الأول) التعدي

ص: 52

و التفريط (الثاني) اشتراط ضمانها (الثالث) كونها من ذهب أو فضة و ان لم يشترط الا ان يشترط عدمه و موارد التعدي لا تعد و قد أشارت المجلة الى بعضها في مادة (814) إذا حصل من المستعير تعد أو تقصير بحق العارية ثم هلكت أو نقصت قيمتها فبأي سبب كان الهلاك أو النقص يلزم المستعير الضمان الى قولها: و كذلك إذا استعار إنسان حليا فوضعه على صبي و تركه بدون ان يكون عند الصبي من يحفظه فسرق الحلي فإن كان الصبي قادرا على حفظ الأشياء التي عليه لا يلزم الضمان و ان لم يكن قادرا لزم المستعير الضمان،،، كل ذلك لان التقصير و التجاوز يخرجه عن الامانة فيكون ضامنا مطلقا سواء كان التلف سماويا بعد ذلك أو غير سماوي كما ان وضع الحلي المستعار على الصبي بغير اذن المعير تقصير يوجب الضمان بالتلف مطلقا.

مادة (815) نفقة المستعار على المستعير،

بناء عليه لو ترك المستعير الدابة المعارة بدون علف فهلكت ضمن، تقدم في صفحة 166 من الجزء الثاني احتمال ذلك و لكنه محل نظر بل الأصل الأولي يقتضي كونها على المالك و الا كانت أشبه بالإجارة التي هي تمليك بعوض هذا مع الإطلاق اما مع الشرط فلا ريب انه هو المتبع.

مادة (816) إذا كانت الإعارة مطلقة اي لم يقيدها ..

حاصل هذه المادة و التي بعدها ان العارية تارة تقع مطلقة فتقيد بالعرف و العادة فلو تجاوزهما و عطبت ضمن و تارة تقع مقيدة فلو تجاوز القيد

ص: 53

ضمن مطلقا سواء تجاوزه إلى المساوي أو الأعلى أو الأدنى و لا حاجة الى كل ذلك التطويل، و من هنا تعرف الخلل في مادة (818) إذا قيدت الإعارة بنوع ..

فان ذكر المعير لنوع من الأنواع ان كان على نحو القيدية لا يجوز التجاوز عنه حتى إلى الأدنى و الأخف لعدم الاذن فيه غايته ان قرائن المقام غالبا تدل على ان المراد بالقيد هو التحديد بالنسبة إلى الأشد لا الأخف و ان الملحوظ رعاية العناية بالعين و المحافظة عليها اما مع الشك و عدم القرينة المفيدة للعلم فلا يجوز التعدي. و أوهى من هذا كله ما في مادة (819) إذا كان المعير أطلق الإعارة بحيث لم يعين ..

فقد مرت عليك الإشارة الى أن إطلاق العارية يقتضي اقتصار المستعير في الانتفاع بنفسه و لا يجوز التعدي إلى غيره الا ان يصرح له بالتجاوز فإن العارية سواء كانت تمليكا أو إباحة هي على خلاف الأصل لأنها تمليك مجاني، فالقدر المتيقن من قول المالك أعرتك حجرتي جواز سكناه فيها بنفسه أو مع من يتصل به عادة و لا يشمل الأجنبي قطعا و لو أعاره الفرس لا يجوز ان يدفعها المستعير ليركبها غيره الا مع تصريح المالك، و من هذا يظهر الاضطراب في مادة (820) يعتبر تعيين المنتفع في إعارة الأشياء التي تختلف باختلاف المستعملين و لا يعتبر في إعارة الأشياء التي لا تختلف به الا انه ان كان المعير نهى المستعير عن ان يعطيه لغيره فليس للمعير ان يعيره لآخر يستعمله، مثلا

ص: 54

لو قال المعير للمستعير أعرتك هذا الفرس لتركبه أنت فليس له ان يركبه خادمه، و أما لو قال له أعرتك هذا البيت لتسكنه أنت كان للمستعير ان يسكنه و ان يسكن فيه غيره، لكن إذا قال له أيضا لا تسكن فيه غيرك فليس له حينئذ ان يسكن فيه غيره.

و مجال النظر فيها من وجهين (الأول) ان اعتبار تعيين المنتفع في إعارة الأشياء التي تختلف باختلاف المستعملين ممنوع بل غايته ان المعير ان عين شخصا تعين و ان أطلق انصرف الى المستعير بنفسه و لا يجوز ان يتجاوز الى غيره (الثاني) ان جعل الفرس مما يختلف و البيت مما لا يختلف أيضا محل منع فان الساكنين أيضا يختلفون باستعمال البيوت فلو قال له أعرتك البيت فظاهر هذا اختصاص العارية به فلا يجوز ان يسكنها صديقه أو قريبه إلا بإجازة صريحة خاصة أو عامة (و القصارى) ان المتبع مقدار الأذن و أخذ المتيقن من كلامه، و كل مورد يشك فيه فالأصل عدم الجواز و عليه يبتني مادة (821) لو استعير فرس بان يركب الى محل معين الى آخرها.

فإن العارية و الأذن مع الإطلاق ينصرف الى المتعارف و يبقى غيره مشكوكا و الأصل عدم الجواز فلو تجاوز المتعارف ترتب الضمان عليه بالتلف حتى مع عدم التعدي و التفريط.

مادة «822» إذا طلب شخص من امرأة اعارة شي ء هو ملك زوجها فاعارته إياه بلا اذن الزوج فضاع

فان كان ذلك الشي ء

ص: 55

مما هو داخل البيت و في يد الزوج عادة لا يضمن المستعير و لا الزوجة أيضا و ان لم يكن ذلك الشي ء من الأشياء التي تكون في يد النساء كالفرس فالزوج مخير ان شاء ضمنه لزوجه و ان شاء ضمنه للمستعير.

العبارة مضافا الى سوء التعبير من حيث العربية في ضمنه لزوجه- قاصرة عن بيان المراد، و محصلها ان المرأة إذا أعارت شيئا من أثاث البيت الذي هو في ملك الزوج و لكنه في يدها لانه من مرافق الحياة البيتية فاعارته و تلف عند المستعير من غير تقصير فلا ضمان عليها و لا على المستعير و ان لم يكن في يدها كالفرس و الكتاب مثلا فالزوج مخير بين تضمين الزوجة و ترجع على من تلف المال بيده أو تضمين المستعير فان كان مغرورا منها رجع عليها و الا فلا و لكن عدم الرجوع في الشق الأول مشروط بوجود اذن الفحوى و قرائن الحال برضا الزوج ان تعير شيئا مما في يدها من أمواله و الا فهي ضامنه أيضا و من هنا تعرف القصور أيضا في عبارة المجلة هنا لفظا و معنى.

مادة (823) ليس للمستعير ان يؤجر العارية و لا ان يرهنها

بدون اذن المعير فإذا استعار مالا ليرهنه على دين في بلد فليس له ان يرهنه على دين في بلد أخرى فإذا رهنه فهلك لزمه الضمان.

و هذا يكشف عن عدم ملكية المستعير للمنافع و الا فلو كان مالكا لها لجاز نقلها الى غيره بإجارة و صلح أو غيرهما اما الرهن فلا يصح بدون الأذن الصريح لان الرهن يقف على المالك و المستعير غير مالك

مادة (824) للمستعير ان يودع العارية عند آخر

فإذا

ص: 56

هلكت في يد المستودع بلا تعد و لا تقصير لا يلزم الضمان مثلا إذا استعار دابة على ان يذهب بها الى محل كذا ثم يعود فوصل الى ذلك المحل فتعبت الدابة و عجزت عن المشي فأودعها عند شخص ثم هلكت حتف أنفها فلا ضمان، هذا على إطلاقه ممنوع بل هو مقيد بصورة الحاجة و الضرورة و حيث يتوقف الحفظ على إيداعها اما مع عدم ذلك فلا يجوز له ان يودعها عند الغير فإنه تصرف غير مأذون فيه فلو تلف كان مضمونا.

ثم ان المواد المذكورة هنا في المجلة من مادة (825) إلى (831) كلها واضحة لا تعليق لنا عليها سوى المادة الأخيرة «832» إذا كانت إعارة الأرض للزرع سواء كانت موقتة أو غير موقتة ليس للمعير ان يرجع بالإعارة و يسترد الأرض قبل وقت الحصاد،،، هذا يوشك ان يكون تهافتا مع المادة التي قبلها الظاهرة في أن له الرجوع في الموقتة مطلقا غايته انه يضمن التفاوت.

ثم ان العارية إذا كانت موقتة الى شهر مثلا و تأخر وقت الحصاد بعده الى شهرا و اثنين ثم رجع المعير فاللازم على المستعير اما ان يقلع الزرع و يجعله قصيلا أو يعطي اجرة المدة الباقية إلى الحصاد و كذا لو كانت غير موقتة فإن عدم التوقيت لا يجعلها لازمة على المعير بل له الرجوع متى شاء على أصل قاعدة العارية المطلقة نعم في الموقتة يمكن ان يقال انه لا يجوز له الرجوع في أثناء المدة لأن التوقيت كالتزام

ص: 57

ضمني فلا بد من الوفاء به و يمكن المناقشة فيه بأنه و ان كان التزاما لكنه غير لازم و لا وقع شرطا في ضمن عقد لازم،،، الى هنا انتهت مباحث العارية (و للّٰه الحمد و المنة)

ص: 58

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

الكتاب السابع في الهبة

اشارة

يشتمل على مقدمة و بابين

ص: 59

المقدمة في بيان الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالهبة

اشارة

مادة (833)

الهبة:

تمليك مال لآخر بلا عوض و يقال لفاعله واهب، اعلم ان معنى الهبة و مشتقاتها حسب استعمالاتها اللغوية واسع الى مدى شاسع و أقرب عبارة تعرب عنه هو العطاء و النحلة المشوب برشحة من الإحسان و التفضل سواء كان المعطى مالا أو غيره عينا أو غيرها فيصح ان تقول بلا تكلف و عناية وهبتك ودي كما تقول وهبتك مالي و يصح ان تقول وهبني اللّٰه ولدا كما تقول وهبني عزا و ملكا (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي)- (وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ) كلها استعمالات حقيقية لا تجوز فيها أصلا، نعم اختصت الهبة في لسان الشرع و المتشرعة بتمليك العين بلا عوض كما سيأتي و هو المراد هنا،،، و كما ان البيع و الإجارة هما أصل عقود المعاوضات أي الأصل في مبادلة المال

ص: 60

بالمال فكذلك الهبة و العارية هما الأصل في عقود المجانيات و هما أظهر و أشهر ما يقع به تمليك العين أو المنفعة بلا عوض بناء على اندراج العارية في العقود على المشهور- و ان كان الأصح عندنا ان حقيقتها اذن و إباحة كما سبق، و على كل- فالهبة هي الأصل في تمليك الأعيان بلا عوض. فالهبة في الأعيان كالعارية في المنافع، و العارية- الأصل في إباحة المنافع أو تمليكها مجانا. و قد شاع عند الفقهاء تعريف الهبة بأنها تمليك مال بلا عوض و فيه نوع تسامح و إجمال يحتاج الى توضيح و تشريح فنقول- ان تمليك المال عينا أو منفعة بل أو حقا حيث يكون من الحقوق القابلة للانتقال- اما ان يكون بإزاء عوض مالي أولا- فالأول يقع بعقد البيع و الإجارة و الصلح- و الثاني و هو التمليك بغير عوض مالي اما ان يكون بعوض لنفس التمليك فهو الهبة المعوضة فإن العوض فيها كما عرفت لنفس الهبة لا للعين الموهوبة- و من هنا دخلت الهبة المعوضة في مطلق الهبة و صارت من أقسامها.

و اما ان يتجرد عن العوض المالي فاما ان يكون بقصد الأجر و الثواب و هو الصدقة بالمعنى العام- فان كان تمليكا طلقا فهو الصدقة بالمعنى الخاص. و ان كان تمليك العين مقيدا ببقائها و دوامها اى وقوفها و عدم نقلها فهو الوقف. و ان كان للمنفعة فقط مدة عمر أحدهما أو مدة معينة فهي العمرى أو الرقبى و اما ان يتجرد حتى عن الأجر فإن كان بصورة العقد إيجابا و قبولا فهي الهبة و اما ان يكون بصورة الإرسال من غير عقد فهو الهدية و ان لم يكن لا هذا و لا ذاك فهو العطية و ان

ص: 61

كانت لرحم فهو النحلة، هذه أصول معاني هذه الألفاظ بحسب وضعها اللغوي، و قد يقوم بعضها مقام بعض بحسب استعمالها العرفي، و لكن قد اتضح لك ان تمليك المال بلا عوض الذي عرفوا به الهبة هو القدر الجامع و المقسم الكلي الذي يعم الهبة و غيرها حتى الصدقة و الوقف فضلا عن الهدية و العطية و الأمر في كل ذلك سهل انما المهم ان تعرف ان جميع هذه الأقسام داخلة في التمليك المجاني فلا يشتبه عليك الأمر بالإباحة و الرخصة و الاذن بالانتفاع فإنها اجمع أجنبية عن تلك الأنواع بالكلية و هي في قبالها حتى الرخصة في أكل المال و استهلاكه فتدبره.

و قد تحصل من جميع ذلك ان الهبة عقد يفيد تمليك المال فعلا بلا عوض له أصلا، فيخرج الهدية و العطية و النحلة لأنها ليست عقودا.

و الوصية فإنها و ان أفادت التمليك المجاني و لكن معلقا على الموت لا فعلا كما خرج بقيد عدم العوض البيع و الإجارة و الصلح و الوقوف و الصدقات و دخلت الهبة المعوضة فإنها تمليك مال بلا عوض للمال. اما الرشوة فهي عطية و لكنها عطية محرمة و العطايا المحرمة كثيرة. نعم يبقى الكلام في العارية فإن جعلناها عقد تمليك للمنافع و عممنا الهبة للمنافع تداخلتا و ان خصصنا الهبة بالأعيان أو جعلنا العارية إذنا و إباحة لا عقدا و لا تمليكا افترقتا.

(مادة: 834)

الهدية:

هي المال الذي يعطي لأحد أو يرسل إليه إكراما، و قد عرفت ان الغالب في الهدية الإرسال و هو غير العطية و قد يستعمل الهدية في مورد الإعطاء تسامحا.

ص: 62

مادة (835)

الصدقة:

هي المال الذي وهب لأجل الثواب.

يعني العطاء الذي يقصد به القرب الى اللّٰه جل شأنه و طلب المثوبة منه و لا يلزم فيها الإيجاب و القبول و تلزم بمجرد الدفع بقصد القربة مع القبض و هذه هي الصدقة بالمعنى الخاص بل الأخص الذي يمتاز عن الوقف و أخواته من الصدقات التي لا تتحقق الا بالعقد عند المشهور

مادة (836)

الإباحة:

اشارة

عبارة عن إعطاء الرخصة و الاذن لشخص ان يأكل أو يتناول شيئا بلا عوض، و هذا غير التمليك و الفرق مثل الصبح واضح فان المالك يتصرف كيف شاء و المأذون لا يتصرف الا على حد الاذن و مقدار الرخصة فلا يقدر على البيع فضلا عن غيره الا بإذن خاص.

ص: 63

الباب الأول (في بيان المسائل المتعلقة بعقد الهبة

و يشتمل على فصلين) الفصل الأول في بيان المسائل المتعلقة بركن الهبة و قبضها الكلام في الهبة يلزم ان يقع في أربع نواح- الواهب- الموهوب له العين الموهوبة- عقد الهبة و شروطه و حكمها من جواز أو لزوم أو غيرهما و قد تعرضت «المجلة» للعقد أولا و هو ركنها الأعظم في

مادة (837) تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول و تتم بالقبض،،،

اعلم ان جميع العقود المجانية التي مر عليك عناوينها لا يترتب عليها أي أثر إلا بعد القبض فهو ركنها الأعظم و شطرها أو شرطها الأهم، اي أهم حتى من الإيجاب و القبول الا ترى- ان الهبة مثلا يترتب عليها أثرها المهم و هو التمليك بغير إيجاب و قبول كما لو أنشأ الهبة بالإعطاء مع القبض فإنها تفيد الملكية كما تفيدها المعاطاة في البيع على المشهور بخلاف ما لو حصل الإيجاب و القبول بدون قبض فإنه لا اثر لهما أصلا فركنية القبض في هذه العقود أهم من ركنية الإيجاب و القبول بل ينسب الى بعض عدم الحاجة الى القبول و كفاية الإيجاب، وحده فتكون عنده من

ص: 64

الإيقاعات و هو شاذ. اما اعتبار القبض في مطلق العقود المجانية و خصوص الهبة فالظاهر انه موضع اتفاق المسلمين و عند عامة المذاهب و اخبار الفريقين به متظافرة. و في النبوي المشهور (لا تجوز الهبة إلا مقبوضة) و لعل حكمة التشريع في ذلك ان الشارع الحكيم حيث وجد المجانيات محض تفضل و إحسان و بذلا للمال بلا عوض أراد ان يعطي الواهب الباذل فسحة للرؤية. و مجالا للتدبر و ربما بدا له العدول بعد الإيجاب و القبول، فلو لزم عليه بالقول وحده لكان ضيقا و حرجا عليه و تضييعا لماله لذلك لم يكتف بالقول حتى يتبعه بالفعل اعني الدفع من الباذل و القبض من المبذول له «و لو قيل» يكفي لهذا الغرض جعل العقد جائزا فيرجع متى شاء (قلنا) أ ليس الرجوع بعد حصول الملكية قبيحا شرعا كما هو كذلك عرفا، و الراجع في هبته كالراجع في قيئه فدفعا لهذا القبح و هذه الحزازة لم يجعل العقد بنفسه مؤثرا أصلا كي لا يحتاج الى الرجوع كما في العقد الجائز فإن أقبض نفذ و الا فلا، و هذا كله بخلاف عقود المعاوضات لمكان العوض فيها بخلافه هنا فليتدبر، و ظهر بما ذكرنا ان حق التعبير في (المجلة) ان تقول: لا تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول قبل القبض أو ما يؤدي ذلك

مادة «838» الإيجاب في الهبة هو الألفاظ المستعملة في تمليك المال مجانا كاكرمت و وهبت و أهديت.

و قد مر غير مرة ان خاصية العقود الجائزة كفاية كل لفظ يدل عليها حقيقة أو مجازا مع القرينة و قصد إنشاء معنى ذلك العقد بل يمكن

ص: 65

دعوى ذلك حتى في العقود اللازمة و انها لا تختص بصيغ خاصة كما سبق في الجزء الأول و كيف كان فالهبة و الصدقة بالمنقول لا تختص بصيغة معينة و يكفي فيها كل ما دل عليها مثل خذه و هو لك مجانا و ما أشبه ذلك و لا فرق في ذلك بين الزوج و الزوجة أو غيرهما و المدار على القرائن حالية أو مقالية بل يكفي قصد إنشاء التمليك بالفعل اعني العطاء فيكون هبة معاطاتية كما في مادة «839» تنعقد الهبة بالتعاطي أيضا،،، و لو قال بالعطاء أو الإعطاء لكان أحسن.

و انما تنعقد بالعطاء حيث تكون هناك قرينة قاطعة و الا فلا فمجرد الإعطاء لا يكفي في الحكم بأنه هبة بل يبقى على ملك الأول بالاستصحاب حتى يحصل اليقين كما ان بالعطاء تتم الهبة و لا حاجة الى القبول؟؟؟

القبض قبول فعلي كما في مادة (840) الإرسال و القبض في الهبة يقوم مقام الإيجاب و القبول لفظا، و مادة «841» القبض في الهبة كالقبول في البيع.

و كان الاولى جمع هذه المواد الثلاث في مادة واحدة بل بكلمة واحدة فتقول مثلا: تنعقد الهبة بالعقد و القبض و تتحقق أيضا بالعطاء و القبض و كل ما ذكرته المجلة هنا زيادة مستدركة.

ثم ان المشهور عند فقهاء الإمامية ان القبض المعتبر في صحة الهبة يشترط فيه ان يكون بإذن الواهب فلو قبضه المتهب بدون اذنه لم يكن له أثر في الصحة و عللوه بعلة معقولة و هي ان العين بعد العقد قبل القبض حيث انها باقية على ملك الواهب فقبض المتهب لها تصرف بمال الغير

ص: 66

بدون اذنه و هو حرام فلا يترتب عليه أثر شرعي، و هي و ان أمكن المناقشة فيها و لكنها ببعض الاعتبارات التي مرت الإشارة إليها متجهة بل و قوية، فما قواه السيد الأستاذ (ره) في ملحقات العروة من عدم لزوم الاذن هو الى الضعف أقرب منه الى القوة وفاقا لما نصت عليه (المجلة) في مادة (842) يلزم اذن الواهب صراحة أو دلالة في القبض.

و وجهه ما عرفت من بقاء ملكية الواهب فلا يجوز للمتهب قبض العين بدون اذن مالكها و لو تلفت في يده كان ضامنا و لو اعترف الواهب بالاذن و أنكر الإذن بالقبض كان القول قوله- فما ذكرته (المجلة) من اعتبار الاذن صحيح و لكن ما في مادة (843) إيجاب الواهب اذن بالقبض دلالة.

على إطلاقه ممنوع بل ان اقترن الإيجاب بقرينة تدل على الاذن كفى و الا فلا اما صرف الإيجاب فلا دلالة فيه على الاذن بالقبض أصلا بشي ء من الدلالات الثلاث إذ الدلالة فرع التلازم و لا تلازم بين الأمرين بجميع الوجوه «و دعوى» ان مقصود الواهب لما كان هو إثبات ملكية الموهوب بعقد الهبة فيكون الإيجاب تسليطا على القبض تحصيلا لمقصوده ففي الإيجاب دلالة على الاذن بالملازمة (مدفوعة) بان كون قصده إثبات الملكية إنشاء مسلم و لكن كون قصده تحقيقها بالفعل غير مسلم و الملازمة تأتي على الثاني لا الأول فتدبره.

ص: 67

و قول (المجلة) و اما إذنه صراحة فهو قوله خذ هذا المال فاني وهبتك الى آخره هو من الواضحات الغنية عن البيان انما البحث فيما ذكروه في مادة (844) إذا اذن الواهب صراحة بالقبض فيصح قبض الموهوب له المال الموهوب في مجلس الهبة و بعد الافتراق و اما إذنه بالقبض دلالة فمقيد بمجلس الهبة و لا يعتبر بعد الافتراق مثلا لو قال وهبتك هذا و قبضه الموهوب له في ذلك المجلس يصح و اما لو قبضه بعد الافتراق فلا يصح. كذلك لو قال وهبتك المال الذي هو في المحل الفلاني و لم يقل اذهب و خذه فإذا ذهب الموهوب له و أخذه لا يصح فإن التفرقة بين الاذن صراحة فيصح القبض حتى بعد الافتراق و بين الاذن دلالة فمقيد بمجلس الهبة تحكم صرف و تفرقة من غير وجه فارق إذ المدار على الاذن و وجود ما يدل عليه و بعد حصول الدلالة فأي فرق بين الكناية و التصريح و لعلها أبلغ، و الحق عندنا معشر الإمامية ان المعتبر هو الاذن فإذا حصل العلم به من اي طريق كفى في الصحة سواء قبض في مجلس الهبة أو في مجلس آخر و سواء كان الاذن في مجلس الهبة أو بعده بل ربما يظهر من بعض أخبار أئمتنا (ع) امتداد الأجل إلى الأجل فلو اذن و قبض قبل الموت صحت الهبة التي سبقت بأمد طويل.

مادة (845) للمشتري ان يهب المبيع قبل قبضه من البائع

الظرف الأخير ان تعلق بالفعل كان المعنى ان المشتري له ان

ص: 68

يهب ما اشتراه للبائع قبل قبضه منه و هذا صحيح نافذ فان المعتبر قبض الموهوب له و هو حاصل لا الواهب الذي اشترى و لم يقبض، و توهم بعضهم ان هذا يرجع الى الإقامة واضح الفساد إذ هي حل لعقد البيع و لذا يرجع بالثمن و الهبة هنا تؤكد البيع و ليست حلا له و لذا لا يرجع بالثمن و ان تعلق الظرف بالمصدر كان معناه ان المشتري له ان يهب للغير ما اشتراه قبل قبضه من بايعه فيكون أعم من الأول يعني له ان يهبه للبائع أو لغيره و هذا أيضا صحيح لما عرفت من عدم اعتبار قبض الواهب بل تتوقف على قبض الموهوب له. و عليه يتفرع مادة (846) من وهب ماله الذي هو في يد آخر تتم الهبة و لا حاجة الى القبض و التسليم مرة أخرى و المقصود بهذه المادة بيان ان قبض المتهب لازم لصحة الهبة حيث لا يكون مقبوضا له و في يده اما لو كان في يده فلا حاجة الى قبض جديد بأن يأخذه منه و يرده عليه، و القبض السابق كاف مهما كان سواء كان بوجه صحيح أو لا كالغصب و نحوه و سواء كان ضمانيا كالمقبوض بالسوم و نحوه أو غير ضماني كالأمانات و سواء كان مضمونا بالمثل أو القيمة أو المسمى كالمبيع المستأجر فالقبض السابق في جميع هذه الموارد يقوم مقام القبض الجديد في الهبة حتى لو وهب المالك غاصبه المغصوب الذي في يده صح. و ظاهر الأصحاب عدم الحاجة أيضا الى الاذن باستمرار القبض، و استدلوا بوجوه أوجهها انصراف أدلة القبض أو الاذن به عن هذه الصورة و قد ناقش السيد الأستاذ رحمه اللّٰه في تلك ثم عول على الانصراف أخيرا.

ص: 69

مادة (847) إذا وهب أحد دينه للمديون أو أبرأ ذمته من الدين و لم يرده المديون تصح الهبة و يسقط عنه الدين في الحال

قيد عدم رد المديون لا محل له أصلا، و تحرير هذا البحث ان هبة الدين اما ان تكون للمدين أو لغيره فان كانت لغيره فهي هبة محضة يلزمها القبول كما يلزمها القبض و الا فلا اثر لها بدونه كما تنص عليه المادة الآتية، و ان كانت للمديون فهي على نحوين لان الواهب يقصد تارة إسقاط الدين و إبراء ذمته منه و لا تكون له حالة منتظرة بل يوقعه ناجزا فهذا إبراء و إسقاط محض و ان وقع بصورة الهبة و لا اثر للرد و القبول في هذه الصورة أصلا لأن حقيقته إيقاع لا عقد و الإيقاعات تتحقق معانيها بمجرد إنشائها ان صدرت من أهلها و في محلها. و تارة يكون صميم قصده الهبة بمعنى انه يريد ان يملكه الدين الذي له عليه كما يملكه للغير و ينتظر قبوله و عدمه فهذه هبة محضة بأي عبارة وقعت، و هذا موضع ما يقال (ان العقود تابعة للقصود) و فيه يكون مجال للرد و القبول فان قبل المديون صح العقد و تمت الهبة لأن ما في الذمة مقبوض حقيقة أو كالمقبوض و ان رد لم يقع شي ء و بقي مشغول الذمة بالدين ففي الاولى لا موضع للرد و القبول بخلاف الثانية و لا صورة ثالثة في المقام.

و في هذه المادة خلل من وجهين (الأول) ان ظاهرها عدم لزوم القبول في هذه الهبة و لكنها ترد بالرد و هذا تهافت و كجمع بين المتنافيين (الثاني) انها جعلت الإبراء كالهبة في انها تبطل بالرد مع ان الإبراء إيقاع كما عرفت و لا معنى للرد و القبول أصلا و كان أرباب المجلة اعتبروا

ص: 70

هبة الدين للمديون ذات وجهين فمن وجه هي ترد بالرد و من أخرى إبراء فلا تحتاج الى قبول، و قد ظهر ان المدار على قصده اما هبة أو إبراء و هما معنيان متغايران و المرجع في تشخيص أحدهما ما يظهر منه من حال أو مقال فتدبره جيدا.

و على كل حال فبعد القبول يشتركان في سقوط الدين حالا كان أو مؤجلا

مادة «848» من وهب دينه الذي هو في ذمة أحد لآخر و اذنه صراحة بالقبض

بقوله اذهب فخذه فذهب الموهوب له و قبضه تتم الهبة، يعني و تبرأ ذمة المديون من دائنه و هي أشبه ما تكون بالحوالة و ان فارقتها من بعض الوجوه.

مادة (849) إذا توفي الواهب أو الموهوب له قبل القبض بطلت الهبة،

يعني لا ينتقل حق القبض إلى ورثة الموهوب له لان المال قد انتقل إلى ورثة الواهب و ليسوا هم الواهبين كما ان ورثة الموهوب له غير موهوب لهم حتى يعتبر قبولهم أو قبضهم، نعم لو جعلنا القبض بعد اذن الواهب حقا لا حكما أمكن القول بانتقاله إلى ورثة الموهوب و لا يضر انتقاله إلى ورثة الواهب فإنه قد انتقل على هذه الصفة و لكنه مشكل

مادة (850) إذا وهب أحد لابنه الكبير العاقل البالغ شيئا فيلزم التسليم،

حال الولد الكبير حال غيره من رحم و غيره في اعتبار القبض و عدم صحة الهبة بدونه و لكن الهبة إلى الصغير و المجنون لا يخلو اما ان تكون من غير الولي فلا تصح الا بقبض الولي. و اما ان تكون منه لأحدهما و هي في يده و حينئذ فيكفي قبضه و لا حاجة الى تجديد قبض.

ص: 71

و لكن الأصح اعتبار تجديد القصد بان يقصد بان الموهوب مقبوض عن الصغير الموهوب له و اما إذا و هبة ما ليس في يده فلا إشكال في اعتبار قبضه فلا يصير ملكا للصغير حتى يقبضه وليه الواهب، عنه، و الى بعض ما ذكر أشارت مادة (852) إذا وهب أحد شيئا لطفل تتم الهبة بقبض وليه أو مربية.

و لا فرق عندنا في ذلك بين المميز و غيره و ان لم يكن من البعيد كفاية قبض المميز و لا سيما بإذن وليه.

مادة (854) الهبة المضافة ليست صحيحة، مثلا لو قال وهبتك الشي ء الفلاني في رأس الشهر الآتي لم تصح.

يظهر ان مرادهم بالهبة المضافة- الهبة المعلقة على وصف محقق الوقوع كرأس الشهر الآتي أو عند طلوع الشمس أو على شرط غير معلوم الحصول مثل ان جاء ولدي من السفر يوم الجمعة، أو إذا عوفي مريضي و نحو ذلك، و قد مر عليك غير مرة ان التنجيز عندنا شرط في جميع العقود لازمها و جائزها و ان التعليق مفسد للعقد مطلقا، و عليه فان كان الشرط في الهبة ينافي تنجيزها بطل الشرط و تبطل الهبة أيضا الا من جهة ان الشرط الفاسد يفسد العقد إذ ليس المقام منه و لكن لفقد شرط العقد و هو التنجيز، اما الشرط بذاته فليس بفاسد و انما فسد من هذه الناحية، و ان كان غير مناف لتنجيزها و هي لازمة لزوم الشرط أيضا و ان كانت جائزة كان الشرط تابعا لها، و لزوم الهبة المشروطة بالعوض انما هو الدليل الخاص و الا فحقها ان تكون جائزة هي و العوض.

ص: 72

و من هنا قد تشتبه الشروط بين ما ينافي التنجيز و ما لا ينافيه مثلا لو قال وهبتك كتابي هذا بشرط ان يعود لي بعد وفاتك أو لورثتي أو قال وهبته لك بعد وفاتي فإن جعلناه وصية صح لان طبع الوصية التعليق على الموت اما الهبة فيشكل فيها ذلك كما ان الاسقاط و الإبراء لا يحتمل شيئا من التعليق أصلا فلو قال أنت بري ء من ديني بعد موتي لم يصح قطعا لأن الإبراء إيقاع كالعتق و الطلاق و لا يصح التعليق فيهما اتفاقا نعم صح ذلك في خصوص التدبير لدليله الخاص و لا يقاس عليه و على مناسبة ذكر الشروط في الهبة ذكرت «المجلة» الهبة بشرط العوض أي الهبة المعوضة في مادة (855) تصح الهبة بشرط العوض و يعتبر الشرط و قد انبأناك من قريب ان العوض في الهبة يلزم عندنا ان يكون لنفس الهبة فلو جعله للموهوب كان اما هبة فاسدة لأن حقيقة الهبة التمليك المجاني أي تمليك الموهوب بلا عوض له فلو شرط العوض له كان شرطا منافيا لطبيعة العقد فيبطل هو و العقد، و اما بيعا فاسدا بناء على عدم جواز استعمال صيغة عقد في عقد آخر أي في إنشاء حقيقة عقد آخر اما أرباب «المجلة» فيظهر منهم انهم يجعلون العوض لنفس الموهوب تبعا لأكثر فقهاءهم فيكون كما صرح به بعضهم هبة في البداية و بيعا في النهاية و يعتبرون فيها التقابض في المجلس و الاذن بعده و يسحبون عليها جملة من خصائص البيع كالشفعة و خيار الرؤية و جملة من الخيارات العامة كخيار العيب و نحوه و كل ذلك لا يستقيم على مذهب الإمامية من ان المعوضة هبة محضة لا تخرج عن طبيعة الهبة

ص: 73

بالتعويض نعم لا ريب في اعتبار التقابض فيها من الجانبين فلو أقبض أحدهما و لم يقبضه الآخر كانت جائزة و لو تقابضا لزمت من الجانبين و هو اي العوض المقبوض أحد أسباب لزوم الهبة و سيأتي بقية الملزومات و عليه يبتني الأمثلة التي ذكرت في المتن و هي: مثلا لو وهب أحد لآخر شيئا بشرط ان يعطيه كذا عوضا أو يؤدي دينه المعلوم المقدار إذا راعى الموهوب له الشرط و الا فللواهب الرجوع عن الهبة، و كذلك لو وهب أحد عقارا مملوكا لآخر بشرط ان يقوم بنفقات الواهب الى وفاته ثم ندم و أراد الرجوع عن الهبة و استرداد ذلك العقار فليس له ذلك ما دام الموهوب له راضيا بإنفاقه وفق ذلك الشرط.

و الموهوب له يملك الموهوب بمجرد دفع العوض ان كان عينا أو عملا دفعيا اما لو كان تدريجيا كالإنفاق و عدم الطلاق لو وهبته صداقها و اشترطت عدم طلاقها فإنه يملك الموهوب من حين شروعه بالعمل و تبقى الملكية مراعاة بإتمامه فيكون ملكا متزلزلا كالمبيع بالخيار فإن أتم لزمت و الا كان له حق الرجوع فلو طلقها استردت المهر منه، و لو مات الموهوب له المشروط عليه الإنفاق على الواهب الى حين موته وجب على ورثته ان يقوموا مقام أبيهم في الإنفاق عليه لانه حق مالي تعلق بذمة مورثهم كدين من ديونه فيجب عليهم تفريغ ذمته منه فان لم يفعلوا كان للواهب ان يرجع بهبته و يدفع لهم ما استوفاه من النفقة الماضية و يسترد منهم قيمة ما استوفاه مورثهم من المنافع هذا ما تقتضيه القواعد في هذا الفرع و أمثاله و قد غفل بعض الشراح عن ذلك فقال: و إذا توفي

ص: 74

الواهب يتعذر على الموهوب له أداء العوض و يكون القيام بذلك خارجا عن إمكانه و درجة اقتداره فيجب على الواهب ان يرد قيمة ما صرف عليه و يسترد ملكه على ما ارى و ان كان لا نص على ذلك بدليل ان الموهوب له إذا اشترط على نفسه إعطاء عوض مقداره عشر ليرات فاعطى بعضه و تمنع من دفع الباقي فقد قال الفقهاء بان للواهب استرداد الموهوب و رد العوض المقبوض، انتهى.

و قد أخطأ الرجل القياس و قاس مع الفارق فان في صورة الموت ينتقل الحق إلى تركته و يجب على ورثته إخراجه منها و يقوم كل واحد منهم بقسطه فإذا امتنع أو امتنعوا و لم يمكن جبرهم جاءت قضية الرد و الاسترداد كما في صورة الامتناع التي ذكرها، اما في صورة الإمكان و عدم الامتناع فيجب الوفاء بالعقد و شروطه و لا يجوز الفسخ و إذا امتنعوا أو امتنع هو فعلوا حراما، و أوجبوا للآخر خيارا فكيف يقاس هذا بذاك و هكذا حكم بقية ما ذكره من الأمثلة مثل ما لو ظهر مستحقا فان اللازم اما دفع المثل أو القيمة و المحافظة على العقد و شروطه و مع الامتناع فالاسترداد، و من الغريب انه عقب ذلك بقوله: و ليس لورثة الموهوب له ان يطلبوا بقاء الهبة و الإنفاق على الواهب من مالهم الى حين وفاته لأنهم لم يتفقوا معه في الأصل، انتهى و قد عرفت انه هو المتعين و لا يصح غيره مع إمكانه و الإنفاق يكون من التركة لا من أموالهم و لو امتنعوا يلزمون به و قوله لأنهم لم يتفقوا معه في الأصل واضح الضعف بان الاتفاق مع مورثهم يسري مفعوله

ص: 75

إليهم بل الى تركته نعم لو لم يكن له تركه فلا حق على الورثة و يتعين التراد و الحقوق المالية على المورث أو له تنتقل الى الوارث أو عليه، فلو اشترى دارا فيها خيار للبائع و مات انتقلت الدار للورثة و فيها خيار للبائع فلو فسخ يستردها منهم و ان كان الإنفاق لم يكن معهم و هكذا نظائر ذلك و ما نحن فيه من هذا القبيل.

ص: 76

الباب الثاني في بيان شرائط الهبة

اشارة

أركان الهبة التي تتحقق بها كما سبق- الواهب- الموهوب له- المال الموهوب- عقد الهبة- و حسن التحرير يقتضي ذكر شرائط كل واحد منها متميزا عن الآخر و لكن (المجلة) داخلت بعضا ببعض و تحرير البحث هنا على الإيجاز، انه يشترط في الواهب مضافا الى الشروط العامة من العقل و البلوغ و الرشد و عدم الحجر و الخلو من مرض الموت عند جماعة و القصد و الاختيار- ان يكون حرا مالكا أو مأذونا منه فلو وهب العبد أو مال الغير وقف على الإجازة، اما الموهوب له فلا يشترط فيه العقل و لا البلوغ و لا الحرية و لا الرشد بل تصح الهبة لفاقدها و يقبل عنهم الولي أو المولى و لا عبرة بقبول المجنون أو الطفل أو السفيه أو الساهي أو المكره و لا بقبضه، و أهم الشروط في الموهوب له ان يكون موجودا حال الهبة فلا تصح للمعدوم الذي سيوجد و في صحتها للجنين اشكال و لا يبعد الصحة مع قبول الولي و قبضه كالوصية له.

(اما الموهوب)

فيشترط ان يكون موجودا في العين أو في الذمة

ص: 77

و ان يكون مالا متقوما مملوكا مقدورا على قبضه لا حق فيه للغير من رهن و نحوه معينا أو متعينا لا مجهولا مطلقا أو لا واقع له فلا يصح وهبتك شيئا أو مالا و يصح وهبتك ما في الصندوق أو صاعا من صبرة أو أحد هذين الثوبين و يتعين بالقبض اما المشاع فسيأتي.

(اما عقد الهبة)

فيتقوم بالإيجاب و القبول و يشترط فيه القبض و التنجيز، هذا ما يقال في هذا المجال، و إذا عرفته و نظرت ما في المجلة يتضح لك قصور البيان و ضعف التحرير فيها و عدم الاستيفاء و قد قدمت بعض شرائط الموهوب في مادة (856) يشترط لصحة الهبة وجود الموهوب وقت الهبة و مدركه واضح فان المعدوم المطلق لا يجرى عليه تمليك و لا تملك و لا غيرهما من الاحكام الا في موارد مخصوصة يتحقق له نحو من الوجود ببعض الاعتبارات، بناء عليه لا تصح هبة عنب بستان سيدرك أو ولد فرس سيولد، مادة (857) يلزم ان يكون الموهوب مال الواهب، بناء عليه لو وهب أحد مال غيره لا تصح و لكن بعد الهبة لو أجازها صاحب المال تصح مادة (858) يلزم ان يكون الموهوب معلوما و معينا بناء عليه لو وهب أحد من المال شيئا أو من الفرسين أحدهما لا على التعيين لا تصح.

اعلم ان الهبة ليست كالبيع في لزوم المعلومية التامة للمبيع و ارتفاع الجهالة عنه من كل جهة بل حالها في ذلك أمر بين الأمرين فلا تصح الجهالة المطلقة و لا تلزم المعلومية التامة و لما كان هبة شي ء أو مال من المجهول المطلق لم يصح و لكن هبة عبد من عبدين و لا سيما إذا كانا

ص: 78

متساويين من جميع الجهات أو ثوب من ثوبين كذلك فحيث ان الجهالة المطلقة مرتفعة و لا غرر في البين إذ ليست الهبة من عقود المعاوضات و لو كانت على الفرض منها فالمفروض التساوي فالقاعدة تقتضي صحة أمثال هذه الهبات و انما لم يصح مثل ذلك لدليل خاص من إجماع و نحوه، على ان أرباب «المجلة» صححوا نظيره حتى في مثل البيع كما سبق في محله، و لو قيل بعدم الصحة فلا فرق بين ان يقول أيما أردت من هذين الفرسين أو قال وهبتك أحد هذين الفرسين و إذا كان التعيين مصححا للهبة فليكن مصححا لها في الصورتين و الا فالفرق بينهما في الحكم تحكم؟؟؟؟؟؟ غير فارق كما ان قبول التعيين في المجلس دون خارجه تحكم آخر و الكل بلا دليل (و الحق) ما عرفت من الصحة في الجميع بعد القبض سواء كان في مجلس الهبة أو في خارجه مع الاجتماع أو بعد المفارقة و كل تلك التفاصيل استحسانات لا ترتكز على وجه مستحسن هذا كله في هبة الأعيان أو المنافع لو قيل بصحة هبتها، اما هبة الديون فلا إشكال في صحة هبة المجهول منها فلو كان له دين على إنسان لا يعلم مقداره صحت هبته لأنه بمنزلة الإبراء بل لو وهبه لآخر صح بعد قبضه ان كان المديون يعرف قدره و إلا صالحة عليه و صار بمنزلة الحوالة.

و هذا كله سهل لا عقدة فيه انما الاشكال و العقدة عند الفقهاء من الفريقين (في هبة المشاع) فمنع بعضهم منه لعدم إمكان القبض حتى مع اذن الواهب لمكان مزاحمة الشريك فلا يتمكن المتهب من الاستيلاء

ص: 79

التام عليه و لا قبض بدونه، و تحرير المقام بحيث تتضح الأقسام و يتميز موضع الاشكال منها من غيره- ان الهبة في المشاع اما ان تكون لحصة مشاعة أو للحصة المشاعة- و الأول اما ان تكون العين في يد الموهوب له بإجارة أو عارية أو نحوهما أو لا تكون في يده و في الأول لا إشكال في صحة هبته لتحقق القبض و الاستيلاء حسب الفرض كما لا إشكال في الثاني إذا أقبض الواهب تمام العين للموهوب له و لو باعتبار جعله كوكيل أو أمين على الحصة الباقية. و أما الثاني و هو هبة الحصة المشاعة فإن كانت العين في يد الموهوب له أيضا فلا اشكال و كذا لو كانت بأجمعها في يد الواهب فسلطه عليها و لو بإذن الشريك، اما لو كانت بيدهما معا كما هو الغالب في المشاع و لعل هذا هو موضع الإشكال في عدم إمكان القبض و الاستيلاء التام و لكنه لا يخلو من حالين بعد اذن الواهب بالقبض بالنسبة إلى حصته الموهوبة- اما ان يأذن الشريك أيضا فيقوم المتهب مقام الواهب و تكون يده بموضع تلك اليد منضمة إلى يد الشريك و لا يعتبر في القبض أكثر من هذا فلا ينبغي الإشكال في صحته- و إما أن لا يأذن و يمنع الموهوب له من الاستيلاء على حصة شريكه الواهب فالهبة هنا و ان لم تتحقق لعدم تحقق القبض و لكن علاج هذا هو العلاج فيما لو امتنع الشريك من تمكين شريكه أ ليس هو الحاكم فيجبره اما على القسمة أو البيع أو غير ذلك مما هو محرر في محله و منع الموهوب له في الحقيقة منع لسلطة الواهب عن التطرف في ملكه و الناس مسلطون على أموالهم- و هو كما لو باع و منع المشتري فلا بد

ص: 80

لرفع هذا العدوان من الرجوع الى الحاكم و قوة السلطان و الا بقيت الهبة معلقة حتى يحصل القبض، نعم قد يقال ان الاشكال في هبة المشاع ليس من هذه الناحية بل من جهة ان هبة المشاع بجميع اقسامه لا يحصل فيه القبض المعتبر في الهبة و هو السلطنة المطلقة من غير مزاحم و لما كان المشاع ليس لأحد الشريكين فيه تلك السلطنة لمزاحمة كل منهما للآخر و تصرف كل منهما مقيد برضا الآخر فلا يصح هبته لعدم إمكان ذلك القبض المعتبر- و لكن هذه الدعوى مدفوعة بإطلاق أدلة القبض و ان قبض كل شي ء بحسبه، و كونه بحيث لا يتصرف شريكه إلا بإذنه نحو من السلطنة و لا دليل على اعتبار ذلك القبض الخاص بل الإطلاقات تدفعه و لم يذكروا ذلك في شي ء من المعاملات التي يعتبر فيها القبض كالوقف و السلم و غيره.

(و القصارى) أن عقده هذه الاشكال تنحل بكلمة واحدة و هي ان هبة المشاع يعتبر فيها اذن الواهب و اذن شريكه فان اذن و الا أجبره الحاكم «و انتهى كل شي ء».

و كان على المانعين ان يقولوا ان هبة المشاع لا تصح إلا بإذن الشركاء جميعا بقبضه الا ان يمنعوا من صحته مطلقا.

ثم لا فرق فيما ذكرنا من صحة هبة المشاع بين ان يكون قابلا للقسمة أم لا منقولا أم لا يهبه لواحد أو أكثر من واحد لصغير أو كبير رحم أو لا و الإشاعة بين اثنين أو أكثر و قد أطال بعض الشراح و أسهب في هذه التقاسيم و صحح بعضا و كله تطويل بلا طائل و ملاك المسألة ما ذكرنا

ص: 81

فتدبره و اغتنمه فلعلك لا تجده في غير هذه المهارق و المنة للّٰه وحده

مادة (859) يشترط ان يكون الواهب عاقلا بالغا

بناء عليه لا تصح هبة الصغير و المجنون و المعتوه أما الهبة لهؤلاء فصحيحة.

تقدم ذلك بل لا حاجة الى ذكره لأنهما من الشرائط العامة المعتبرة في تمام العقود بل و الإيقاعات أما المجنون فلا قصد له غالبا و اما الصغير فلا اثر لقصده إلا إذا كان مميزا فيصح بإذن وليه، و من الغريب هنا ان بعض الشراح صرح هنا بكفاية عقل السكران الذي شرب الخمر فقال انه كاف لأهلية التصرف بالهبة و هو كما ترى و عدم تعرض المجلة للسكران و تخصيص عدم الصحة بالصغير و المجنون و المعتوه يشعر بذهابهم إلى صحة هبة السكران و نحن نترك التعليق عليه للصحاة من أرباب العقول لا للسكارى و المجانين.

مادة (860) يلزم في الهبة رضا الواهب فلا يصح بالجبر و الإكراه.

هذا أيضا من الشرائط العامة التي كان الأولى ذكرها في محل واحد و الاستغناء عن إعادتها في كل عقد و معاملة نعم لو أجبره على الهبة ثم رضى بعد الإكراه أمكن القول بالصحة على تأمل شعر به متن المجلة فليتأمل.

و قد اقتصرت على هذا المقدار من الشرائط و أهملت كثيرا منها فتدبره

ص: 82

الباب الثالث (في بيان أحكام الهبة،

اشارة

و يشتمل على فصلين)

الفصل الأول في [بيان الرجوع عن الهبة]

اشارة

يعني في جواز الهبة و لزومها، و لعلك عرفت كما ان الأصل في عقود المعاوضات المبنية على التغابن هو اللزوم الا ما خرج بالدليل- فكذلك الأصل في عقود المجانيات هو الجواز الا ما خرج، و كما ان أشهر عقود المعاوضات اللازمة و أهمها هو البيع و كل فرد يشك فيه انه وقع جائزا أو لازما يبنى على لزومه و كذا لو شك في حكم نوع منه شرعا يعني ان الأصل هو اللزوم سواء كانت الشبهة مصداقية أو حكمية فكذا أهم و أشهر العقود المجانية هو الهبة و هي عكس البيع فكل نوع منها يشك ان حكمه اللزوم أو الجواز و كل فرد يشك انه من الجائز أو اللازم يبنى على جوازه للأصل فاصل الهبة بعد تحققها بالقبض هو جواز الرجوع الا ما خرج باليقين كما ان الأصل في البيع بعد تحققه بمجرد العقد هو اللزوم الا ما علم خروجه، و هذا أهم ما في هذا الفصل و قد ذكر مادة (861) يملك الموهوب له الموهوب بالقبض.

ص: 83

توطئة لما بعده و الا فهذا الحكم قد تقدم في مادة (841) و ما بعدها و من لوازم عدم الملكية إلا بالقبض ان المنافع الحاصلة ما بين العقد و القبض هي للواهب و له المنع من القبض و العدول إذا الموهوب لا يزال في ملكه لرحم كانت الهبة أو لغيره و لو توفي أحدهما قبل القبض بطل العقد و انتقل المال إلى ورثة الواهب فلو وافقوا على الهبة فلا بد من عقد جديد، و للواهب التصرف بالعين قبل القبض كيف شاء و كل هذا و نظائره متفرع على عدم تأثير العقد أي أثر سوى صلاحيته للحوق القبض فتحصل الملكية نقلا لا كشفا بخلاف إجازة الفضولي على المشهور عند المحققين، و مما ذكرنا يتضح ان هذه المادة بمدلولها تغني عن مادة (862) للواهب ان يرجع عن الهبة قبل القبض بدون رضا الموهوب له.

بل في الحقيقة لم يحصل شي ء ناجز حتى يحتاج الى الرجوع و انما هو أي العقد استعداد كما عرفت فرجوعه و عدمه سواء من حيث الأثر الفعلي و عدم القبض و الإقباض يغني عن الرجوع فلا حاجة أيضا الى مادة (863) نهي الواهب عن القبض بعد الإيجاب رجوع فإن الإيجاب بل و مع القبول لم يؤثر شيئا حتى يكون النهي رجوعا و انما الحاصل هو الاستعداد و هو باق حتى مع النهي عن القبض فلو اذن له بالقبض بعد ذلك فقبض تمت الهبة، نعم موضع الرجوع حقيقة بعد العقد و القبض في الهبة الجائزة كما في مادة (864) للواهب ان يرجع عن الهبة و الهدية بعد القبض برضا الموهوب و القيد الأخير عندنا مستدرك بل

ص: 84

في غير مواضع اللزوم مطلقا رضي الموهوب له أم لا و لو كان منوطا برضاه لكانت من العقود اللازمة كالبيع و قد عرفت ان طبيعتها الجواز عكس البيع و يدل عليه الحديث المشهور [الواهب أحق بهبته ما لم يثب عنها] و أخبارنا به مستفيضة، و الرجوع الى الحاكم كما في المجلة.

و ان لم يرض الموهوب له راجع الواهب الحاكم و للحاكم فسخ الهبة ان لم يكن ثمة مانع من موانع الرجوع التي ستذكر في المواد الآتية و ان كان مانع فلا يفسخ- فضلة مستغنى عنه فان تشخيص كونها هبة لازمة أو جائزة واضح لا حاجة فيه الى الرجوع الى الحاكم و أسباب اللزوم محصورة معلومة كما سيأتي بيانها و قد تقدم بعضها و لا خصومة حتى تحتاج إلى حكومة فالهبة ان كانت جائزة جاز الرجوع للواهب فيها رضي الموهوب له أم لا حكم الحاكم أم لم يحكم فإنه حكم كلي الهي و ليس من التطبيقات الشخصية التي تتوقف على حكم الحاكم، و كأن أرباب المجلة لم يتميز عندهم مورد حكم الحاكم عن حكم الشارع فاشتبه عليهم الأمر أو بالأحرى- لم يتضح لهم الفرق بين الفتوى و القضاء و ان كانت لازمة اي واجدة لبعض أسباب اللزوم فلا رجوع للواهب و لا حكم للحاكم.

أ فليس من الغريب مع هذا قولهم في مادة (865) لو استرد الواهب الموهوب بعد القبض بدون حكم الحاكم و قضائه و بدون رضا الموهوب له يكون غاصبا و بهذه الصورة لو تلف أو ضاع في يده يكون ضامنا.

ص: 85

و قد عرفت ان حكم الحاكم أجنبي في المقام و لا محل له أصلا و ان المدار على نوع الهبة فإن كانت جائزة له الرجوع و يأخذه قهرا من الموهوب له لأن الملكية رجعت له و لا ضمان أصلا حكم الحاكم أم لا، و ان كانت لازمة لم يجز له الرجوع الا برضا الموهوب له فيكون من قبيل الإقالة و لو أخذه بدون رضاه كان غاصبا و ضامنا لانه ملك للموهوب له حكم الحاكم أيضا أم لا- هذا هو العلم المشذب. و ما ذكرته المجلة هنا و بعض شراحها محلول العري مشبع بألوان الضعف و الركاكة،،، ثم إذا رجع الواهب في موضع الجواز فهي ملكية جديدة لا فسخ للملكية السابقة و لذا يسترجع نفس العين دون منافعها فإنها للموهوب له، و سيأتي توضيح ذلك

و قد شرعت (المجلة) في ذكر أسباب اللزوم
اشارة

و قد تقدم بعضها و هي أمور

(الأول) هبة ذي الرحم

كما في مادة «866» من وهب لأصوله و فروعه أو لأخيه و أخته أو لأولادها أو لعمه و عمته شيئا فليس له الرجوع.

و هذه الضابطة مع طولها مختلفة و كان الأصح جعل العنوان هبة ذي الرحم كما في الحديث المشهور (إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها) فيشمل الخال و الخالة و أولادهم و الجد و الجدة و أخواتهم و في اخبار أهل البيت سلام اللّٰه عليهم (الهبة و النحلة يرجع فيها ان شاء الا لذي رحم) و لا يختص عندنا بالمحرم بل يعم كل ما يصدق عليه القرابة و الرحم عرفا محرما أو غير محرم لوجود لفظ القرابة في بعض الاخبار و لا فرق فيه بين الصغير و الكبير بل و المسلم و الكافر لإطلاق

ص: 86

الأدلة،،،

«الثاني» الزوجية

كما في مادة (867) لو وهب كل من الزوج و الزوجة صاحبه شيئا حال كون الزوجية قائمة بينهما فبعد التسليم ليس له الرجوع.

فعنوان الزوجة يستوجب لزوم الهبة و ان لم يكن بينهما قرابة ففي اخبارهم سلام اللّٰه عليهم «لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته و لا المرأة فيما تهب لزوجها حيزا و لم يحز أ ليس اللّٰه تعالى يقول وَ لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً، و قال تعالى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» و المراد حازها الواهب فلو وهبها شيئا قبل ان يقبضه أو قبضته هي بإذنه لم يجز له الرجوع و لا فرق فيهما بين الكبير و الصغير و العاقل و غيره و المسلم و غيره للإطلاق أيضا و لا يبعد لحوق المطلقة الرجعية بها دون البائنة،

«الثالث» التعويض

و قد سبق مفصلا في مادة (855) و اعاده هنا مادة «868» إذا اعطي للهبة عوض فقبضه الواهب فهو مانع للرجوع.

و المذكور سابقا شرطية العوض و الملحوظ هنا الأعم إذ لا فرق في اللزوم بين ان يشترط العوض في الهبة الأولى أو يكون ابتداء من الموهوب له من غير شرط عليه كما لا فرق بين وقوع الثانية بنحو الهبة أو العطية أو غيرهما و لكن يلزم في الجميع قصد العوضية أي قصد ان دفع هذا المال أو العمل عوض للواهب عن هبته فلو أعطاه لا بقصد العوضية لم تصر لازمة بل له الرجوع فيها، و مع قصد التعويض و التقابض من الطرفين فقد لزمتا معا و ليس لأحدهما

ص: 87

الرجوع فيما اعطى بدون رضا نعم لو رضيا صح و كان نظير الإقالة في البيع، و لا مانع ان يشترط الواهب ان يعوضه الموهوب و لو ببعض هبته فضلا عما لو عوضه بشي ء منها بدون الشرط و يجري عليها بعد التقابض حكم الهبة المعوضة، نعم لا محل و لا معنى للزوم فيما لو اشترط عليه ان يعوضه بها أجمع لأنه راجع الى الجواز أو الفسخ، ثم لا فرق في العوض بين ان يكون من مال الموهوب له أو من غيره كما نصت عليه (المجلة) بقولها: فلو اعطى للواهب شيئا على ان يكون عوضا لهبته فليس له الرجوع ان كان من جانب الموهوب له أو الغير اما عدم رجوع الواهب و الموهوب بعد التقابض فواضح، انما الكلام في الغير لو دفع العوض فهل له الرجوع على الموهوب له بعوض ما دفع؟ و التحقيق ان دفعه ان كان بغير طلب المتهب و لا باذنه فلا إشكال في عدم استحقاق الرجوع عليه بالبدل لانه متبرع و اما لو كان بطلبه أو بإذنه فإن طلب منه التبرع صراحة فلا رجوع أيضا و الا فله حق الرجوع و هذا الحكم مطرد في كل من دفع مالا عن غيره سواء كان مما يطلب بالحبس و الملازمة كالديون و نفقة الزوجة أو كان مما لا يطلب بذلك كالزكوات و الكفارات و النذور و نحوها.

و سواء كان مما جرت العادة برجوعه أم لا فإن الأصل في دفع المال عن شخص بطلبه ضمانه لأصالة احترام مال المسلم الا ان يتبرع به صريحا فيسقط حرمته، و التفاصيل المذكورة هنا في كتب القوم لا تعتمد على دليل.

ص: 88

مادة (869) إذا كان الموهوب أرضا و أحدث الموهوب له فيه بناء أو غرس شجرا أو حصل للموهوب زيادة متصلة
اشارة

مثل كونه حيوانا ضعيفا و سمن بتربية الموهوب له أو تبدل اسمه بتغيير الموهوب له ككونه حنطة و جعله دقيقا فليس للواهب الرجوع و اما الزيادة المنفصلة فلا تمنع من الرجوع.

(هذا هو السبب الرابع) من أسباب اللزوم و عدم الرجوع و حقه ان يعنون بعنوان التصرف و التغيير، و هي من المسائل الخلافية عند فقهائنا بل و عند غيرهم في الجملة، و تحرير البحث فيها- ان العين الموهوبة اما ان تتغير عند الموهوب له عما كانت عليه عند الواهب أو لا و التغيير اما ان يكون زيادة أو نقيصة و كل منهما اما ان يكون زيادة أو نقيصة متصلة أو منفصلة و المتصلة سوقية أو عينية و العينية اما ان تكون بفعل الواهب أو الموهوب له أو أجنبي أو سماوي فالزيادة السوقية أو النقيصة و ان حصلت في ملك الموهوب له و لكن لا ينبغي الإشكال في انها غير مانعة من الرجوع أصلا- لأن معيار صحة الرجوع عندنا هو معيار الرجوع في باب خيار العيب و هو كما في الاخبار هنا و هناك كون المال الموهوب أو المبيع قائما بعينه و لا اشكال ان ارتفاع القيمة و هبوطها لا يمنع صدق كونها قائمة بعينها كما لا إشكال في ان الزيادة و النقيصة العينية تمنع من ذلك سواء كانت بفعل إنسان مطلقا أو بسبب سماوي، و اما إذا لم تتغير فاما ان يكون قد تصرف بها بما لا يوجب التغيير.

كركوب الدابة و ليس الثوب و مطالعة الكتاب أولا و الثاني هو القدر

ص: 89

المتيقن لجواز الرجوع كما لا ينبغي الإشكال في صحة الرجوع في الأول أيضا لصدق كونها قائمة بعينها و اما المنفصلة فإن أوجبت تغيير العين كما لو هزلت الدابة بالولادة فلا رجوع و ان لم توجب التغيير صح الرجوع لأنها قائمة بعينها كما في (المجلة) فلو حملت الفرس التي وهبها أحد لغيره فليس له الرجوع عن الهبة لكن له الرجوع بعد الولادة و بهذه الصورة يكون فلوها للموهوب له.

اما الأقوال في أصل مسألة التصرف فهي عندنا ثلاثة (1) مطلق التصرف مانع من الرجوع حتى مثل لبس الثوب و ركوب الدابة و لعل مدركهم ظواهر الأخبار المانعة من الرجوع بالهبة مثل (الراجع في هبته كالراجع في قيئه) التي لا محيص من حملها على الكراهة و الا لزم كون الهبة مطلقا لازمة حتى مع عدم التصرف فالدليل أعم من المدعى مضافا الى كونه مصادما للضرورة في أن الأصل في الهبة الجواز (2) بعكسه و هو ان مطلق التصرف لا يمنع الرجوع و لعل مدركهم استصحاب الجواز و هو منقطع بالدليل و كلاهما إفراط و تفريط (3) الوسط و هو خيرها التفصيل بين النافل كالبيع و الصلح و نحوها أو المغير كطحن الحنطة و خياطة الثوب و غرس الأرض أو بنائها دارا و بين ما ليس بناقل و لا مغير كلبس الثوب و نحوه و هذا هو الذي يساعد عليه الدليل و المعيار المذكور في الاخبار، ففي صحيحة الحلبي إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله ان يرجع فيها و الا فليس.

بقي في المقام أمور مهمة يلزم التنبيه عليها
اشارة

ص: 90

(1) قد عرفت ان انتقال العين من ملك الموهوب له الى آخر يمنع من الرجوع

كما في مادة «870» إذا باع الموهوب له الموهوب أو أخرجه عن ملكه بالهبة و التسليم فلا يبقى للواهب صلاحية الرجوع. و هذا مما لا اشكال فيه انما الإشكال لو عادت الى ملكه ثانيا بشراء أو إقالة أو إرث أو غير ذلك فهل يعود جواز الرجوع أم لا وجهان- من ان المانع إذا زال يعود الممنوع و من ان مناط جواز الرجوع بقاء العين في يد الموهوب له على ما كانت و الفرض هنا انها قد تغيرت صفة ملكيتها «و بعبارة اجلى» ان حق الرجوع كان في تلك الملكية الحاصلة بالهبة و قد زالت و هذه ملكية جديدة لم يتحقق فيها حق الرجوع لأحد، و بعبارة ثالثة أو وجه آخر ان الواهب له حق الرجوع في الملكية التي نشأت منه و هذه ملكية.

اخرى لا سلطة له عليها، و من هنا ذهب السيد الأستاذ قدس سره الى المنع من الرجوع و لكن اللازم بين ما إذا كانت الملكية العائدة هي الأولى كما في الإقالة و الفسخ فله الرجوع، و بين ما لو كانت غيرها كشراء و نحوه فلا رجوع، و مع ذلك فالمسألة من أصلها لا تخلو من نظر لان رجوع الموهوب الى الموهوب له على حاله يحقق صدق قيام الهبة بعينها المحقق لموضوع الرجوع شرعا و المدار فيه على صدق القيام و العرف ينظر الى تغير العين و عدم تغيرها لا إلى الملكية و تبدلها و عدم تبدلها أما قضية ان الملكية العائدة هي الزائلة أم غيرها فلا اثر له في المقام أصلا بل المدار على صدق القيام و عدمه.

«2» لو شك ان العين هل تغيرت أم هي قائمة بحالها

اما للشك

ص: 91

في ان تبدلها من تلك الحال الى الحال التي هي فيه فلا يوجب صدق عدم القيام أو من جهة الشك في أصل التبدل فالظاهر انه لا رجوع لعدم إحراز تحقق الموضوع و مع الشك في تحقق الموضوع لا مجرى للاستصحاب نعم يمكن ان يقال ان هذه العين كان يجوز للواهب الرجوع فيها و الآن كما كان و ملك الصفة الزائلة ما كانت قيدا في الموضوع بل هي بسبب الشك كالتغير في الماء النجس فان زوال التغير لا يمنع من استصحاب نجاسته

(3) قد يقال ان وطئ الجارية و ان لم يحصل به حمل تصرف مسقط للرجوع

بدعوى انه تغيير في الصفات النفسانية و هو كما ترى ممنوع صغرى و كبرى نعم لو حملت و كانت بكرا فافتضها أو تكرر منه الوطء كان من التصرفات المسقطة للرجوع لعدم قيامها بعينها، و من هنا يظهر الكلام في الإجارة فإنها لا تمنع الرجوع لان العين قائمة على حالها و الإجارة لا تغير من العين المستأجرة شيئا حسيا فضلا عن مثل العارية و الوديعة، و لو آجر الموهوب له العين الموهوبة ثم رجع الواهب في الأثناء فهل تبقى الإجارة بحالها و يسترجعها الواهب بعد انقضاء المدة أو تنفسخ الإجارة و يسترجعها حالا أو لا يصح الرجوع أصلا، وجوه أوجهها الأول لأنه عقد صحيح صدر من أهله في محله فلا وجه لبطلانه غايته ان الواهب له حق الاسترجاع و مقتضى الجمع بين الحقين ان يسترجعها مسلوبة المنفعة، اما مثل التدبير و المكاتبة فضلا عن مثل العتق و الرهن أو غرس الأشجار أو بناء الأرض دارا أو مزج العين بمثلها بحيث لا تتميز فلا إشكال في عدم الرجوع في الجميع.

ص: 92

«4» لو باع الواهب بعد الهبة و القبض العين الموهوبة

فإن كانت الهبة لازمة فلا إشكال في انه فضولي موقوف على اجازة المتهب و ان كانت جائزة، فقيل يقع باطلا ان قصد به الرجوع عن الهبة و التمليك لانه لا بيع إلا في ملك فلو توقف الملك على البيع- دار- و ان شئت قلت ان السبب الواحد لا يعقل ان يكون مملكا للواهب و ناقلا هذه الملكية إلى المشتري فيكون عقدا و فسخا، و لكن تصحيحه و دفع هذين المحذورين بان توقف ملكيته على البيع المحقق للرجوع مما لا اشكال فيها فلا يملك الا بالبيع و لكن يكفي في الملكية المصححة للبيع اقترانها بالبيع لا تقدمها و سبقها، و قاعدة لا بيع إلا في ملك، لا تقتضي أكثر من لزوم كون البيع مع الملك أعم من كونه سابقا أو مقارنا، توضيح ذلك ان الرجوع في الهبة كالرجوع في الطلاق لا يحتاج الى عقد و لا إيقاع بل يكفي فيه القول الدال عليه كما يكفي أي فعل من الأفعال الظاهرة في قصد الرجوع فالبيع الصادر من الواهب بما هو فعل قصد به الرجوع يكون فسخا و مملكا له و بما هو عقد بلحوق القبول يكون ناقلا و مملكا للمشتري فعند شروعه بالإيجاب انفسخت الهبة و رجع ملكا للواهب و عند تمامية العقد إيجابا و قبولا يعود ملكا للمشتري و ينتقل اليه من الواهب فاندفع المحذوران مع المحافظة على القواعد و اتجه القول بالصحة و له نظائر منها بيع ذي الخيار لنفسه ما انتقل عنه بقصد الفسخ، و منها عتق العبد الموهوب بقصد الرجوع في الهبة فتدبره و اغتنمه فإنه من نفائس العلم

(السبب الخامس) من أسباب لزوم الهبة- تلف العين الموهوبة

كما

ص: 93

نصت عليه مادة [871] إذا استهلك الموهوب في يد الموهوب له فلا يبقى للرجوع محل يعني ان حق الرجوع قائم بشخص العين فيذهب بذهابها لا بماليتها حتى ينتقل الى المثل أو القيمة كما في الفسخ بالخيار بعد تلف العين و لا فرق في التلف المسقط للرجوع بين كونه سماويا أو بشريا من الواهب أو المتهب أو أجنبي كل ذلك لما تكرر من ان المعيار كون الهبة قائمة بعينها نعم يمكن القول بان تلف البعض لا يمنع حق الرجوع في الباقي لأنه قائم بعينه و لا يخلو من نظر و الحق هو التفصيل بين ما إذا كان الموهوب متعددا حقيقة كثوب و كتاب فتلف أحدهما لا يسقط حق الرجوع في الآخر لأنه قائم بعينه و يرجع في الحقيقة إلى هبتين و بين ما يكون واحدا بحسب الصدق العرفي و ان كان مركبا ذا أجزاء في الحقيقة كالثوب الواحد المؤلف من قطعات مختلفة أو متفقة فلو تلف بعض اجزائه سقط حق الرجوع في الباقي لعدم قيام الهبة بعينها و هي هبة واحدة و منه يتضح لك حال نقص العين مطلقا فان المعيار فيه صدق القيام فان انتفى فلا رجوع و الا فحق الرجوع باق و الحكم الكلي واضح و انما الإشكال في التطبيق و معرفة حال المصاديق و هي التي يقع الشك و الاشتباه فيها غالبا فمثل نسيان الكتابة و أمثالها من الصفات النفسانية يقع الشك انها مغيرة للعين أو لا بل هي قائمة بعينها و منشأ ذلك ان المدار على التغيير الحسي فقط أو الأعم منه و من النفسي و الموارد تختلف و المدار على العرف أو نظر الحاكم ان كان منهم.

و يلحق بالتلف الحقيقي و هو هلاك العين التلف الحكمي و هو انتقالها

ص: 94

ببيع أو صلح فضلا عن مثل العتق و الانعتاق بالتنكيل و الأسباب الخاصة المعروفة، نعم يشكل في مثل التدبير و الكتابة و الأقرب فيها بقاء حق الرجوع فليتدبر، هذا كله في الهبة الجائزة المجردة عن الشرط اما الهبة اللازمة التي اشترط الواهب فيها خيار الفسخ كما لو وهب قرابته و اشترط ان له الرجوع متى شاء فان له الفسخ حتى بعد التلف و يسترد المثل أو القيمة.

و الفرق بين حق الرجوع المجعول بأصل الشرع في العين- و بين الفسخ المجعول بشرط الواهب في العقد ظاهر بعد قليل من التأمل.

«السادس» من أسباب اللزوم موت الواهب أو المتهب بعد القبض

و لو لأجنبي فتلزم الهبة و لا رجوع لورثة الواهب و لا له على ورثة المتهب لان الرجوع حكم شرعي لا حق مالي حتى ينتقل كالخيار و نحوه إلى الورثة أو عليهم و لو سلم كونه حقا فهو قاصر على ذات الواهب و لا أقل من ان الأصل عدم الانتقال و العين بموت الموهوب له قد انتقلت الى ورثته و قد عرفت ان الانتقال أحد أسباب اللزوم فلا رجوع للواهب و لا سيما و الورثة ملكوه بالإرث لا بالهبة، و بهذا يستبين ما في مادة «872» وفاة كل من الواهب و الموهوب له مانعة من الرجوع بناء عليه ليس للواهب الرجوع عن الهبة إذا توفي الموهوب له كذلك ليس للورثة استرداد الموهوب إذا توفي الواهب

«السابع» كون الموهوب دينا على الموهوب له

كما في مادة (873) إذا وهب الدائن للمديون منجزا فليس له الرجوع.

ص: 95

فإنها في الحقيقة إسقاط و إبراء و يقولون: ان الساقط لا يعود- يعني إلا بسبب جديد و هذا يطرد في كل كلي في الذمة و ان لم يكن قرضا كثمن مبيع أو وجه إجارة أو نحو ذلك اما لو وهبه لغير المديون و لم يكن رحما و لا زوجية فله الرجوع حتى بعد القبض و تخيل انه قد وهبه الكلي و المقبوض المصداق و هو شي ء آخر واضح الضعف

«الثامن» مادة (874) لا يصح الرجوع عن الصدقة بعد القبض بوجه من الوجوه.

و كان الاولى ان يدخل هذا في الهبة المعوضة فإن الثواب هو العوض و قد استحقه و كتب له فصار بحكم المقبوض و بحكم المعوضة، و لا فرق بين ان يجعلها بلفظ الصدقة و مشتقاتها أو بلفظ الهبة و متفرعاتها كما لا فرق بين كونها على الفقير أو الغني أو المجهول و على مسلم أو كافر ان تحققت القربة ببعض الجهات.

مادة (875) إذا أباح الرجل لآخر شيئا من مطعوماته

فليس له التصرف فيه بوجه مما يتوقف على المالك كبيع و هبة و صلح و لكن له الأكل و التناول من ذلك الشي ء و بعد هذا ليس لصاحبه مطالبة قيمته مثلا إذا أكل أحد من بستان آخر بإباحته مقدارا من العنب فليس لصاحب البستان مطالبة قيمة ذلك،،، من المعلوم ان الإباحة ليست تمليكا بل هو تسليط على التصرف فيقتصر على مقدار الاذن و الرخصة فلو اذن له بجميع التصرفات حتى الناقلة كان من قبيل المعاطاة عند القائلين بالإباحة و الاشكال هناك يأتي هنا بالأولى. و لو رخصه على

ص: 96

نحو مخصوص و تصرف معين تعين و ليس له التجاوز فلو تجاوز كان باطلا و لما كانت قرينة الحال في إباحة المطعومات ظاهرة في إرادة إباحة الأكل خاصة تعينت كالمدعويين في الولائم و نحوها و لا يجوز غير الأكل من التصرفات و له نظائر قد تقدم بعضها فليراجع و منها ما في مادة (876) الهدايا التي ترد في الختان و العرس تكون لمن ترد باسمه من المختون و العروس و الولد و الوالدة و ان لم يذكر أنها وردت لمن و لم يمكن السؤال عنها و التحقيق فعلى ذلك يراعي عرف البلد و عادتها يعني إذا خصها المالك اختصت و الا فالمتبع هو العرف الخاص و على كلا التقديرين فهي من مصاديق التمليك المجاني و لا إشكال في هذا انما الإشكال أنها هل هي من الهبة الجائزة التي يجوز الرجوع فيها و الحكم بذلك و لا سيما مع تباني العرف على عدم الرجوع فيها مشكل و الحكم بلزومها مع عدم وجود أحد الأسباب الملزمة أشكل فالمسألة تحتاج الى مزيد دقة و تأمل.

و نظير هذا الهدايا المرسلة الى المسافرين عند قدومهم أو منهم الى أصدقائهم و أقربائهم و أمثال ذلك و هو كثير و منه ما يعطى بعنوان الاعانات و المساعدات فان الجميع تمليكات مجانية و حالها من حيث جواز الرجوع و عدمه ما عرفت.

ص: 97

الفصل الثاني في (هبة المريض)

يعني مرض الموت التي تتوقف فيه تصرفات المريض المجانية الزائدة على الثلث على اجازة الورثة عند كثير من الفقهاء و عند آخرين تنفذ من حينها و لا تتوقف و المسألة مشهورة و محررة في محالها من كتب الفقه ككتاب الحجر و الوصية و الغرض هنا ذكر ما يتعلق بالهبة لأنها من أشهر التصرفات المجانية و أكثرها وقوعا.

مادة (878) إذا وهب من لا وارث له جميع أمواله لأحد في مرض موته و سلمها فيصح بعد وفاته و ليس لأمين بيت المال المداخلة في تركته.

الهبة في مرض الموت كالهبة في غيره لا تخرج عن حقيقة الهبة و لا ترجع إلى الوصية كما توهمه بعض الشراح فإن الهبة تمليك منجز و الوصية تمليك معلق على الموت فأين هذا من ذاك، نعم الفرق بين الهبتين ان التي تقع في حال الصحة تصح بعد القبض و لا سلطة الا للواهب على حلها ان كانت جائزة و التي تقع في مرض الموت يراعى فيها

ص: 98

قضية الثلث عند أرباب هذا القول فان ساوت أو قصرت نفذت من حينها و ان زادت فان كان هناك وارث غير الإمام فأجاز جازت و الا بطلت في الزائد و ان لم يكن سوى الإمام فالأمر اليه ان شاء أنفذها في الجميع و ان شاء أبطلها في الزائد و كذا الكلام في نائبه العام و الخاص، و كذلك هبة كل من الزوجين للآخر حيث لا وارث سواه غير الإمام فإن المال كله للآخر منهما على كل حال اما هبة أو ميراثا فرضا أو ردا على القول بأن الزوجة يرد عليها، اما لو كان وارث غير الموهوب له فالمدار في الزائد على اجازته كما عرفت و عليه مادة (879) إذا وهب أحد في مرض موته شيئا لأحد ورثته و بعد وفاته لم تجز الورثة الباقون فلا تصح تلك الهبة.

و هذا صحيح و لكن لا وجه لتخصيص الموهوب له بأحد الورثة بل و لو لأجنبي و تنفذ بإجازة الورثة سواء كانت قبل موته أو بعده و توهم عدم صحتها قبل موته لأنها إسقاط ما لم يتحقق مدفوع بان مرض الموت موجب لتعلق حق للورثة بتركة مورثهم في الزائد على الثلث عند أرباب هذا القول كتعلق حق الغرماء و لذا يكون محجورا عليه في الزائد و باعتبار ذلك الحق تصح إجازتهم و يعتبر ان يكون المجيز عاقلا بالغا غير مريض مرض الموت و للولي أو الوصي الإجازة مع المصلحة لا مطلقا نعم المعتبر هو الوارث عند الموت لا عند الهبة فلو أجاز الوارث عند الهبة ثم مات قبل الواهب لغت اجازته طبعا.

و تصح الهبة للوارث و لغيره كما تصح الوصية كذلك من صحيح

ص: 99

و مريض، و ما يرويه الجمهور من حديث (ان اللّٰه قد اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) غير معمول به عندنا و محمول على عدم وجوب الوصية للوارث لأن إرثه الذي فرضه اللّٰه يدفع وجوب الوصية و في بعض الروايات ما يشير الى ذلك، نعم لا ريب ان ترجيح الورثة على بعض في الهبات و التمليكات الصلحية أو البيوع المحاباتية- جور و إجحاف على باقي الورثة كما في كثير من الاخبار و هو مكروه كراهة شديدة تكاد تلحقه بالحرام نعم و قد يبلغ الحرمة إذا استلزم حصول الشحناء و البغضاء بين الاخوة و الأولاد، و في بعض الاخبار ان أحد الصحابة اشهد النبي «ص» على تمليك عقار لبعض ولده فقال له النبي صلى اللّٰه عليه و آله هل أعطيت بقية ولدك مثل ما عطيته فقال لا فقال (ص) هذا جور و انا لا اشهد على جور- هذا كله مع تساوي الأولاد من سائر الجهات اما لو تميز أحدهم ببعض المرجحات فقد يستحب الترجيح بل قد يجب مع الأمن من المفسدة كما لو كان أحدهم فقيرا أو مريضا أو عاجزا عن الكسب أو مشغولا بطلب العلم أو نحو ذلك من المميزات و هذا باب واسع و له إغلاق و أقفال كثيرة مفاتيحها العقل و العدل و الوجدان هذا كله في الهبة للوارث (اما لو وهب و سلم لغير الورثة فإن كان ثلث ماله مساعدا وافيا بتمام الموهوب تصح و ان لم يكن وافيا و لم تجز الورثة الهبة تصح في المقدار الوافي و يكون الموهوب له مجبورا على رد الباقي).

و قد عرفت انه لا فرق في ذلك بين الهبة للوارث و غيره و يلحق

ص: 100

بالهبة جميع معاملاته المحاباتية كما لو باع أو آجر أو صالح بأقل من ثمن المثل فإنها جميعا تتوقف على اجازة الورثة لأنها تزاحم حقوقهم في الثلثين اما ما كان بثمن المثل أو أزيد فينفذ من حينه بلا توقف و كذا الكلام في حق الغرماء فيما لو كانت الديون تستغرق التركة فإن تصرفات مرض الموت المحاباتية لا تنفذ إلا بإجازة الغرماء فلو وهب بغير عوض مساوي كان لهم رد الهبة و استرداد الموهوب و لو كانت الديون تقابل نصف أمواله أو ثلثيها لوحظت النسبة فإن كانت الهبة أقل من النصف توقفت على اجازة الورثة فقط و ان كانت أزيد توقفت على إجازتهم و اجازة الغرماء و الى بعض هذا أشارت مادة (880) إذا وهب المستغرق تركته بالديون أمواله لوارثه أو لغيره و سلمها ثم توفي فللغرماء ان يدخلوا أمواله في قسمتهم ان لم يمضوا الهبة،،، و هي مجملة و التحقيق الوافي ما ذكرناه.

(و الى هنا تم كتاب الهبة و يليه كتاب الغصب و الإتلاف)

ص: 101

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

الكتاب الثامن (في الغصب و الإتلاف

اشارة

و يشتمل على مقدمة و بابين)

ص: 102

المقدمة (في بيان الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالغصب و الإتلاف)

اشارة

مادة (881)

الغصب:

هو أخذ مال أحد و ضبطه بدون اذنه و يقال للآخذ غاصب و للمال المضبوط مأخوذ و لصاحبه مأخوذ منه، جرت طريقة الفقهاء من العامة و الخاصة أن يفردوا في كتبهم الفقهية كتابا خاصا للغصب مع ان المباحث التي يذكرونها في هذا الكتاب ليست من آثار الغصب أصلا و انما هي من آثار اليد- و الغصب فرع من فروعها و هي الأصل و سيأتي ان الغصب انما يمتاز عن سائر موارد اليد في الحرمة التكليفية فقط و كان الأصح ان يجعل عنوان هذه المباحث (كتاب أسباب الضمان) و أولها اليد و لعله من تسامح الأولين و اقتفى أثرهم جل الآخرين.

و تحرير البحث كما هو حقه- ان أسباب الضمان و نعني به صيرورة مال شخص في عهدة آخر بأن يؤديه إليه عينا أو بدلا مثلا أو قيمة و أسباب

ص: 103

هذا و ان كانت كثيرة و لكن أشهر أصول الضمانات و أكثرها وقوعا و أوسعها فروعا- أربعة «1» اليد «2» الإتلاف «3» الالتزام «4» الغرور. و المراد باليد الاستيلاء على مال الغير بغير حق يعني بغير اذن من المالك و لا الشارع فان كان عالما عامدا مختارا فهو عدوان محرم مضاف إلى أثره الوضعي من لزوم دفع غرامته لو تلف و هو الغصب المعروف و ان لم يكن كذلك فلا حرمة بل عليه الضمان فقط اي وجوب رد العين موجودة ورد بدلها مفقودة،،، و قد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الغصب ففي المجلة هو الأخذ. و في جملة من متون فقهائنا هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا و هذا التعبير أقربها إلى الحقيقة و ان كان لا يخلو من خدشه و هناك تعبيرات اخرى كلها قاصرة و تعريف المجلة أشدها قصورا إذ لا يعتبر في الغصب الأخذ بل لو استولى على المال و هو في يد صاحبه كان غصبا كما لو سكن الدار معه و صيره مأمورا بأمره، و كذا التعبير بالاستقلال فان وضع اليد على الشي ء مع يد المالك كما لو ركب الدابة معه غصب و ان لم يكن هناك استقلال، و مثله التعبير عنه بإزالة اليد المحقة و وضع اليد المبطلة و كيف كان فقد ظهر لك ان أحسن ما يمكن التعبير عنه بالمعنى العام انه اي الغصب الاستيلاء على مال الغير بغير حق و بالمعنى الخاص و هو المحرم عقلا و شرعا الاستيلاء على مال الغير عدوانا، و الفرق بينهما واضح و من الغريب ان المجلة جعلت الآخذ هو الغاصب ثم غفلت عن جعل المأخوذ مغصوبا و المأخوذ منه مغصوبا منه، و يشبه ان يكون هذا من

ص: 104

قبيل ما يسمونه في البديع «بالإطاعة و العصيان».

مادة (882) قيمة الشي ء قائما هي قيمة الابنية أو الأشجار حال كونها قائمة في محلها

و هو ان تقوم الأرض مع الابنية و الأشجار و تارة تقوم على ان تكون خالية عنهما فالتفاصيل و التفاوت الذي يحصل بين القيمتين هو قيمة الأبنية و الأشجار قائمة.

و أسهل من ذلك ان تقوم نفس الابنية من حيث هي متراصة و مجتمعة و الأشجار من حيث كونها نابتة نامية و هذا شي ء قد يعرفه أهل الخبرة بسهولة. و من هذا القبيل تقويم ثمن الزوجة من الابنية و الأشجار على المشهور عندنا من انها لا ترث من أعيانها بل من القيمة.

مادة (883) قيمة الشي ء مبنيا

هي قيمة البناء قائما.

مادة (884) قيمة الشي ء مقلوعا

هي قيمة انفاض الابنية و الأشجار بعد القلع.

مادة (885) قيمة الشي ء حال كونه مستحقا للقلع

هي للقيمة الباقية بعد تنزيل اجرة القلع من قيمة المقلوع.

هذه المواد مع انها من الواضحات قليلة الجدوى ضئيلة الفائدة

مادة (886) نقصان الأرض هو الفرق و التفاوت الذي يحصل بين أجرة الأرض قبل الزراعة و بعدها.

يعني إذا زرع الغاصب أو غيره و نقصت الأرض بذلك التصرف و أريد معرفة قدر النقيصة بنظر التفاوت بين أجرتها قبل الزراعة و بعدها و لو جعلوا المعيار التفاوت بين قيمتها قبل ان تزرع و بعدها لكان أهون

ص: 105

و أتقن.

(888) الإتلاف تسببا هو التسبب لتلف شي ء

يعني إحداث أمر في شي ء يفضي الى تلف شي ء آخر على جري العادة و يقال لفاعله متسبب كما ان قطع حبل قنديل معلق يكون سببا مفضيا لسقوطه على الأرض و انكساره و يكون قد أتلف الحبل مباشرة و كسر القنديل تسببا و كذلك إذا شق أحد ظرفا فيه سمن و تلف ذلك السمن يكون قد أتلف الظرف مباشرة و السمن تسبيبا،،، تشير المجلة بهذا الى ان الإتلاف الذي هو أحد أسباب الضمان نوعان لان المتلف اما ان يتلفه مباشرة أو تسبيبا و قد أشارت إلى تعريف التسبيب و هو إحداث أمر في شي ء يفضي الى تلف شي ء آخر و ساق له تلك الأمثلة التي هي مثال للتسبيب كما هي مثال للمباشرة التي لم يذكر تعريفها و ضابطتها و قد تكثرت العبارات في إعطاء الضابطة الفارقة بين المباشرة و التسبيب فان الحكم و هو الضمان حيث يجتمع المباشر و السبب يختلف فتارة يكون على المباشر و اخرى على السبب فلا بد من ضابطة يمتاز بها أحدهما عن الأخر، و الضابطة المذكورة في المجلة مختلة و توضيح ذلك يستدعي تمهيد (مقدمة) و هي ان الافعال التي تسند إلى الإنسان نوعان (قيامية) و هي التي تقوم بالفاعل قيام حلول مثل النوم و الموت و الحياة إلى كثير من نظائرها فإن نسبة الموت الى زيد في قولك مات زيد ليس لان الموت صدر منه بل لانه حل به و قام فيه و هكذا القول في أمثاله و نسبة هذه الأحداث إلى الموضوعات القائمة بها انما بضرب من التوسع و الا فحقيقة النسبة تقتضي صدور الفعل

ص: 106

من الفاعل لا حلوله فيه و ليست تلك الاحداث الفاعلية من أفعالنا بل لها أسباب و علل خاصة توجد بوجودها انما أفعالنا حقيقة هي القسم الثاني و هي «الصدورية» أي التي تصدر من الشخص حقيقة و تسند اليه بلا عناية مثل القتل و الأكل و الشرب و أضرابها و هي أيضا نوعان «توليدية» و هي التي يوجد الفاعل أسبابها فيسند اليه مسبباتها مثل الإحراق حيث يقال فلان أحرق البيت يعني انه القى النار عليه أو ألقاه فيها فاحترق و أكثر أفعال البشر من هذا القبيل «و غير توليدية» و هي التي يوجد الفاعل المسبب بلا واسطة بل يكون السبب صرف إرادته و هو قليل مثل الكلام و القيام و اضرابهما و كلا النوعين هي من أفعالنا مباشرة فالفاعل المباشر هو موجد الشي ء رأسا بإرادته أو موجد سببه.

و حيث ان تأثير الأسباب في الغالب لا يكون الا بانضمام الشروط و سبق المعدات فربما يوجد السبب بفعل شخص و يوجد غيره الشرط أو المعد فموجد السبب هو المباشر و موجد الشرط أو المعد اصطلحوا عليه اصطلاحا خاصا في هذا الباب انه المسبب مع ان فاعل السبب غيره مثلا من حفر بئرا في الطريق لغرض له فالقى فيها شخص رجلا آخر أو دابة فالمباشر هو الملقي و حافر البئر هو فاعل الشرط أو المعد فإذا تغاير المباشر و فاعل الشرط أو المعد فالضمان على المباشر إلا في موردين كما سيأتي اما إذا اتحد بان كان المباشر هو فاعل الشرط أو المعد كما لو كان الملقي هو الحافر فالضمان عليه على كل حال، و مما ذكرنا يظهر لك الخلل فيما ذكرته المجلة و ذلك من وجهين (الأول) ان قاطع الحبل المعلق به القنديل

ص: 107

إذا وقع و انكسر هو كاسر القنديل مباشرة غايته انه فعل أحدهما بإرادته و الآخر بإيجاد سببه و كلا الفعلين كما عرفت هما من أفعال المباشرة لغة و عرفا بل و عقلا.

(الثاني) حيث ان الفاعل لهما واحد فليس هو من موارد الفاعل مباشرة أو تسبيبا. و انما موردهما حيث يتعدد الفاعل فيكون فاعل السبب غير فاعل الشرط أو المعد، فتدبر هذا و اغتنمه فقد اشتبه على كثير من الفريقين.

مادة (889) التقدم هو التنبيه و التوصية بدفع الضرر الملحوظ و إزالته قبل وقوعه.

هذه المادة غير واضحة المراد، و لا معلومة المفاد. و فسرها البعض بما حاصله ان جدار الجار إذا مال الى الانهدام فللشخص ان يقول لجاره ان جدارك متصدع فاهدمه فان لم يفعل فسقط و أتلف شيئا ضمن انتهى.

«أقول» و هذا ما لا جدوى فيه فان صاحب الجدار المنهدم إذا أتلف على جاره شيئا كان ضامنا إذا عد مقصرا كما هو الغالب سواء أنذره جاره أم لا، و الذي ينبغي التنبيه عليه في هذه القضية اعني قضية الإنذار هو ان المتلف إذا نبه صاحب المال و أنذره بالتحفظ فلم يتحفظ فلا ضمان على المتلف مثلا لو وجد راكب الدابة امامه في الطريق متاعا لشخص فانذره و قال له قبل ان يصل اليه ارفع متاعك من الطريق فلم يرفعه و سحقته الدابة و أتلفته فلا ضمان على الراكب لان صاحب المتاع هو الذي فرط في حفظ متاعه نعم لو لم ينذره

ص: 108

و أتلفه كان ضامنا. و هذا كله يرجع الى قضية التسبيب ففي الصورة الأولى المتلف صاحب المتاع و في الثانية راكب الدابة فتدبره.

ص: 109

الباب الأول في (الغصب

اشارة

و يحتوي على ثلاثة فصول)

الفصل الأول « (في بيان احكام الغصب)»

اشارة

قد عرفت ان الاستيلاء على مال الغير بغير اذنه أو اذن الشارع يترتب عليه أحكام فإن كان عالما و العالم عامد كان غاصبا و عدوانا و ترتب عليه حكمان (أحدهما) تكليفي و هو الحرمة و استحقاق العقوبة (و ثانيهما) وضعي و هو كون المال في عهدة واضع اليد و معنى كونه في العهدة وجوب رده ان كان موجودا و دفع غرامته مثلا أو قيمة ان كان تالفا و ان كان جاهلا بأنه مال الغير و وضع يده عليه ترتب الأثر الثاني فقط و لم يكن حرمة و لا عقوبة و الغصب هو الأول لا الثاني و لذا ذكرنا ان عنوان الكتاب بالغصب ليس في محله فإن الاحكام التي نذكر في هذا الكتاب لا شي ء منها يتعلق بالغصب بعنوانه الخاص و انما هي للعنوان

ص: 110

العام سواء كان غصبا أم لا و أول تلك الاحكام التي هي للعنوان الجامع و هو الاستيلاء على مال الغير ما ذكروا، في مادة «890» يلزم رد المال المغصوب عينا و تسليمه الى صاحبه في مكان الغصب ان كان موجودا و ان صادف الغاصب صاحب المال في بلدة اخرى و كان المغصوب فيها فان شاء صاحبه استرده هناك و ان طلب رده الى مكان الغصب فمصاريف نقله و مئونة رده على الغاصب،،، اعلم ان للمال الذي صار في يد الغير بغير وجه شرعي ثلاث حالات (الاولى) أن يكون باقيا على حاله لم يتلف و لم يتغير ثم لا يخلو، اما ان يكون باقيا في بلد الغصب أو نقل الى أخرى و على كلا التقديرين اما ان يحتاج نقله الى المحل الذي غصب فيه الى مئونة أو لا يحتاج و على تقدير انتقاله الى بلد أخرى فاما ان يطالبه صاحبه في تلك البلد أو لا اما مع طلب المالك فلا إشكال في وجوب رده له مطلقا و لا يجوز الامتناع من تسليمه له أينما كان نعم لو غصبه من بلد و نقله الى غيرها و طلبه المالك في بلد ثالثة لا يبعد عدم وجوب نقله الى بلد الغصب أو تسليمه في البلد الذي هو فيه و هو واضح، و اما مع عدم الطلب فالواجب رده الى المحل الذي أخذ منه و لا حق له في جبر المالك على تسلمه في بلد آخر نعم لو كان نقله الى بلده التي غصب فيها لا يحتاج إلى مئونة كالدراهم و الخاتم و أشباه ذلك لم يبعد وجوب قبوله لو دفعه الغاصب في بلد اخرى و لا يجوز له الامتناع اما المحتاج إلى مئونة فهي على الغاصب بلا اشكال، هذا كله في الأحوال الاعتيادية اما لو طلبه و الطريق خطر أو فيه على الغاصب أو غيره ضرر كان له الامتناع الا بتحمل المالك

ص: 111

التدارك أو يلقي عنه تبعة الضمان كما ان للمالك الامتناع من تسلمه مع شي ء من تلك الأحوال «الحالة الثانية» ان يكون قد تلف و هلكت عينه و المتلف اما ان يكون المالك أو الغاصب أو أجنبي أو أمر سماوي و الحكم في جميع هذه التقادير واحد و هو الضمان بدفع المثل أو القيمة إلا إذا كان المتلف هو المالك فإنه لا ضمان على الغاصب طبعا لأنه بمنزلة الاستيفاء سواء كان المالك عالما حين التلف انه ماله أم لا، اما لو كان المتلف هو الأجنبي فالمالك مخير بين الرجوع عليه و بين الرجوع على الغاصب ثم يرجع الغاصب على الأجنبي لأن قرار الضمان على من تتلف العين في يده و لا فرق في التلف السماوي بين كونه بتفريط الغاصب و تعديه أم بغير ذلك كما نبهت عليه مادة «891» كما انه يلزم الغاصب ان يكون ضامنا إذا استهلك المال المغصوب كذلك إذا تلف أو ضاع بتعديه أو بدون تعديه يكون أيضا ضامنا قيمته يوم غصبه،،، و قد اتفق فقهاء الفريقين على الفرق في الضمان بين المثلي فيضمن بالمثل و القيمي فيضمن بالقيمة و قد مر عليك في أوائل الجزء الأول بيان ضابطة الفرق بينهما، انما المهم الكلام فيما لو اختلفت القيمة بين يوم الغصب و يوم التلف أو بين أحدهما و بين يوم الدفع فهل اللازم دفع قيمة يوم الغصب مطلقا أو يوم التلف كذلك أو يوم التسليم كذلك أو أعلى القيم من الأول الى الثاني أو الى الثالث، و الفرق بين باب الغصب و غيره من أنواع الضمانات وجوه بل أقوال و الخلاف قائم بين عامة أرباب المذاهب فالمنقول عن أبي حنيفة ضمان قيمته يوم الغصب و هو ظاهر إطلاق المجلة و نسب

ص: 112

الى أكثر فقهائنا اعتبار يوم التلف لانه يوم الانتقال من وجوب رد العين إلى القيمة ضرورة ان العين لما كانت موجودة عند الغاصب كان الواجب عليه ردها عينا فلما تلفت انتقل الحق من العين إلى القيمة و لكن يشكل هذا بأنه مخالف لرواية صحيحة في هذا الباب ظاهرها اعتبار قيمة يوم الغصب و حيث ان هذه الصحيحة تشتمل على كثير من احكام الضمانات و ضمان منافع العين المغصوبة و هي غريزة الفائدة عظيمة البركة فاللازم هنا نقلها بنصها ثم النظر فيما يستفاد منها:

روى الشيخ الطوسي رحمه اللّٰه في الصحيح عن أبي ولاد قال اكتريت بغلا الى قصر بني هبيرة ذاهبا و جائيا بكذا و كذا و خرجت في طلب غريم لي فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت ان صاحبي توجه الى النيل فتوجهت الى نحو النيل فلما أتيت النيل خبرت انه توجه الى بغداد فاتبعته و ظفرت به و فرغت مما بيني و بينه و رجعت الى الكوفة و كان ذهابي و مجيئي خمسة عشر يوما فأخبرت صاحب البغل بعذري و أردت أن أتحلل منه فيما صنعت و ارضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبى أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة و أخبرته بالقصة و أخبره الرجل فقال لي ما صنعت بالبغل قلت أرجعته سليما قال نعم بعد خمسة عشر يوما قال فما تريد من الرجل قلت أريد كراء بغلي فقد حبسه على خمسة عشر يوما فقال اني ما ارى لك حقا لانه اكتراه الى قصر بني هبيرة فخالف فركبه الى النيل و الى بغداد فضمن فيه البغل و سقط الكراء فلما رد البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكراء قال فخرجنا من عنده و أخذ صاحب

ص: 113

البغل يسترجع فرحمته مما افتى به أبو حنيفة و أعطيته شيئا و تحللت منه و حججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد اللّٰه عليه السلام بما افتى به أبو حنيفة فقال في مثل هذا القضاء تحبس السماء ماءها و تحبس الأرض بركاتها فقلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام فما ترى أنت جعلت فداك قال ارى له عليك مثل كرى البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل و ذاهبا من النيل الى بغداد و مثل كرى البغل من بغداد إلى الكوفة و توفيه إياه قال قلت جعلت فداك فقد علفته بدراهم فلي عليه علفه قال لا لأنك غاصب قلت أ رأيت لو عطب البغل أو نفق ليس كان يلزمني قال نعم قيمة بغل يوم خالفته قلت فإن أصاب البغل عقر أو كسر أو دبر قال عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه قلت فمن يعرف ذلك قال أنت و هو اما ان يحلف هو فيلزمك و ان رد عليك اليمين فحلت على القيمة لزمك ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك فقلت اني كنت أعطيته دراهم و رضي بها و حللني فقال إنما رضي بها و حللك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم و لكن ارجع اليه فأخبره بما أفتيتك فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك (انتهى).

و ذكر بعض اعلام فقهائنا المتأخرين ان موضع الدلالة منها كلمتان [الاولى] ظهور قوله نعم قيمة بغل يوم خالفته فان الظاهر ان اليوم قيد للقيمة سواء أضفنا البغل الى اليوم أو جعلناه منونا عوض اللام فيكون التقدير قيمة البغل يوم المخالفة و سقوط اللام حينئذ للإضافة

ص: 114

لا للتنكير ليكون موهما أنها قيمة بغل مثل البغل لو تلف فيدل على ضمان القيمي بالمثل و القيمة هي قيمة المثل لا قيمة التالف، و احتمل جماعة تعلقه بالفعل المستفاد من نعم اي يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل فلا يدل على قيمة يوم المخالفة، ثم قال و هو بعيد جدا بل غير ممكن لأن السائل إنما سأل عما يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان كما يدل عليه أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني فقوله نعم يعني يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته [الثانية] قوله أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا فإن إثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه فلا بد ان يكون الغرض منه إثبات قيمة يوم المخالفة لأنه هو يوم الاكتراء فان المخالفة على ظاهر الرواية كانت بمجرد خروجه من الكوفة و معلوم عدم اختلاف القيمة في تلك المدة القليلة أي ما بين الخروج من الكوفة و التوجه الى نحو النيل المحقق للمخالف (انتهى ملخصا).

و أقول ان فيما افاده قدس سره مواقع للنظر أما «أولا» فقوله و اما ما احتمله جماعة إلى قوله فبعيد جدا بل غير ممكن- غريب جدا فان الاستفهام في كلام الراوي أ ليس يلزمني- لم يكن حقيقيا و انما هو تقريري أو انكاري و لم يقصد به السؤال عما يضمن به بل عن أصل الضمان فإن الإمام عليه السلام لما الزمه بالكراء من الكوفة إلى النيل و منها الى بغداد ثم منها إلى الكوفة استنكر السائل ذلك، و استفهم إنكارا

ص: 115

- أ ليس- يلزمني ضمان العين يغني فكيف أضمن الأجرة مع اني ضامن العين لو تلفت مشيرا الى فتوى أبي حنيفة المستندة إلى قاعدة (الضمان بالخراج) فليس في السؤال تعرض للقيمة أصلا و ليست هي من محل البحث في شي ء فضلا عن التعرض لقيمة أي يوم من يومي الغصب أو التلف و انما ذكر الامام عليه السلام يوم المخالفة و قال قيمة بغل يوم خالفته إشارة إلى رد الاستنكار و انك بمخالفتك و غصبك خرجت عن الامانة فصرت ضامنا للعين و تعلق الضمان يوم المخالفة و من أجل المخالفة و لو كنت مستمرا على اجارتك و لم تخالفها كنت أمينا و لم تكن ضامنا فحاصل الجواب نعم يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل لو عطب و لا اشعار فيها فضلا عن الظهور بان المدار على قيمته يوم التلف أو يوم الغصب أو غيرهما (و ثانيا) ان من الممكن منع اتحاد يوم الاكتراء مع يوم المخالفة إذ من الجائز انه قد اكتراه قبل خروجه بأيام و لو سلم انه اكترى يوم سفره و لكن يمكن منع قرب عدوله الى نحو النيل من ساعة خروجه من الكوفة و لو كان قريبا منها لرجع الى صاحب البغل و راجعه في الإجارة إلى النيل و الظاهر ان قنطرة الكوفة بعيدة عنها، و لو سلم كل ذلك فلا دلالة فيها على ان اعتبار يوم الاكتراء كان من جهة وقوع المخالفة فيه بل لعله من أجل ان يكون هو الأصل المحفوظ فاما ان يتفقا على بقائه على تلك القيمة إلى يوم التلف أو يدعي المالك الزيادة أو المستأجر النقيصة فيرجعان الى من يحكم بينهما حسب الأصول و القواعد و تعيين المدعي و المنكر و الأخذ بوظيفة كل منهما كما يشعر به ذيل الرواية و أغرب من

ص: 116

هذا انه قدس سره بعد استظهاره اعتبار يوم المخالفة قال ما نصه- نعم يمكن ان يوهن ما استظهرناه من الصحيحة بأنه لا يبعد ان يكون معنى الحكم في الرواية على ما هو الغالب في مثل مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل في مدة خمسة عشر يوما و يكون السر في التعبير بيوم المخالفة دفع ما ربما يتوهمه أمثال صاحب البغل من العوام من ان العبرة بقيمة ما اشترى به البغل الى آخره.

و هذا من الغرابة بمكان فان الحكم الواقعي لو كان هو اعتبار قيمة يوم التلف لكان اللازم بيانه و ببيانه يحصل دفع توهم العوام و لا وجه للتعبير بخلاف الواقع و ان العبرة بيوم المخالفة لدفع ذلك التوهم مع ما فيه من الإغراء بالجهل، و بالجملة فالعدول عن بيان الواقع الى خلافه بذكر يوم المخالفة تارة و يوم الاكتراء اخرى مع ان العبرة بيوم التلف واقعا لم يظهر له وجه أصلا بل غير جائز قطعا، و من جميع ذلك ظهر ان الرواية بمعزل عن تعيين قيمة أي يوم من الأيام المحتملة بل جل الغرض منها بيان أصل ضمان المنافع كضمان العين دفعا لشبهة أبي حنيفة التي تقدم توضيحها و الجواب عنها غير مرة و بعد ان خلت القضية عن النص في تعيين قيمة يوم الغصب أو يوم التلف فاللازم الرجوع الى مقتضى القاعدة و هو اعتبار قيمة يوم التلف لانه يوم انتقال الحق من العين إلى القيمة و اشتغال الذمة بها كما ذهب إليه أكثر فقهائنا و دعوى ان الذمة قد اشتغلت بالقيمة يوم الغصب نظرا الى ان معنى ضمان العهدة كما تقدم مرارا هو وجوب رد العين مع وجودها و تداركها بالبدل مع فقدها

ص: 117

مدفوعة بأن اشتغال الذمة (أولا) كان فرضيا و تقديريا (و ثانيا) كان على نحو الإبهام و الإجمال و تنجزه و تعيينه يكون يوم التلف فالمدار عليه، و من هنا ظهر الحكم فيما لو كان الاختلاف من حيث المكان كما لو كان للعين قيمة في بلد الغصب و اخرى في بلد التلف و ثالثة في بلد المطالبة أو التسليم فالظاهر تعيين قيمة بلد التلف لأنها هي التي استقرت و تنجزت في الذمة و بها يحصل التدارك للعين شرعا و عرفا و لذا اتفقوا ظاهرا على عدم العبرة بزيادة قيمة العين بعد التلف الا من القائل بأعلى القيم من زمان الغصب الى وقت الدفع و هو شاذ و لم يعلم وجهه و أقصى ما يقال في توجيهه ان العين كانت مضمونة في جميع الأزمنة فإذا ارتفعت قيمتها في زمان صار تداركها لا يحصل الا بدفع تلك القيمة فكما انها لو تلفت تعينت هي فكذا إذا حال أحد بينهما و بين المالك إذ بقاؤها مع عدم تمكنه منها مساو لتلفها حكما نعم لو ردها فقد حصل التدارك بنفس العين و لو نقصت قيمتها لان ارتفاع القيمة السوقية أمر اعتباري لا يضمن بنفسه لعدم كونه مالا و ان كان مقوما لمالية المال و به تتمايز الأموال قلة و كثرة (و بيان) آخر ان للعين مع تزايد القيمة مراتب من المالية أزيلت يد المالك عنها فان رد نفس العين سقط الحق و لم يضمن الزيادة لأنها اعتبار يتبع العين و الا ضمن العين بعليا مراتبها هذا كله لو علمت القيم يوم الغصب و يوم التلف اما لو شك في قيمتها يوم التلف و انها كانت عشرة أو خمسة فالمرجع الى الأصل العملي و هو أصالة اشتغال ذمة الغاصب و لا يحصل اليقين ببراءة ذمته من حق المالك

ص: 118

الا بدفع الأكثر و استدل بهذا أيضا لوجوب دفع أعلى القيم من زمن الغصب الى وقت التلف أو الى وقت الدفع و لكنه في الجميع واضح الضعف و ليس المورد من موارد الاشتغال بل من موارد أصل البراءة لأن التكليف بالأكثر غير معلوم و القدر المتيقن هو الأقل و ينفى المشكوك بالأصل كما في سائر موارد الشك بين الأقل و الأكثر، نعم لو كان التكليف مرددا بين متبايعين أو مجملا تعين الرجوع الى الاشتغال ثم ان هذا كله انما هو في تفاوت القيمة السوقية الناشئة من تفاوت الرغبات اما الارتفاع لزيادة العين فلا خلاف في ضمان أعلى القيم و تكون الزيادة في القيمة بإزاء زيادة العين و ضمانها كضمان الجزء الفائت نعم يجري الخلاف في ضمان هذه الزيادة و انه باعتبار قيمتها يوم الغصب أو يوم التلف أو غير ذلك (هذا تمام الكلام) في القيمي و جميع ما ذكر فيه يجري في المثلي إذا تعذر المثل و انتقل الحق إلى قيمته أي قيمة المثل سوى ان يوم التعذر هنا يقوم مقام يوم التلف هناك لانه هو اليوم الذي ينتقل الحق فيه من العين إلى القيمة فيعتبر قيمة المثل يوم تعذره لا قيمة يوم التلف (الحالة الثالثة) من حالات العين المغصوبة تعذر الوصول إليها و عدم إمكان ردها الى المالك مع وجودها و عدم تلفها و هلاكها كما لو أبق العبد من الغاصب أو شردت الدابة أو وقع المال المغصوب في البحر أو ضاع أو سرق و أمثال ذلك و قد اتفقوا هنا على وجوب التدارك بدفع البدل مثلا في المثلي و قيمة في القيمي و يسمونه (بدل الحيلولة) و لكنهم وقعوا في محذور عويص ارتكبوا أشد الارتباك في التخلص منه

ص: 119

و هو انهم اتفقوا ان ما يدفعه الغاصب من البدل يملكه المغصوب منه و يتصرف فيه جميع التصرفات المتوقفة على الملكية من بيع و رهن و وقف و غيرها ثم اتفقوا على الظاهر ان المغصوب الذي يتعسر أو يتعذر الوصول اليه كما لو كان ضائعا مجهول المحل مثلا هو باق على ملك مالكه المغصوب منه و لهذا لو ظهر بعد ذلك يرجع له لا للغاصب الضامن و يؤيده انه لم يجر معاملة توجب الانتقال فلزم من هذين الأمرين محذور اجتماع البدل و المبدل في ملك شخص واحد اي اجتماع العوض و المعوض بل كون العوض بلا معوض و هو محال عقلا باطل شرعا، و حاول بعضهم التفصي عن الاشكال بالتزام عدم دخول البدل في ملك المغصوب منه بل مفاد هذه المبادلة إباحة جميع التصرفات حتى الموقوفة على الملكية فيكون المقام نظير المعاطاة على القول بالإباحة لا الملكية و يكون بيعا لازما بتلف أحد العوضيين فكذلك ما نحن فيه و لكنك خبير بان هذا لا يجدي في رفع الإشكال لأنهم في المعاطاة على القول بالإباحة التزموا بحصول الملكية آنا ما قبل التصرف الموقوف على الملك كالوقف و البيع فلو التزمنا هنا بذلك عاد الاشكال تماما حيث يلزم ان يكون المغصوب منه قد ملك البدل مع بقاء المبدل على ملكه و لذا لو ظهر رجع اليه لا الى الغاصب ففي المعاطاة يلتزمون عند التصرف بالمعاوضة على حقيقتها بخلافه هنا و من هنا أيضا ينشأ إشكال آخر و هو انه لو رجع المبدل المغصوب و أمكن رده الى مالكه فهل يرجع ما أخذه من البدل علينا أو بدلا الى الغاصب مطلقا أو لا يرجع مطلقا فيجمع بين العوض و المعوض أو يرجع

ص: 120

إذا كان موجودا و لا يغرمه إذا كان تالفا وجوه و أقوال لا يخلو كل واحد من الاشكال و المسألة من معضلات الفن و أقصى ما يمكن ان يقال من التحقيق و الوجه الدقيق لحلها هو ان للعين المملوكة بنظر العقلاء اعتبارا من حيث ذاتها مجردة عن كل شي ء و عن كل وصف، و اعتبارا ثانيا من حيث أوصافها و منافعها المحققة لماليتها و لا شك ان الملكية تدور مدار الذات لا الصفات يعني ان الملكية تتحقق و ان لم تكن للعين مالية كما هو واضح في حبة الحنطة فإنها ملك لك و لا يجوز لأحد ان يأخذها بدون إذنك و يكون غاصبا لو انتزعها منك بغير رضاك و لكنها ليست بمال و لا يبذل بإزائها مال فالمال شي ء و الملكية شي ء آخر فإذا غصبك عينا لها مالية و حال بينك و بين الانتفاع بها فقد غصبك الذات و الصفات اي المنافع فيجب عليه عقلا و شرعا التدارك و الغرامة بعد تعذر رد الذات و لا يحصل التدارك الا بدفع بدلها مثلا أو قيمة و لا يتحقق التدارك التام و الغرامة الا بان يكون لك جميع أنواع التصرفات بالبدل حتى الموقوفة على الملك على النحو الذي كان لك في مالك و لكن هذا لا يقتضي التبادل في الملكية بل كل مال من البدل و المبدل باق على ملك صاحبه و انما دفع لك البدل بدلا عن حيلولته بينك و بين الانتفاع بمالك و لذا سموه (بدل الحيلولة) و بعبارة اجلى ان مالية البدل لك اما عينه و ذاته فهي لصاحبها الضامن كما ان المبدل المفقود ذاته لك اما ماليته فقد ذهبت عليك و تداركها الغاصب بدفع البدل فلو ظهر البدل المفقود رجع الى مالكه المغصوب منه لانه ملكه اما بدله فان كان موجودا عنده أرجعه

ص: 121

إلى الغاصب لانه ملكه و قد ارتفعت الحيلولة الموجبة لتسلط المغصوب منه عليه و اما لو كان تالفا تلفا حقيقيا أو حكميا كما لو وقفه أو أعتقه فلا رجوع عليه لا بغرامة و لا غيرها لان الشارع أسقط ضمانه بسوء اختيار الغاصب حيث ارتكب الغصب و هذا معنى ذهابه من مال الغاصب كما لو تلفت العين المغصوبة تلفا حقيقيا أ ليس يغرمها الغاصب و تذهب من ماله؟ فكذلك هنا و يكون إتلاف المغصوب منه للبدل ليس لانه مالك له حتى يلزم الجمع بين العوض و المعوض بل هو ملك الغاصب و لكنه مأذون شرعا بإتلافه حقيقة أو حكما بوقف و نحوه مثل الاذن بأكل مال الغير في مخمصة و نحوها سواء ان هذا بضمان و ما نحن فيه بغير ضمان لانه غاصب اما لو باعها فالأقرب ان البيع يقع متزلزلا و مراعى فان رجع المغصوب انفسخ بيع المغصوب منه للبدل و رجع الى الغاصب و ان تلف المغصوب تلفا حقيقيا أو حصل اليأس من عوده صار البيع لازما كما انه لو كان بعد في يد المغصوب منه صار ملكا ذاتا له و أشبه المعاطاة من هذه الجهة و ان كنا لا نلتزم بالملكية آنا ما في هذا المقام كما في المعاطاة بل نقول لو وقف أو أعتق أو باع انه باع و وقف ملك الغير عن نفسه بإذن الشارع و يأخذ العوض بدلا عن ماله الذي حال الغصب بينه و بين التصرف فيه فبينه و بين المعاطاة فرق ظاهر و بهذا ترتفع جميع المحاذير و تندفع كافة الإشكالات و لا يلزم سوى تخصيص قاعدة لا بيع إلا في ملك و أخواتها و هو غير عزيز النظير في القواعد الشرعية و المسائل الفقهية و بهذا كله ظهر ان أصح الأقوال هو القول

ص: 122

الثالث و هو القول بالتفصيل كما ظهر أيضا انه مع إمكان الرد و زوال التعذر يجب على الغاصب ردها و يسترد ما دفعه من الغرامة ان كانت موجودة و الا ردها بغير استرداد شي ء فلو لم يردها و تلفت ضمنها ثانيا و هكذا و للمالك المغصوب منه انتزاعها من الغاصب و إذا رد البدل لا يرد منافعه المنفصلة بل و لا يغرم قيمة ما استوفاه من منافعه الماضية نعم الزيادة المتصلة تتبع العين اما منافع العين المغصوبة فهي للمالك في جميع الأحوال و يغرم الغاصب قيمة ما استوفاه كما عرفت مرارا خلافا لأبي حنيفة ثم ليس للغاصب حبس العين المغصوبة حتى يسترد غرامته إذا كانت موجودة و ان كان القول بان له حبسها وفاقا لجماعة من الاعلام غير بعيد هذا موجز الكلام في بدل الحيلولة و بقيت فروع و تحقيقات اخرى لا يتسع لها المجال مذكورة في كتب أصحابنا المبسوطة و فيما ذكرناه كفاية ان شاء اللّٰه.

مادة (892) إذا سلم الغاصب عين المغصوب في مكان الغصب الى صاحبه بري ء الغاصب من الضمان.

تحتاج هذه المادة إلى قيود أخرى فإن التسليم في مكان الغصب إنما يكفي إذا لم يكن مخوفا و لم يكن فيه محذور، اما مع الخوف أو الضرر فلا يكفي في رفع الضمان إلا إذا رضي المغصوب منه كما كان يلزم تقييد صاحبه بما إذا كان بالغا عاقلا رشيدا و مع فقد واحد من هذه الصفات فالضمان باق و في حكم تسليمه التسليم الى وكيله أو وليه أو وارثه مع موت المالك و لو سلم العين الى أحد الورثة بدون اذن الباقين ضمن

ص: 123

لهم و في حكم تسليمه أيضا اذن المالك ببقائها عند الغاصب وديعة أو عارية أو إجارة أو إباحة ففي جميع ذلك يزول الضمان عن الغاصب و يجري عليه حكم تلك العناوين و كذا لو وكله على بيعه أو إجارته فتلف قبل ذلك، و الحاصل يزول عنوان الغصب الموجب للضمان بكل ما دل على رضا المالك ببقاء العين المغصوبة في يد الغاصب و يتحقق به عنوان الرد عرفا فلو قال للغاصب أنت وكيل على بيعه و تلف في يد الغاصب قبل البيع فلا ضمان خلافا لبعض شراح المجلة و كل هذا واضح انما المهم ما يتحقق به عنوان الرد و التسليم و هو كسائر المفاهيم له أفراد قطعية الدخول فيه كما ان هناك افرادا قطعية الخروج و هناك افراد مشكوك بأنه يتحقق عنوان الرد بها حتى يزول الضمان أم لا، منها ما ذكره في مادة (893) إذا وضع الغاصب عين المغصوب و ان لم يوجد رد في الحقيقة و منها ما لو دفعه له بعنوان الهدية أو الضيافة أو نحوها من العناوين المجانية و انها ليست ماله المغصوب فلو غصبه طعاما و قدمه للمالك فأكله و هو لا يعلم بأنه طعامه لم يتحقق الرد و يكون ضامنا الى كثير من هذه الفروع،،، و خلاصة التحقيق ما تقدم في أمثال هذا الباب من ان الرد و التسليم و الأخذ و القبض كلها مفاهيم عرفية فالمرجع في تعيين مصاديقها الى العرف و ما يشك العرف فيه أو لم يعرف حاله عندهم فالمرجع إلى الأصول الموضوعية فان لم يكن فالحكمية نعم لا ريب في ان الرد لا يتحقق بالتخلية أو رفع الغاصب يده عن العين المغصوبة و نحو ذلك من المعاني السلبية بل لا بدّ في تحققه من معنى إيجابي فكما ان الغاصب لا يتحقق بمحض رفع

ص: 124

يد المالك عن حاله و لذا قالوا لو منع المالك عن إمساك دابته لم يتحقق الغصب فالرد الذي هو نقيض الغصب و رافعه لا يتحقق بصرف رفع الغاصب يده عن العين المغصوبة و كما لا بد في تحقق الغصب من الاستيلاء على مال الغير فكذلك لا يحصل الرد حتى يحقق استيلاء المالك على ماله المغصوب فلو أرسل الغاصب الدابة و نزع يده منها لم يحصل رد ما لم يضع لجامها في يد المالك أو يلقيه بين يديه بل لو وضعها في مربطها أو أدخلها في بيت المالك، أو وضع الثوب في صندوق المالك و نحو ذلك كل ذلك لا يكون ردا و لا أقل من الشك فيستصحب حكم الضمان لو تلف و مما ذكرنا ظهر الخلل في مادة (893) إذا وضع الغاصب عين المغصوب امام صاحبه بصورة يقدر على أخذه فيكون قد رد المغصوب و ان لم يوجد قبض في الحقيقة و جعلوا هذا ردا حكيما و مع القبض ردا حقيقيا و ان الفرق بينهما ما ذكرته المجلة بقولها:

اما لو تلف المغصوب و وضع الغاصب قيمته قدام صاحبه بتلك الصورة فلا يبرأ ما لم يوجد قبض في الحقيقة.

و علل هذا بعض الشراح بان دفع القيمة مبادلة و هي لا تكون الا برضى الطرفين بخلاف ما لو دفع العين فإنها عين حقه،،، و أنت خبير بضعف هذا التعليل بل فساده فإن المبادلة لو كانت اختيارية لاحتاجت إلى رضى الطرفين اما لو كانت قهرية بحكم الشارع و مصادقة العرف فلا حاجة الى الرضا، و توضيحه ان الشارع لما جعل المثل أو القيمة بدلا عن العين التالفة لزم ان يترتب على البدل جميع آثار المبدل فكما ان الغاصب لو دفع العين

ص: 125

خرج من عهدة الضمان قهرا على المالك رضى أو لم يرض فكذلك لو دفع البدل الذي جعله الشرع و العرف بمنزلة العين (و ببيان) آخر ان الوضع قدام المالك ان كان من مصاديق الرد عرفا فهو يكفي في القيمة كما يكفي في العين و ان لم يكن منها فلا يكفي في المقامين فالتفصيل لا وجه له أصلا و هذا هو الوجه في مادة «894» لو سلم الغاصب فان دفعه في محل مخوف لا يتحقق معه الاستيلاء التام فلا يتحقق الرد المسقط للضمان نعم لو قبضه و رضي فقد أسقط حقه و هذا مطرد في جميع الحقوق التي في الذمم و الأعيان من الدين و السلف و الكفالة و غيرها.

مادة (895) إذا اعطى الغاصب،،، الرجوع الى الحاكم على الظاهر

لا حاجة له الا إذا لم يمكنه ان يضعه بين يديه أو يلقيه عليه في محل الأمن فهناك اما ان يدفعه الى الحاكم فيبرأ أو يطلب منه إحضاره فيلزمه بأخذه.

مادة (896) إذا كان المغصوب منه صبيا و رد الغاصب إليه

فإن كان مميزا و أهلا لحفظ المال يصح الرد و إلا فلا الرد إلى ولي الصغير الغير البالغ مطلقا اولى و أحوط و لا يصح الدفع الا للبالغ الرشيد اما النائم فإن غصب منه حال نومه كما لو أخذ خفه أو رداءه أو انتزع من إصبعه خاتمه فقد أجاز أبو يوسف رده إليه في ذلك النوم فلو رده في نومه الثاني بعد انتباهه لم يخرج من الضمان و اشترط الشيباني وحدة المجلس لا وحدة النوم و الأصح أنه بوضع يده على مال غيره

ص: 126

صار ضامنا و لا يسقط الا بالقدر المتيقن من الرد و هو رده في يقظته.

مادة (897) إذا كان المغصوب فاكهة فتغيرت عند الغاصب
اشارة

كان يبست فصاحبه بالخيار ان شاء استرد المغصوب عينا و ان شاء ضمنه، تغير المغصوب عند الغاصب له ثلاث حالات.

(الاولى)

ان تتغير الذات و الحقيقة النوعية و له صورتان (أولاهما) أن تتغير الذات بالانقلاب كانقلاب الخمر خلا و الحيوان ملحا أو الخشب فحما (ثانيهما) تغيره بالنشو و النمو كصيرورة الحب زرعا و النطفة حيوانا.

(الثانية)

ان لا تتغير الذات بل تتغير العوارض و الصفات و له (صورتان) أيضا فإن تغير الوصف اما ان يكون مع بقاء الاسم كصيرورة الثوب الأبيض أسود و الأصفر أحمر و هكذا أو يتبدل الاسم أيضا كصيرورة القمح دقيقا و الدقيق خبزا و منه صيرورة قطعة القماش بالقطع و الخياطة قميصا أو قباء.

(الثالثة)

ان يتغير الامتزاج مع غيره فان استهلك في المزيج فهو تلف و الا فاما ان يمكن تمييزه و عزله أولا و على الثاني فاما ان يمتزج بالمساوي أو الأعلى و الأدنى.

أما تغير الذات بالانقلاب فان عده العرف تلفا فلا اشكال و يجري عليه ما سبق من احكام التلف و الا فالمالك مخير بين أخذه أو أخذ المثل

ص: 127

أو القيمة و يبقى المال للغاصب.

و اما تغيرها بالنشو و النمو كما لو غصب حبا فزرعه.

فالزرع دائما لصاحب البذر و كذلك الحيوان لصاحب النطفة و لصاحب الأرض و العامل الأجرة اما إذا كان العامل هو الغاصب فلا اجرة له و كذلك لو زرعها في أرضه نعم للمالك ان يترك الزرع للغاصب و يطالبه بالمثل أو القيمة من جهة التغيير و اما تغيير العوارض و الصفات ففيه صور كثيرة يجمعها ثلاثة عناوين فإنها اما زيادة أو نقيصة أو فصل و وصل و الزيادة اما زيادة عين كما لو خاط الغاصب الثوب بخيوطه و صبغه بصبغه حيث يكون الصبغ جسما لا عرضا و اما زيادة وصف محض كما لو علم العبد الكتابة أو ساوى الأرض أو أقام السيف المعوج و هكذا،، اما زيادة العين فقد اتفقوا ظاهرا على ان الواجب على الغاصب انتزعها فان عابت أو تلفت فلا غرامة له لانه هو المسبب على نفسه و ان عابت العين المغصوبة وجب عليه التدارك لمالكها و للمالك ان يأخذها و يدفع قيمة العين الزائدة من خيوط أو صبغ أو غيرهما و لكن للغاصب ان يمتنع و ينتزعها إذا شاء هذا مع إمكان الانتزاع اما مع عدمه كما في الصبغ و نحوه من كتابة و رسم و نظائرها فالمالك مخير بين أخذها و دفع قيمة الزيادة للغاصب و بين أخذ المثل أو القيمة و بين بيع العين و يأخذ كل من الغاصب و المغصوب منه حقه بالنسبة، و يمكن ان يقال ان الصبغ ان كان عينا و لها جرم فإن أمكن نزعها تعين و الا فلا حق للغاصب لأنها من قبيل الأوصاف نعم لو أنقصت فعليه أرش النقص فليتأمل، اما

ص: 128

زيادة الوصف المحض كتعليم الكتابة أو تمرين الدابة أو تسوية الأرض فلا يضمنه المغصوب منه و ان زادت به القيمة أضعافا لأن الأوصاف عندهم لا تقابل بالأثمان و ان زادت بها الأثمان و لكنهم قالوا لو زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب فلا شي ء عليه و لا له الا ان تكون عينا فان تم الاتفاق على هذا فهو و الا فلا يخلو من نظر، و اما النقيصة فإن كانت عينا فهي من نقص الاجزاء و المتفق على ضمانها قولا واحدا و ان كانت وصفا محضا كما لو اعوج السيف عند الغاصب و نسي العبد الكتابة و أمثال ذلك فظاهرهم الاتفاق على انها مضمونه بالأرش كالأجزاء مع انهم في زيادتها قالوا بعدم الضمان لأنها لا تقابل بالاعواض و العلة مطردة و وجه الفرق يحتاج الى مزيد تأمل،،، و مما ذكر يعلم حال الفصل و الوصل كما لو قطع أو حاك الغزل فان نقصت القيمة ضمن الغاصب النقيصة و ان ساوت أو زادت فلا شي ء له و لا عليه و اما التغيير بالامتزاج فإن أمكن التمييز فلا اشكال و الا فلا يخلو اما ان يمتزج بالمساوي أو بالأعلى أو بالأدنى فإن كان المساوي فالقسمة و يأخذ كل واحد حقه أو يبقى على الشركة عينا لا قيمة و كذا قالوا في امتزاجه بالأعلى لأن الزيادة الحاصلة صفة حصلت بفعل الغاصب عدوانا فلا يسقط حق المالك مع بقاء عين ماله كما لو صاغ النقرة و علف الدابة فسمنت و فيه نظر لا يخفى و القول بالانتقال الى المثل أو القيمة أقرب الى الصواب لانه جميع بين الحقين كما لو مزجه بالأدنى و لم يمكن التمييز هذا تمام الكلام في أنواع التغيير و حكم كل نوع منها و منه يظهر الخلل الواسع في مواد المجلة كما نشير إليه في كل

ص: 129

مادة حسب ما يأتي ففي هذه المادة (897) الحكم بالخيار غير متجه بل ليس له الا عين ماله فان نقصت قيمته باليبس أخذ الأرش و الا فله العين بلا ضميمة و لا فرق بين ان يكون اليبس بفعل الغاصب أو بفعل غيره أو بسبب سماوي كما لو جفف العنب فصار زبيبا أو جف لحرارة الهواء و من الغريب قول بعض الشراح انه لو جفف الغاصب العنب ملكه و ينقطع منه ملك المغصوب منه) فإنه حكم جزافي لا وجه له كما لا وجه للخيار في مادة (898) إذا غير الغاصب بعض أوصاف المغصوب بزيادة شي ء عليه من ماله فالمغصوب منه مخير ان شاء أعطى قيمة الزيادة و استرد المغصوب عينا و ان شاء ضمنه مثلا لو كان المغصوب ثوبا و كان قد صبغه الغاصب فالمغصوب منه مخير ان شاء ضمن الثوب و ان شاء أعطى قيمة الصبغ و استرد الثوب عينا،،، بل الأصح التفصيل فان كانت الزيادة عينا و أمكن نزعها كالخيوط تعين الى ان يتراضيا فيدفع المالك قيمة الزيادة و يأخذ العين و ان لم يمكن فان نقصت القيمة ضمن الغاصب النقيصة و إلا أخذ المالك العين و لا شي ء للغاصب و لا عليه و لا فرق في ذلك بين الصبغ و غيره من أنواع الزيادة.

مادة (899) إذا غير الغاصب المغصوب بحيث يتبدل اسمه يكون ضامنا و يكون له المال المغصوب.

عرفت ان تبدل الاسم لا اثر له و انما المدار على انقلاب الذات أو تبدل الصفات فمن غصب حنطة و طحنها فان الدقيق و ان اختلف مع الحنطة بالاسم و لكن الحقيقة واحدة و أكثر الخواص فيهما متساوية و كذا

ص: 130

لو غصبه عنبا فصار زبيبا أو رطبا فصار تمرا أو دبسا و المرجع في أمثال ذلك الى زيادة القيمة و نقصها فان نقصت رد العين مع الأرش و ان زادت أو ساوت أخذها بلا شي ء كل ذلك لان عينه موجودة و انما تغيرت العوارض و الصفات و تغير الاسم لا يوجب تغير الحقيقة و لعل من هذا القبيل ما لو غصب شاة و ذبحها، و فروع هذا الأصل كثيرة لا تحصى و لكن تمييزها عن غيرها يحتاج الى لطف قريحة و على ما ذكرنا فلا وجه لقول المجلة: مثلا لو كان قد غصب الآخر،،، و كذا لا صحة لقولها و من غصب حنطة غيره و زرعها في أرضه يكون ضامنا للحنطة و المحصول له بل الحق ان الزرع لصاحب الحنطة و له اجرة الأرض على تأمل في استحقاقه أجرة الأرض و العمل بل هو من قبيل ما لو علف الدابة فسمنت و استحقاق الأجرة في المقامين يحتاج الى مزيد تأمل أما رجوع الزرع الى صاحب الحنطة فمما لا ينبغي الإشكال فيه للقاعدة المسلمة على الظاهر شرعا و عرفا في ان الزرع لصاحب البذر و توهم ان زرع الحنطة إتلاف للحنطة توهم فاسد جدا بل الحنطة قد نمت و اتسعت لا أنها عدمت و وجد الزرع من شي ء آخر و بالجملة ليس المقام مقام إيجاد و إعدام اي إعدام حقيقة و إيجاد حقيقة أخرى بل تلك الحقيقة ارتقت و صعدت في صراط الحركة حب و زرع ثم زرع و حب و هكذا فتدبره جيدا و ان كان واضحا نعم من الصحيح المحكم قولها.

مادة «900» إذا تناقص سعر المغصوب و قيمته بعد الغصب فليس لصاحبه ان لا يقبله الى آخرها».

ص: 131

فان الغاصب إذا رد العين لصاحبها و لم ينقص جزء من اجزائها و لا تغير وصف من أوصافها سوى ان قيمتها السوقية نزلت لم يكن عليه ضمان نقصان القيمة السوقية لأنه رد عين ماله إليه بحاله و زيادة السوق أمر اعتيادي ليس بشي ء مضمون و هذا على الظاهر متفق عليه بين الفريقين و تفاوت الرغبات شئون خارجية و جهات اعتبارية تحدث و نزول في نفوس البشر بمشيئة اللّٰه جل شأنه و تصرفه في الأكوان، نعم لو كان نقص القيمة بسبب استعمال الغاصب لزمه الضمان قطعا لانه يعود الى نقص جزء أو وصف في العين و لو وصفا اعتباريا ككونه جديدا أو غير مستعمل كما ذكره في المجلة فضلا عما ذكرته بقولها مثلا إذا ضعف الحيوان.

ثم لا وجه للتفصيل في قضية شق الثوب بين ربع قيمة المغصوب و بين ما لو كان فاحشا الذي نوهت عنه بقولها كذلك إذا شق الثوب.

و قد عرفت ان عين ماله موجود لم ينعدم و القاعدة العامة انه كما كان عين المال موجودا فالحكم رده بعينه غايته انه إذا تغير وصفه تغيرا يوجب نقص قيمته تدارك الغاصب النقص و الا فلا شي ء عليه و ما ذكرته المجلة من التفاصيل حكم جزافي عار عن الدليل.

مادة «901» الحال الذي هو مساو للغصب في إزالة التصرف حكما يعد من قبيل الغصب

كما ان المستودع إذا أنكر الوديعة يكون في حكم الغاصب و بعد الإنكار لو تلفت يكون ضامنا،،،

ص: 132

قد عرفت ان الغصب لا أثر له أصلا في باب الضمانات و انما يدور الضمان و عدمه مدار وضع اليد اى استيلاء على مال الغير بدون اذنه سواء كان غصبا أو غيره و هذا أحد موارد اليد فان اليد في الوديعة و ان كانت غير ضمانية للأمانة و لكن بالإنكار خرجت عن الائتمان فجاء الضمان سواء تحقق عنوان الغصب هنا أم لا إذ ليس مدار الضمان عليه كما عرفت.

مادة «902» لو خرج ملك أحد من يده بانهدام جبل بما عليه الى آخره.

من الواضح ان هذا النوع و نظائره خارج عن باب الغصب و لا دخل له به أصلا، بل سقوط الأعلى على الأسفل ان كان بقصد من صاحبه فهو إتلاف و ضامن للأسفل لا غير و ان لم يكن بقصد بل ألقته العواصف فهو غير ضامن أصلا بل قضاء من اللّٰه تعالى أوجبه ضرر الطرفين فلا يضمن أحدهما للآخر فما أدري اين مورد الضمان في هذا الفرع بل مقتضى القاعدة ان السقوط إذا كان بغير قصد تبقى الأرض العليا ملكا للأول و لا يغرم الأسفل له شيئا كما لا يغرم الأعلى له شيئا نعم في مثال اللؤلؤ و الدجاجة يتعارض الضرران و مقتضى قاعدة ازالة الأشد بالأخف و الجمع بين الحقين ان يغرم صاحب اللؤلؤ لصاحب الدجاجة اما مع التساوي فاما القرعة أو ترجيح الحاكم بمراعاة الجهات الخارجية من فقر و غيره و هذا إذا لم يمكن بيعهما و قسمه المال بينهما بالنسبة و لو بذبح الدجاجة و بيعها بعد إخراج اللؤلؤة و الا تعين كما هو واضح

ص: 133

مادة «903» زوائد المغصوب لصاحبه.

هذا مما لا اشكال فيه عند فقهاء الإمامية أجمع بل يضمن حتى المنافع الاعتبارية التي لا عين لها كسكنى الدار و لبس الثوب اما المنافع الغير مستوفاة كما لو غصب الدار و لم يسكنها أحد ففيها خلاف و أقوال كثيرة كضمان منافع الحر و الحق عندنا فيها التفصيل فان صدق التفويت ضمن و الا فلا ثم لا فرق عند أصحابنا في المنافع بين المغصوب مع العين أو المتولد منها في يد الغاصب كما لا فرق في ضمانها على الغاصب بين ما استهلكه أو تلف بغير تعد و لا تفريط و يظهر من المجلة انه لا يضمن المنافع المنفصلة إلا إذا استهلكها اما لو تلفت تلفا سماويا فلا ضمان و مقتضى قاعدة اليد و ان النماء يتبع الأصل هو الضمان مطلقا فالتفصيل لا وجه له و هو تفصيل بلا دليل كما ان قاعدة (الخروج بالضمان) على مذهب الحنفي من ان ضمان العين و المنافع لا يجتمعان يقتضي عدم الفرق في رفع الضمان بين ضمان المنافع المنفصلة و المتصلة العينية و الاعتبارية مع التلف أو الإتلاف و لازم هذا لو غصب الدابة فاولدت فباع الفلو أو استهلكه لا ضمان عليه و هو غريب و إباحة لأموال الناس بغير سبب صحيح و لا أظنهم يلتزمون به في المنفصلة و ان صرحوا به في المنافع التي لا عين لها كسكنى الدار و لبس الثوب و ركوب الدابة، بقي الكلام في المنافع المتصلة كسمن الدابة و نحوه لو أتلفها الغاصب أو تلفت عنده فقد نقلوا عن أبي يوسف و الشيباني و عن أبي حنيفة عدم الضمان و القول الأول أقوى و ان ظهر من بعض أصحابنا عدم الضمان بناء على ان الأوصاف لا تقابل بالأعواض

ص: 134

و هو على إطلاقه محل نظر أما قضية النحل و العسل فالقاعدة الكلية المطردة في باب الطيور الأهلية بل و سائر الحيوانات ان صاحب الدار و البستان و نحوها إذا بنى وكرا أو عشا للطيور تأوي إليه فقد دخلت في حيازته و صارت هي و بيضها و فراخها ملكا له و إذا بنت هي عشا لها من القش و نحوه في بعض زوايا داره و أشجار بستانه فصيرورتها في حيازته و ملكا له بمجرد ذلك محل نظر بل الظاهر بقاؤها على الإباحة يملكها كل من صادها و من ذلك الحمام و النحل و غيرهما، فقول المجلة و كذلك لو اغتصب الى الآخر يبتني على ما إذا بنى روضة تأوي إليها لا مطلقا و كذلك ما في مادة «904» عسل النحل الى الآخر،،، مقيد بما ذكرنا و الإطلاق غير متجه فتدبر.

الفصل الثاني في (بيان المسائل المتعلقة بغصب العقار)

مادة «905» المغصوب ان كان عقارا يلزم الغاصب رده،،،

هذا الحكم لا يختص بالعقار بل كل عين مغصوبة يلزم ردها و في التعبير بنقصان القيمة تسامح بل الاولى ان يقال لو نقصت القيمة لنقصان

ص: 135

العين اما نقصان القيمة السوقية مع بقاء العين على حالها فقد عرفت ان الأشهر بل لعل الاتفاق على عدم ضمانها.

مادة «906» ان كان المغصوب أرضا و أشاد الغاصب عليها بناء أو غرس أشجارا،،،

هذه أيضا عامة في كل مغصوب أحدث الغاصب زيادة فيه و بالجملة فإن العقار لا يختلف عن غيره من الأعيان من حيث الحكم نعم يختلف عنها في بعض جهات الموضوع فإن الأرض مثلا لا يمكن ان يعرضها التلف الحقيقي أصلا بل يعرضها التلف الحكمي كما لو غمرتها المياه أو انقطع عنها الماء فلا يمكن الانتفاع بها أو صارت سباخا لا تصلح للزرع و أمثال ذلك و هذا لا يفرده عن غيره من الأعيان التالفة حكما بل الحكم في الجميع واحد و هو الرجوع عند التلف الحكمي إلى المثل أو القيمة و الغالب في الأراضي أنها قيمية كالحيوان،،، فالعقار كغيره يجري فيه الغصب و تلحقه احكامه و لكن حكى بعض الشراح عن الشيخين و أحسبه يعني أبا حنيفة و أبا يوسف عدم جريان الغصب فيه و صار عندهم من القواعد المقررة- ان العقار لا يغصب لانه لا ينقل و لا يحول من مكانه فلا تزال اليد فيه كالأعيان التي تؤخذ من صاحبها بفعل يحدثه الفاعل في العين اما العقارات فتؤخذ من صاحبها يفعل يحدثه الفاعل في الملك الى ان قال: لذلك إذا أبعد رجل آخر من داره أو منعه من دخولها و تلفت لا يضمن و كان (المجلة) جرت على ذلك بقولها: و إذا طرأ على قيمة ذلك العقار نقصان بصنع الغاصب و فعله يضمن قيمته، فان التقييد بفعل الغاصب إشارة الى ان

ص: 136

الضمان ضمان إتلاف لا ضمان يد و غصب فلو تلفت تلفا سماويا لم يضمن و لا أظن أن وهن هذا الكلام يخفى على ذي مسكة، و ليت شعري من الذي اشترط في حقيقة الغاصب النقل و التحويل و هل الغصب الا الاستيلاء كما قلنا أو أخذ مال الغير و ضبطه بدون اذنه كما ذكرته المجلة في صدر كتاب الغصب و أي أخذ أقوى من الاستيلاء على ارض الغير و منع المالك من التصرف فيها، و بالجملة فهذا القول اعني عدم ضمان العقار بالتلف ثقل لا عصارة له و شبح لا روح فيه و خالفهم في ذلك الشافعي و الشيباني و صارا الى ما هو الحق عندنا من التحقيق و الغريب ان القائلين بأن العقار لا يغصب اي لا يضمن استثنوا من ذلك موارد منها عقار الوقف و عقار اليتيم و العقار المستعد للاستغلال و كل هذه الأمور المستثنى و المستثنى منه أحكام كيفية ما انزل اللّٰه بها من سلطان و لا تستند الى دليل فان كان العقار لا يتحقق فيه الغصب بطبيعته و لا يتعلق به ضمان اليد فما معنى استثناء هذه الأمور و لما ذا يجب الضمان فيها دون غيرها فانظر و أعجب،،، ثم انهم ذكروا في ثمرة الخلاف في الضمان و عدمه أمرين زوائد المغصوب فإنها مضمونة عند الشافعي و غير مضمونة عند الحنفي،، و ما لو باع الغاصب الدار ثم أقر بأنها غصب و لم يتمكن المغصوب منه المقر له من اقامة البينة على انها له لا يضمن الغاصب المقر شيئا و لا يؤخذ بإقراره.

و هذا لو تم فليس هو من جهة ان العقار لا يغصب و لكن من جهة ان الإقرار بعد البيع يشبه ان يكون إقرارا في حق الغير أو في مال الغير

ص: 137

فيلغو و يحتاج إلى البينة.

(اما قول المجلة) و ان كان القلع مضرا ضررا فاحشا فللمغصوب منه ان يعطي قيمة مستحق القلع و يضبطه، ففيه ان فاحش الضرر ليس له هنا اثر فان المغصوب منعه يجوز له دفع قيمة الغرس أو البناء سواء كان في قلعها ضرر أم لا و سواء كان الضرر فاحشا أو غير فاحش و لكن برضا الغاصب فان تراضيا فهو و الا فلا حق لأحدهما أن يجبر الآخر على أخذ القيمة عن ماله فتدبره، و حيث اتضح ان سبب الضمان في الغصب هو قاعدة اليد و هي لا تناط بعلم و لا جهل و انما أثر العلم هو الحرمة التكليفية لا غير- إذا فلا وجه لقول المجلة هنا: و لكن لو كانت- الأشجار و البناء أزيد من قيمة الأرض إلى الآخر .. فان زعم السبب الشرعي و تخيل ان الأرض له أو لمورثه لا يغير الحكم الواقعي،،، و الأحكام الوصفية ثابتة في عامة الأحوال فلو قطع إنسان بأن هذا الثوب ملكه فلبسه حتى أبلاه ثم ظهر انه لغيره ضمنه كما لو كان عالما و لو بنى في عرصة الغير أو غرس غرسا يلزم عليه قلعه و تسليم العرصة لصاحبها خالية كما كانت سواء كان الغرس أزيد من قيمة الأرض أو أقل الا ان يتراضيا اما التزام الباني غاصبا كان أو مشتبها اي عالما كان أو جاهلا لصاحب الأرض بأخذ القيمة فهو حكم جزافي و مخالف لعامة الأصول و القواعد أيضا و لا مجال هنا لقاعدة الضرر لانه هو الذي أضر نفسه و لو بجهله بل لو استوجب القلع نقصا في قيمة الأرض لزمه التدارك لصاحب الأرض كما نبهت المجلة عليه في مادة (907) لو غصب أحد عرصة آخر ..

ص: 138

اما قولها و كذلك لو زرع أحد مستقلا العرصة فحق التعبير لفظا و معنى ان تقول لو زرع الشريك الأرض المشتركة بدون اذن شريكه فالزرع للزارع و يضمن لشريكه أجرة الأرض مع قيمة نقصانها لو نقصت، و لا يختلف الحال بين كون الشريك حاضرا أو غائبا و سواء أخذ حصته من الأرض بالقسمة أو بقيت مشاعة و جميع تلك القيود مستدركة- مادة (908) إذا كرب أحد،،، تقدم ان كل عمل يعمله الغاصب في العين المغصوبة فإن نقصت به قيمة العين ضمن النقيصة و الا فلا له و لا عليه سواء زادت القيمة أم لا مادة [909] واضحة.

الفصل الثالث في (بيان حكم غاصب الغاصب)

مادة (910) غاصب الغاصب حكمه حكم الغاصب.

هذا باب توارد الأيادي على العين الواحدة و من المتفق عليه كما لعله سبق ان المالك مخير في الرجوع على أيهم شاء و لكن لو رجع على من تلفت العين في يده لم يكن له رجوع على غيره ممن وقعت العين في

ص: 139

يده اما لو رجع على غيره منهم كان له الرجوع على الذي تلفت عنده لان قرار الضمان عليه، و من احكام توارد الأيادي انه ليس لمن أخذ العين من الغاصب ان يردها عليه و لو ردها عليه فعل حراما و لم يبرأ من الضمان بل للمالك ان يرجع عليه و يطالبه بها غايته ان له حق الرجوع على الغاصب الذي دفع له العين و لو تلفت كان للمالك الرجوع عليه و على غيره مخيرا بينهم و قرار الضمان على من كان التلف عنده و من هنا ظهر عدم صحة مادة (911) إذا رد غاصب الغاصب المال المغصوب الى الغاصب الأول يبرأ وحده و إذا رده الى المغصوب منه يبرأ هو و الأول.

فإنه إذا ردها الى الغاصب الأول لا يبرأ هو و لا الغاصب الأول بل يلزمه ردها الى المالك أو وكيله و الا فإلى حاكم الشرع بعد تعذر ذلك

ص: 140

الباب الثاني في (بيان الإتلاف

اشارة

و يحتوي على أربعة فصول)

الفصل الأول في (مباشرة الإتلاف)

مادة (912) إذا أتلف أحد مال غيره الذي هو في يده أو في يد أمينه قصدا أو من غير قصد يضمن.

عرفت فيما سبق ان أسباب الضمان اعني كون مال شخص في عهده آخر- كثيرة (أولها) و أقواها وضع اليد على مال الغير اي الاستيلاء عليه بغير اذن الشارع و لا المالك و الغصب أحد فروع اليد (و الثاني) من أسباب الضمان الإتلاف اي إتلاف شخص مال غيره بغير اذنه و هذا القيد كان يلزم على المجلة ذكره اما قيد (الذي في يده أو في يد أمينه) فهو مستدرك بل يلزم حذفه فإن إتلاف مال الغير

ص: 141

سواء كان في يده اي يد الغير أو في يد أمينه أو لم يكن في يد أحدهما أو لا يد عليه لأحد كالضايع أو في يد الغاصب كل ذلك مضمون على المتلف إلا إذا أتلف بإذن المالك و من هنا يتضح لك ان النسبة بين اليد الموجبة للضمان و الإتلاف الموجب له عموم من وجه يجتمعان في الغاصب إذا أتلف و تنفك اليد عن الإتلاف في التلف السماوي و ينفك عنها فيما لو أتلف مال الغير و هو في يده أو في يد آخر غصبا أو غير غصب فالمتلف ضامن و عليه قرار الضمان و ان كان المال في يد الغاصب.

ثم ان الإتلاف عند الفقهاء نوعان مباشرة و تسبيب فالأول كأكل الطعام و الثاني كحفر البئر و لكن يظهر بأدنى تأمل ان جميع أنواع الإتلاف تسبيب غايته ان السبب تارة قريب فيسمى مباشرة كالمثال الأول، و بعيد فيسمى تسبيب كالثاني و على كل حال فالجميع موجب للضمان و الملاك صحة إسناد الإتلاف إليه عرفا و لذا قالوا ان المباشر أقوى من السبب إلا في مواضع فان السبب يكون أقوى و ذلك لضعف اسناد الفعل الى المباشر و قوة إسناده إلى السبب فالأمر يدور مدار صحة الاسناد و قوته و من الأصول المقررة في الإتلاف عدم الفرق بين القصد و عدم القصد و العلم و الجهل و البلوغ و عدم البلوغ و العقل و الجنون كما هو شأن عامة الأحكام الوضعية كل ذلك لعموم الدليل و هو (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) سواء كانت قاعدة فقهية أو حديثا نبويا نعم يعتبر عدم الإكراه فلو كان مكرها لم يكن

ص: 142

عليه ضمان بل الضمان على المكره بالكسر لأن السبب هنا أقوى من المباشر و مثله الصبي الغير المميز لو أمره الكبير فان الصغير حينئذ كالآلة لا ضمان عليه و السبب أقوى و عليه الضمان،،، و مما يتفرع على الضمان مع عدم القصد و العمد ما ذكرته المجلة (913) إذا زلق أحد و سقط على مال آخر و أتلفه يضمن و مادة «914» إذا أتلف مال غيره،،، و من قبيل العمد- مادة «915» أما قولها: و لو تشبث بها و انشقت بجر صاحبها ضمن نصف القيمة.

يمكن منعه ضرورة ان السبب هنا أقوى من المباشر و في الحقيقة ان تمام السبب هو التشبث و لولاه لما حصل الجر الموجب للشق و كذلك بل أوضح منه ما لو جلس أحد على أذيال ثياب و نهض صاحبها، فان عدم علم صاحبها بجلوس الآخر يسقط نسبة الفعل اليه و يصحح نسبة الفعل تماما الى الجالس على الثياب أما الذي نهض و هو لا يعلم فهو في هذا المقام كالآلة الصماء و هو من أظهر فروع قاعدة السبب أقوى من المباشر فما وجه سقوط نصف القيمة عنه و التلف مستند اليه تماما.

مادة «916» إذا أتلف صبي مال غيره.

واضحة كوضوح مادة «917» لو اطرأ أحد على مال غيره كالحانوت و الخان.

مادة (918) إذا هدم أحد عقار غيره بدون حق فصاحبه مخير ان شاء ترك،،،

يمكن الخدشة فيها فان ذلك الهدم ان كان بحيث يعد في نظر العرف تلفا و إتلافا للحانوت أو الخان فاللازم المثل

ص: 143

أو القيمة و ان كان نقصا تعين أخذ الأرش و لا وجه للتخيير نعم لا إشكال في صحة قول المجلة: و لكن إذا نبأه الغاصب كالأول فيبرأ من الضمان

مادة (919) لو هدم أحد دارا بلا إذن لأجل وقوع حريق في المحلة

و انقطع هناك الحريق فان كان الهادم هدمها بأمر اولي الأمر لا يلزم الضمان و الا لزم الضمان، هذا من موارد قاعدة وجوب دفع الأشد بالأخف التي مر ذكرها في القواعد العامة في الجزء الأول فإن هدم الدار التي نشأ فيها الحريق خوف السراية إلى دور اخرى واجب كفائي على كل من شاهد النار و بالأخص على أهل الدار التي فيها الحريق فان لم يفعلوا فعلى الدور الأخرى و إذا هدمها أولئك لدفع الضرر عنهم لانه ضرر أعظم من ضرر صاحب الدار- لا ضمان عليهم لأن إتلافها للدار كان بإذن شرعي، و يمكن المناقشة بأن القدر المتيقن انهم مأذونون بالهدم اما ان الاذن بغير ضمان فغير معلوم فلعله من قبيل أكل مال الغير عند المخمصة فإن الجائع الذي يخاف على نفسه التلف مأذون بالأكل و لكن مع دفع القيمة إلى المالك فلما ذا لا يكون الحال هنا من هذا القبيل بل قاعدة احترام مال المسلم تقتضي ذلك اللهم الا ان يقال انه هنا هو في معرض التلف فلا حرمة له أو ان المتلف هنا محسن (و مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) و المسألة محتاجة إلى تأمل فليتأمل.

مادة (920) لو قطع أحد الاثمار التي في روضة غيره.

فيها من الكلام نظير ما مر في مادة «918»، مادة «921» واضحة

ص: 144

الفصل الثاني في (بيان الإتلاف تسبيبا)

مادة «922» و هذا أيضا واضح و ان نسب الى بعض فقهاء الجمهور انه لا يضمن بمجرد فتح الباب

إلا إذا صاح بالدابة لتخرج أو صقر للطائر كي يطير و هو متجه إذا كان من شأنها و عادتها ان لا تخرج الا بذلك و انها يفتح الباب لا تخرج و لو اجتمع السببان يضمن باقواهما فلو فتح الباب رجل و حل قيد الدابة آخر فشردت يضمن فاتح الباب لأن بحل القيد مع بقاء الباب مغلقا لا تستطيع الدابة الفرار كذا قيل و هذا يختلف أيضا فقد يتفق ان حل القيد أقوى في تحقيق فرارها كما لو كان طائرا و فتح القفص أو كانت دابة قوية فتكسر الباب بعد حل القيد فليس هنا قاعدة كلية بل المرجع الى الخصوصيات المقامية بنظر العرف و حكم الحاكم.

مادة «923» لو جفلت دابة أحد.

قد يظن ان مستند هذا كون القصد و العمدية شرطا في الضمان بالسبب فلو حصل التلف بغير قصد من المسبب لم يلزم الضمان فلو حلفت الدابة بمرور شخص من غير قصد لم يضمن و لو قصد بمروره ان تجفل

ص: 145

أو صاح بها فاجفلها ضمن، و هذا اعني اعتبار القصد غير مطرد ففي كثير من الموارد يحكمون بضمان السبب و ان لم يكن هناك قصد كما في مادة (924) يشترط التعدي في كون التسبب موجبا للضمان على ما ذكر آنفا يعنى ضمان المسبب في الضرر مشروط بعمله فعلا مفضيا الى ذلك الضرر بغير حق مثلا لو حفر أحد في الطريق العام بئرا بلا إذن اولي الأمر و سقطت فيه دابة لآخر و تلفت يضمن و اما لو سقطت الدابة في بئر كان قد حفره في ملكه و تلفت لا يضمن.

فان وقوع الدابة لم يكن مقصود الحافر في الصورة الأولى قطعا و مع ذلك يحكمون بضمانه و أوضح منه ما سيأتي في مادة (926) من وقوع الحمل من ظهر الحمال على مال الغير فيتلفه فقد حكمت المجلة بالضمان و هو غير قاصد قطعا و غير مباشر ضرورة فالمدار ما ذكرناه من مراجعة الحاكم في القضايا الشخصية فيرجع فيها الى العرف و الذوق و الوجدان و يستنبط حكمها من الأدلة و هذه الموارد من الأمور الصعبة جدا و من مزالق الافهام لا الأقدام، و من هنا صار منصب القضاء و الحكم من أهم المناصب و القاضي على شفا- أيما إلى جنة أيما إلى نار، و من قضى فقد ذبح بغير سكين- بالبناء للفاعل أو المفعول- نسأله تعالى السداد و ان يمدنا بلطف منه و توفيق،، نعم لا إشكال في ان العمل الذي يترتب عليه تلف مال الغير إذا كان مشروعا و لا تعدي فيه و لم يقصد به الإتلاف لا يكون موجبا للضمان فلو هدم إنسان جدار داره فانهدم جدار الجار لا يضمن لانه فعل مشروع لم يقصد به الإتلاف، و كذا إذا أوقد شخص في سطح داره

ص: 146

نارا و لكن بقدر المعتاد فاتفق أن أطارت الريح شرارة الى الحار فأحرقت شيئا منه لا يضمن نعم لو كان زائدا على المتعارف فهو ضامن و ان لم يقصده و هذا مما يدل على عدم اعتبار القصد في الضمان و بهذا الملاك قضية ضمان الحمال فإنه فعل مشروع و لم يقصد به الإتلاف قطعا و مع ذلك فقد حكموا عليه بالضمان كما سيأتي.

مادة «925» لو فعل أحد فعلا يكون سببا،،

و هذا واضح فإن الأصل في المباشر ان يكون أقوى من السبب و اليه يسند الفعل و عليه يكون الضمان و لذا لو أمر إنسان غيره بقتل شخص فقتله فالدية أو القصاص على القاتل لا على الآمر و ان كان لم يقتله الا امتثالا لذلك الآمر، نعم يتفق كثيرا ان كون السبب أقوى من المباشر و لكن الأصل و الأكثر هو العكس.

الفصل الثالث (فيما يحدث في الطريق العام)

اشارة

الطريق العام هو الجادة التي يسكنها الناس جميعا من غير اختصاص سواء كانت في الصحاري و المفاوز أو في المدن و القرى أو في الغياض و الغابات أو في الجبال و المغارات فتخصيص بعضهم لها بطرق المدن

ص: 147

و القرى لا وجه له.

مادة «926» لكل أحد حق المرور من الطريق لكن بشرط السلامة

يعني مقيد بشرط ان لا يضر غيره بالحالات التي يمكن التحرز منها، بناء عليه إذا سقط الذي على الحمال و أتلف مال أحد يكون ضامنا و كذا إذا أحرقت ثياب أحد مار في الطريق الشرارة التي طارت من دكان الحداد حين ضربه يضمن الحداد ثياب المار، في هذه المادة مواقع للبحث و النظر اما «أولا» فإن حرمة إضرار الغير بالحالات التي يمكن التحرز منها حكم عام في الطريق العام و في غيره فلا محل لإقحامه هنا «و ثانيا» على فرض اختصاصه هنا فهو حكم تكليفي محض لا اثر له في الضمان و عدمه كما لا اثر له في حق المرور و عدمه يعنى ليس حق المرور مشروطا بالسلامة بحيث لو أضر لم يكن له حق المرور بل حق المرور ثابت لكل أحد على كل حال و لكن يحرم عليه ان يضر غيره و اما «ثالثا» و هو أشدها نقدا، و أسدها ردا، عدم صحة التفريع المزبور بمعنى ان حرمة الإضرار للغير لا يتفرع عليه قضية ضمان الحمال فان ضمانه يتفرع و يبتنى على كونه مباشرا للتلف أو مسببا لا ان مروره مشروط بالسلامة و عدمها، و اما «رابعا» فقد عرفت ان هذا يوشك ان يكون تهافتا في أحكام المجلة فقد مر في مادة «923» ما يدل على اعتبار القصد و العمد في ضمان التسبيب حتى صرح بعض بان المسبب لا يضمن إلا إذا كان متعمدا و حينئذ فأي وجه لضمان الحمال هنا مع وضوح كونه غير متعمد و لا قاصد كما سبق بيانه و كذا إذا أحرقت شرارة دكان الحداد فان اللازم عدم ضمانه بل عدم الضمان هنا أوضح فان الحداد جالس

ص: 148

في دكانه و في ملكه و مشغول بمهنته و طيران الشرر من لوازم صنعته فالواجب على المار ان يتحرز لا على الحداد ان يكتنز.

مادة «927» فذلكة التحقيق في هذا المقام ان ظاهر الفقهاء و لعله من الفريقين كما تشعر به هذه المادة بناؤهم ان التصرف المشروع

اما لكونه تصرفا في ملكه أو لأنه مأذون من الشارع أو المالك إذا أوجب ضررا فأتلف مال غيره لا يكون ضامنا و لذا جعلوا البيع و الشراء أو وضع شي ء بإذن ولي الأمر في الطريق العام إذا أوجب الضرر و الخسار لا يضمن و بدون الاذن يضمن،،، و قد مرت الإشارة أو التصريح منا بان ملاك الضمان و عدمه ليس مشروعية التصرف و عدمها و انما المدار فيه على صحة إسناد الضرر و التلف إليه مباشرة أو تسبيبا أو عدمه الا ترى ان من أجج في سطح داره نارا فان كان بمقدار الحاجة و على المتعارف كما هم ذكروا لم يضمن إذا أحرقت شيئا في دار جاره و ان كان زائدا على المتعارف كان ضامنا مع ان كلا منهما جائز شرعا لصاحب الدار و الناس مسلطون على أموالهم و لكن وجه الفرق بينهما انه في الأول لا يعد عند العرف متلفا اى لا يسند التلف إليه مباشرة و لا تسبيبا بخلاف الثاني فإنه يعد لتجاوزه عن قدر الحاجة هو المسبب للتلف و ان لم يكن قاصدا و لك ان تناقش في ذلك فتقول بعدم الفرق بينهما و تحكم بالضمان فيهما أو عدم الضمان و لكن لو قلنا بالفرق فليس هو الا ما ذكر، لا قضية الجواز و عدمه فتدبره في الأمثلة و النظائر جيدا فإنه باب واسع كثير الفروع اما ما ذكرته المجلة بقولها: بناء عليه لو وضع أحد في الطريق

ص: 149

العام حجارة.

فهي مسألة اخرى يتعرض لها فقهاؤنا في باب المشتركات العامة من كتاب «احياء الموات» و هي جواز وضع شي ء في الطرق العامة و الموضوع نوعان نوع ثابت كالاجنحة و الرواشن و النوافذ و الأبواب و نحوها و قد أجازه أرباب المذاهب و أصحابنا بجميع أنواعه حتى الرواشن المستوعبة عرض الطريق المسماة باللغة الدارجة «سوابيط» و ليس للطرف المقابل المنع و لكن الجميع مشروط بعدم الإضرار أو المزاحمة للمارة فكأنه عندهم على الإباحة الأصلية فأجازوا كل تصرف لا يضر بالمرور و الاستطراق الذي هو حق الجميع، هذا في الطرق النافذة أما المرفوعة فلها احكام أخرى مذكورة في محلها و اما غير الثابتة بجميع أنواعها أيضا من حجارة أو تراب أو غيره فقد أجازوه أيضا بذلك الشرط على تفاصيل مذكورة في محلها أيضا و على الجواز فاللازم بناء على ان التصرف الجائز لا يوجب الضمان عدم الضمان هنا و دعوى انه مشروط بعدم الإضرار بالمارة مدفوعة بأن المراد بعدم الإضرار نوعا لا اتفاقا فليتدبر، و بان الإضرار كما عرفت حرام تكليفي و حكم مستقل بنفسه لا دخل له بجواز التصرف و عدمه فان كل إنسان له حق المرور في الطرق العامة و يجب عليه ان لا يضر الناس في الطرق و في غيرها.

«و الخلاصة» ان مشروعية التصرف لا ترفع ضمان الضرر الحاصل من التصرف إذا استند الضرر اليه عرفا ضرورة ان الاذن بالتصرف ليس معناه الاذن بالإضرار نعم ان لم يسند الضرر اليه فلا ضمان و على هذا

ص: 150

يبتنى ما ذكرته «المجلة».

في مادة (928) لو سقط حائط و أورث غيره ضررا لا يلزم الضمان

و لكن مائلا إلى الانهدام الى آخرها،،، فان وجه الضمان في الأول دون الثاني هو صحة إسناد الضرر اليه من جهة تماهله بعد التنبيه و عدم صحة الإسناد اليه مع الغفلة و عدم التنبيه فليتدبر.

و يكفي في التنبيه و التقدم حصوله من كل أحد سواء من الجار الذي خشي الضرر أو من غيره و لا وجه لقول «المجلة» و لكن يشترط ان المنبه من أصحاب التقدم و التنبيه فان المدار ان يحصل له العلم و الإنذار كي تنقطع الحجة و المعذرة بالجهل و هو واضح.

الفصل الرابع في (جنابة الحيوان)

اشارة

من المعلوم ان الحيوان من حيث ذاته لا ضمان عليه و لا يتعلق به اي حكم من الاحكام فان كان هناك ضمان أو حكم فعلى الإنسان الذي يناط به الحيوان بأحد الملابسات بان يكون مالكا له أو قائدا أو سائقا أو راكبا

ص: 151

و ان لم يكن مالكا و كل ذلك مبنى على الأصل الذي ذكرناه من قضية صحة النسبة و الاسناد كما أشارت إليه المجلة.

مادة «929» الضرر الذي أحدثه الحيوان بنفسه لا يضمنه صاحبه،،،

و لعل اليه نظر النبوي المشهور «جرح العجماء جبار» فالحيوان إذا كان صاحبه معه و أحدث ضررا كان صاحبه ضامنا و نعني بالصاحب الأعم من مالكه أو مستأجره أو مستعيره أو غير ذلك بل و حتى غاصبه فان صاحبه إذا كان معه و أهمل رعايته و لم يكبح جماحه استند الضرر اليه فلزمه الضمان كما نصت عليه «المجلة» بقولها و لو استهلك حيوان مال أحد إلى الآخر.

و كان المراد باستهلاك الدابة ما لو أكلت طعام الغير و نحو ذلك و هذا أحد مصاديق الكلي و لا خصوصية له فلو أضرت بمال الغير و لم يمنعها صاحبها و هو معها ضمن سواء استهلكت المال أم لا و ينبغي ان يحمل مادة (930) لا يضمن صاحب الدابة التي أضرت بيديها أو ذيلها أو رجلها حال كونها في ملكه راكبا كان أو لم يكن.

على ما إذا لم يكن عالما أو لم يكن قادرا و الا فلا وجه له لما في مادة «931» إذا أدخل أحد دابته في ملك غيره باذنه لا يضمن جنايتها لما عرفت قريبا من ان الاذن بالتصرف ليس اذنا بالضرر فإذا دخل بدابته و أضرت بصاحب الدار و استند الضرر إلى إهماله ضمن سواء دخل بإذن أم بغير اذن بل لو كانت الدابة في ملكه و أضرت بالغير من جهة إهماله ضمن بل و كذا لو انفلتت دابته و أضرت فإن كان بإهماله

ص: 152

و تقصيره ضمن و ان لم يكن انفلاتها بتقصيره فلا ضمان هكذا ينبغي بل يجب تحقيق المسائل و تحليلها و من هذا ينكشف أيضا

مادة «932» لكل أحد حق المرور في الطريق العام مع حيوانه بناء عليه،،،

فان كل أحد و ان كان له حق المرور و لكن ليس حق الإضرار و الخسار فيجب عليه التحرز حسب الإمكان بان لا يسوقها بعنف يوجب انتشار الطين و الغبار، فان تسامح في ذلك فلوثت ثياب العابرين كان ضامنا كما يضمن الضرر و الخسار الذي يقع من مصادمتها أو لطمه يدها في جميع الصور المذكورة أولا و آخرا لا فرق بين بعض و بعض فتدبره جيدا، نعم ما هو خارج عن قدرته أو عن علمه يعذر فيه.

مادة «933» بل هما اقدر على التحفظ من الراكب

فهما اولى من الراكب بالضمان لو تسامحا في التحرز.

مادة «934» ليس لأحد حق توقيف دابة أو ربطها في الطريق العام.

هذا على إطلاقه ممنوع بل له ان يوقفها أو يربطها إذا كان الطريق واسعا كما في شوارع أكثر المدن في هذه الأعصار «و بالمجلة» انما لا يجوز له ان يوقفها أو يربطها في الطريق إذا كان فيه مزاحمة للعابرين اما إذا أمن من المزاحمة فلا مانع شرعا بل و عرفا فلو تعرضها أحد و أخذته و أتلفت عليه شيئا فلا ضمان على صاحبها لانه هو الجاني على نفسه.

مادة «935» من سبب دابته في الطريق العام يضمن الضرر الذي أحدثته.

ص: 153

و وجهه واضح لانه يكون هو السبب بتفريطه في حفظها، و لا يبعد ان يلحق به من سيب ولده أو عبده و لا سيما إذا كانا مجنونين أو ضعيفي العقل لا يؤمن شرهما، و بهذا الملاك يضمن الراكب كما في مادة (936) لو داس الحيوان الذي كان راكبه أحد على شي ء بيده أو رجله الى آخرها.

و مادة «937» لو كانت الدابة جموحا و لم يقدر الراكب على ضبطها و أضرت لا يلزم الضمان،

إذا كان الأمر في مثلهن خارج عن قدرته و اختياره اما مع استطاعة حبسها و إهماله فهو ضامن.

مادة (938) و هي واضحة كوضوح ما بعدها.

ص: 154

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

الكتاب التاسع في (الحجر و الإكراه و الشفعة

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثلاثة أبواب)

ص: 155

المقدمة في (الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالحجر)

الحجر:

لغة المنع و بهذا الاعتبار أطلق على العقل في قوله تعالى (هَلْ فِي ذٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) و أمثالها لأنه يعقل و يمنع عن ارتكاب الرذيلة و شرعا هو منع الإنسان عن التصرف لوصف فيه فيما له التصرف فيه لو لا ذلك الوصف و ذكر فقهاؤنا رضوان اللّٰه عليهم ان أسبابه «ستة» الصغر و الجنون و السفه و الرق و مرض الموت و الفلس و ذكروا لكل منها حدودا و قيودا و أحكاما و المجلة أرادت ذلك المعنى في تعريفه و قصرت عبارتها عنه في مادة (941) الحجر هو منع شخص مخصوص عن تصرفه القولي،، و من الواضح ان المحجور ممنوع عن التصرف القولي و الفعلي معا

ص: 156

فكما لا يجوز صيغة البيع منه و لا اثر لها كذلك لا يجوز ان يدفع المبيع أو ان يعطي شيئا من أمواله معاوضة أو مجانا فالتقييد بالتصرف القولي لا وجه له كما لا فائدة لقولها و يقال لذلك الشخص بعد الحجر محجور،

و مثلها مادة «943»

الإذن:

هو فك الحجر و إسقاط المنع.

ثم شرعت المجلة في تعريف بعض أسباب الحجر كالصغير و المجنون و السفيه و لو انها أو كانت تعيين مصاديق هذه المفاهيم الى العرف لكان أصح و أوضح،

أما تعريف الإكراه في مادة «948»

الإكراه:

اشارة

هو إجبار أحد على ان يعمل عملا بغير حق من دون رضاه بالإخافة، فقيد بغير حق مستدرك إذ الإكراه معنى وحداني و هو حمل الغير على عمل بغير رضاه سواء كان بحق أو بغير حق و حق التعبير ان يقال:

و يقال لمن اجبر مكره و المجنون مكره بفتح الراء و كذلك العمل مكره عليه لينتظم النسق و تنسجم الفقرات.

و في مادة (949) الإكراه على قسمين

(القسم الأول) هو الإكراه الملجئ الذي يكون بالضرب الشديد المؤدي الى إتلاف النفس (و الثاني) غير المجي ء الذي يوجب الغم و الألم فقط بالضرب و الحبس،،، خلل و اضطراب أبعده عن الصواب فإن الإكراه الملجئ هو الحمل على الفعل بغير قصد من الفاعل كما لو أوجر الماء في حلق الصائم أو أركب إنسان غيره بان رفعه فوضعه على الدابة و هكذا و القسم الثاني هو الذي يصدر الفعل بإرادة الفاعل و لكن انبعاث الإرادة و القصد وقعا دفعا للضرر و خوفا من التهديد و الوعيد بالضرب الشديد أو غيره بإتلاف نفس أو قطع

ص: 157

عضوا و أخذ مال أو هتك عرض أو حبس و نحو ذلك، و مما يوجب الغم و الألم هنا ذكر الغم و الألم الذي لا ربط لهما بالمقام أصلا فتدبره عافاك اللّٰه فالملجئ يسلب الإرادة و الرضى و غير الملجئ يسلب الرضى و طيب النفس دون الإرادة و لكن الظاهر تساويهما في أغلب الاحكام و قد يختلف نادرا ففي مثل الصوم لو أوجر في حلقه لا قضاء عليه و لا كفارة و لكن لو أكره بالإكراه الغير الملجئ كان عليه القضاء دون الكفارة اما في مثل الطلاق و البيع و سائر المعاملات فالظاهر عدم الصحة بالإكراه مطلقا، هكذا ينبغي تحقيق البحث و مثل هذا في الضعف و الخور و الوهن و الخلل.

مادة «950»

الشفعة:

هي تملك الملك المشتري بمقدار الثمن الذي اشتراه به المشتري.

و لا حاجة لهذا التعقيب فان أصح تعريف للشفعة ان يقال انها حق أخذ الشقص المبيع من المشتري بالثمن من الذي اشتراه به و الفرق بين التعريفين مثل الصبح واضح- فان التملك اثر ذلك الحق لا نفسه و الشريك له حق الشفعة و ان لم يتملك فتدبره، ثم ان درج الشفعة في مدرج الحجر و الإكراه موضع لسؤال المناسبة لوضوح التباين بينهما و بينهما فإن الشفعة حق و الحجر و الإكراه منع من التصرف في الحقوق و لعل المناسبة هي ان الشفيع يأخذ الشقص من المشتري كرها رضي أم أبي فناسب بهذا باب الإكراه و الحجر و الا فالشفعة حقيقة من شراشر البيع و شئونه و لذا لا تجري في غير البيع من عقود المعاوضات و غيرها كالصلح

ص: 158

و غيره كما سيأتي.

ثم ان من مادة (951)- إلى مادة (955)- و مادة (956) «كلها واضحة غنية عن البيان» اما الشرب الخاص فقد عرفه هنا بأنه حق شرب ماء الجاري المخصوص بالأشخاص المعدودة،، و عرفه في اخريات الكتاب بأنه هو الانهر التي تتفرق مياهها و تقسم بين الشركاء و في كلا التعريفين نقص ظاهر و الأصح في تعريفه انه الماء المملوك لشخص أو أشخاص مخصوصين في مقابل الشرب العام و هو المباح لعامة الناس الذي لا يملكه أحد بعينه.

ص: 159

الباب الأول

[الفصل الأول]

مادة (957) الصغير و المجنون و المعتوه محجورون.

الحجر نوعان نوع ذاتي يعني بحسب أصل الشرع و جعل الشارع بلا واسطة، و نوع عرضي لا يتحقق إلا بواسطة حكم الحاكم و هؤلاء الثلاثة محجور عليهم بالحجر الذاتي لنقصهم الذاتي و اي نقص أعظم من نقص العقل عافاك اللّٰه «و من النوع الثاني» السفيه كما في مادة (958) للحاكم ان يحجر على السفيه و منه أيضا المفلس كما في مادة (959) للحاكم ان يحجر على المديون بطلب الغرماء و سيأتي تفاصيل كل من النوعين اما- مادة (960) المحجورون الذين ذكروا في المواد السابقة و لم يعتبر تصرفهم القولي لكن يضمنون الى الآخر،،، فهو حكم عام لكل محجور عليه لان الضمان حكم وضعي لا تكليفي حتى يختص بالبالغ العاقل بل كل من أتلف مال غيره فهو له ضامن حتى الصبي الغير المميز غايته ان المخاطب يدفع الغرامة وليه فيغرم من مال الصبي ان كان له مال و الا فلا غرامة و سقط الحق لعدم موضوعه.

مادة (961) إذا حجر السفيه و المديون من طرف الحاكم يلزم بيان سببه للناس،

الإعلان عن الحجر عليه كي لا يعامله الناس لو احتاج الى الحكم حسن أو لازم و لكن بيان السبب غير لازم بل

ص: 160

غير حسن أيضا،

مادة «962» لا يشترط حضور من أريد حجره من طرف الحاكم و يصح حجره غيابا،،

لعل هذا عند أرباب المذاهب اما عندنا فلا يتوقف أصلا على حكم الحاكم بل كل شخص يعرف السفيه من غيره و إذا عرفه يلزمه ان لا يعامله و لو عامله كانت معاملته باطلة سواء كان قد حكم الحاكم أم لا بل لا حاجة الى حكمه أصلا و انما يلزم الحكم في خصوص المفلس كما سيأتي توضيح هذه المباحث و تحريرها

مادة «963» لا يحجر على الفاسق بمجرد سبب فسقه ما لم يبذر،،،

قد يبلغ الفسق الى السفه بل إلى أعلى مراتب السفه فان شارب الخمر فاسق و سفيه و اما إذا كان مدمنا فهو مجنون بل في أعلى مراتب السفه و الجنون و من الجدير ان لا يعامل شارب الخمر و لا يصاهر كما في كثير من الاخبار النبوية و هكذا كثير من الكبائر مثل الربا و القمار و الزنا و أخويه عافاك اللّٰه ايها المسلم من هذه الخبائث التي هي سوس الهيئة الاجتماعية التي تنخر في عظامها حتى تبلى و تتلاشى و اللّٰه ولي العصمة و التوفيق.

اما مادة (964) يحجر على بعض الأشخاص الذين تكون مضرتهم للعموم كالطبيب الجاهل

- و مادة «965» فكلاهما خارجان عن الحجر الشرعي الاصطلاحي بل هما من الحجر اللغوي أو السياسي.

ص: 161

الفصل الثاني في (المسائل المتعلقة بالصغير و المجنون و المعتوه)

مادة (966) لا تصح تصرفات الصغير غير المميز القولية،،،

عبارات الصبي الصغير المميز كالمجنون لا اثر لها أصلا لأنه لا يعرف قصد الإنشاء بها بخلاف الصبي المميز الذي يتمكن من قصد الإنشاء و لا اعرف للتقييد بالقولية وجها مع ان جميع تصرفات الغير المميز لا اثر لها.

مادة (967) يعتبر تصرف الصغير المميز إذا كان في حقه نفع محض

و ان لم يأذن به الولي و لم يجزه كقبول الهدية و الهبة.

هذا من الاستحسان الحسن عقلا بل و عرفا اما شرعا فمقتضى الأحاديث الكثيرة المشتملة على مثل قوله عليه السّلام رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ و عن المجنون حتى يفيق، عدم اعتبار جميع تصرفاته له أم عليه أم لا له و لا عليه الا ما ورد به الدليل الخاص مثل وصية من بلغ عشرا إذا كانت بالمعروف أو مطلقا و لكن يمكن تخريج وجه لما ذكرته المجلة من مجموع الأدلة الشرعية و الاعتبارات العقلية و لكن الأحسن و الأحوط اعتبار اجازة الولي و لا شك ان الولي يجيز ما فيه المصلحة للصغير و هو اعرف بالنافع له من الضار نعم و كل ما جاز للولي أن يتصرف فيه من أموال الصغير جاز له ان يأذن للصغير بمباشرته اما

ص: 162

لو باع الصغير ثم أجاز نفسه بعد بلوغه فصحته غير معلومة الا على وجه بعيد في باب الفضولي: و على تلك القاعدة يبنى.

مادة (968) للولي أن يسلم الصغير المميز مقدارا.

و مستنده قوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ) فإن التعبير بآنستم إشارة إلى كفاية العلامات و الأمارات في الحكم بالرشد و لذا يجب ان يمتحن الصغير متى تظهر عليه أمارات الرشد فتدفع إليه أمواله و بالضرورة أن معاملاته بعد بلوغه في خلال امتحان رشده تكون مراعاة بالمصلحة فما كان منها على منهاج العقلاء و أهل السداد تكون ماضية صحيحة و ما لم يكن منها على ذلك المنهاج تكون باطلة و لا يجدي اجازة الولي في صحتها و تلخص من كل ما ذكر ان اعمال الصبي الغير المميز قولا و فعلا لغو صرف مع الإجازة و الاذن و بدونهما اما المميز قبل البلوغ فاعماله كذلك قولا و فعلا مع الاذن أو الإجازة نافذة ماضية مطلقا ما لم يتبين الضرر فيها على الصبي اما بعد البلوغ قبل تبين الرشد فالصحيح منها ما ثبتت فيه المصلحة و موافقة العرف و العادة و ما لم يتبين فيه باطل حتى مع الاذن و الإجازة فافهم ذلك و اعرف وجهه بالتأمل.

مادة (969) العقود المكررة التي تدل على انه قصد منها الربح

و هي إذن بالأخذ و الإعطاء مثلا الى آخرها، صحة تصرف الصبي المميز الموقوفة على اذن الولي تتبع مقدار الاذن عموما أو خصوصا فقوله بع و اشتر اذن عام في أنواع البيع و الشراء و امره بإجراء عقد واحد اذن خاص، و لا نعرف فرقا ذا أثر عملي بين الاذن و بين التوكيل

ص: 163

و الاستخدام: و هل التوكيل و الاستخدام الا نحو من الاذن و كذلك الأمر بالبيع و الشراء أو غيرهما أيضا ليست حقيقة إلا الاذن، العبارات شتى و الطرق كثيرة و الغاية و الحقيقة واحدة و من هنا تعرف الوهن في مادة (970) لا يتقيد و لا يتخصص.

لا نعرف وجها لعدم صلاحية اذن الولي للتقييد أو التخصيص بمكان أو زمان و سيما بعد ان عرفت ان الوكالة و الاذن و ان اختلفا مفهوما و لكنهما متحدان أثرا و حكما و كل وكالة اذن و لا عكس و لا ريب بالاتفاق ان الوكالة تصلح لكل قيد فالإذن كذلك لان حكم الأمثال واحد و لا نص في البين يجوز في هذا و يمنع في ذاك.

نعم قد يعلل ذلك بان الإذن إسقاط و الاسقاط لا يصلح للتقييد و هو وهم في وهم و سبك خطأ في خطأ فلا الاذن إسقاط و لا الاسقاط لا يقبل التخصيص بل يقبله (بيان ذلك) ان الولاية نوعان نوع قهري إجباري، و آخر اختياري جعلي، فالأول كولاية الأب و الجد و الحاكم الشرعي فإنها لا تقبل الاسقاط و الثاني كولاية منصوب الحاكم الشرعي فإن له ان يسقط ولاية نفسه و يستقيل بخلاف الأول فإنه لو أسقط ولايته لا تسقط مضافا الى ان الاذن ليس إسقاطا للولاية إذ ليس إذن الأب أو الجد للصبي المميز بان يبيع أو يشتري إسقاط لولايتهما بل هو عين اعمال الولاية، و إعطاء الرخصة كإعطاء المالك الرخصة لآخر في التصرف بماله فليس معنى ذلك انه أسقط ملكيته و ولايته على ماله بإعطاء الرخصة في التصرف لغيره فكذلك إعطاء الولي الرخصة ليس معناه إسقاط الولاية

ص: 164

هذا [أولا]: و أما [ثانيا] فلو سلمنا فرضا ان الولاية إسقاط و لكن لا مانع من تقييد الاسقاط بزمان أو مكان فإن للدائن أن يطالب مدينة بحقه في كل مكان و كل زمان اما لو قال له أسقطت عنك حق المطالبة يوم الجمعة أو في شهر رمضان أو في مكة المشرفة أو المدينة المنورة لزم ذلك و لم يكن له حق المطالبة في تلك الأزمنة أو الأمكنة و هو تقييد مقيد فلا يكون لغوا فتدبره جيدا و أعرفه أصلحك اللّٰه.

مادة (971) كما يكون الإذن صراحة يكون دلالة

فلو رأى الولي، الصغير يبيع و يشتري و لم يمنعه و سكت يكون قد اذنه دلالة تقدم غير مرة ان السكوت بذاته لا يدل على شي ء و لا اثر له و انما المدار على القرائن التي تقرن به، و كان هذا غنيا عن البيان لوضوحه و تقدمه كوضوح مادة «972» للولي أن يحجر على الصغير بعد ما اذنه،،، الاعلام و التعميم وسيلة و لا يتوقف عليها الحكم و هو أمر استحساني لا ضروري فلو اذن له ثم منعه بعد ذلك صحت معاملاته الواقعة بعد الاذن و بطل الواقع منها بعد الرجوع سواء علم الولي بذلك و اعلم أم لا فتدبره.

و حيث ان المهم في باب الحجر الذاتي تعين الأولياء، تعرضت المجلة لبيانهم في مادة «974» ولي الصغير في هذا الباب أولا أبوه ثانيا الوصي إلى الآخر،،، و هذا كله مع انه تطويل بلا فائدة غير واف بجميع أنواع الأولياء و الضابطة الجامعة مع اختصارها هي ان أولياء الصبي أبوه و جده في رتبة واحدة و من سبق تصرفه كان هو النافذ و بطل

ص: 165

الثاني و لو اقترنا مع التنافي بطلا و من بعدهما منصوبهما أو منصوب أحدهما و لا ولاية لأحد غير هؤلاء من قريب أو بعيد الا الحاكم الشرعي أو منصوبه مع فقد أولئك أو عدم أهليتهم بقصور أو خيانة و لعل الى هذا أشارت مادة «975» للحاكم ان يأذن للصغير المميز عند امتناع الولي،،، و قد يؤدي هذا الى الخلاف بين الولي و الحاكم فالولي يمنع لانه لا يرى المصلحة و الحاكم يأذن لانه يراه صالحا فيكون المتبع رأي الحاكم على تأمل و ان جزم به أصحاب المجلة.

مادة (976) إذا توفي الولي الذي جعل الصبي مأذونا فيبطل اذنه

فان الاذن و الإباحة يبطلان بموت الآذن و المبيح كما تبطل الوكالة بموت الموكل لأن الجميع اذن و من خصوصيات الإذن اللازمة له لذاته زواله بزوال الآذن حاكما كان أو غيره فالتفكيك بين الحاكم و غيره كما في المجلة لا وجه له أصلا نعم لو نصب الحاكم وليا على قصير أو جعل متوليا على وقف و مات الحاكم فإن الولاية لا تبطل بموته و الفرق بين الاذن و الولاية ظاهر بأدنى تأمل،،، ثم انك عرفت من فحاوي كلماتنا المتتابعة في هذا المجال ان أصل الولاية على الصغير انما هي لأبيه و جده و بعد فقدهما أو عدم أهليتهما تعود للحاكم و عليه فلو اذن الحاكم للصغير مع وجود أبيه أو جده و وجود المسوغ الشرعي لهذا الاذن ثم مات الحاكم فلا ريب ان الولاية للأب و الجد على خالها لا تزول و لم تزل انما عطلها في المورد الخاص معارضة الحاكم و قد زالت بموته فتعود ولايتهما كما كانت على القاعدة المعروفة إذا زال المانع عاد الممنوع و عليه فلا وجه لما في

ص: 166

مادة (977) للحاكم ان يحجر الصغير الذي اذنه و ليس لأبيه إلى الآخر.

مادة (978) المعتوه في حكم الصبي المميز.

بل الأكثر في المعتوهين انهم كالصبي الغير المميز و ليس لهذا ضابطة كلية و المعتوهون مختلفون و إرجاع التعيين الى العرف أو الى حاكم الشرع اولى نعم لا إشكال بأن المجنون المطبق بحكم غير المميز كما في مادة (979) كما لا إشكال في مادة «980»- اما مادة «981» فقد تقدم في مادة «968» ما يغني عنها و عن مادة [982] إذا بلغ الصبي غير الرشيد لم تدفع إليه أمواله ما لم يتحقق رشده.

و لازم عدم جواز الدفع ضمانه لو تلف المال في يد الصبي الذي لم يبلغ الرشد كما في مادة «983»- و مادة «984» و حق المادتين ان يجمعا في مادة واحدة فيقال: ولي الصغير لو دفع له المال قبل ثبوت رشده أو قبل بلوغه فان كان المال موجودا انتزعه منه للحجر عليه و ان كان تالفا كان ضامنا و حيث كان من المعلوم اعتبار البلوغ و الرشد في زوال الحجر عن الصبي و الرشد يعرف بالاختبار و الامتحان في معاملاته كما مر (اما البلوغ) فيعرف بعلامات، بعضها طبيعية ذاتية و بعضها جعلية شرعية أما الطبيعية فهي الاحتلام في الذكر بل و الأنثى ان تحقق فهو علامة لها أيضا و كذا الإنبات اي نبات الشعر على العانة و لم تذكره المجلة، و الحيض في الإناث و الحبل و هي علامة مسبوقة غالبا بالحيض كما ان الحيض مسبوق بالإثبات غالبا، و اما الشرعية فهي

ص: 167

إكمال الخمسة عشر في الذكور، و التسع في الإناث و كلها علامات لشي ء واحد و هو النضج و الكمال و بلوغ حد الرجولية التي أثرها التوالد و التناسل و صلاحية الرجل فعلا للإحبال و الأنثى إن تحبل و تلك كواشف عن تلك الحقيقة و المرتبة و لكن لو كمل الذكر خمسة عشر حكم عليه بالبلوغ شرعا بلغ تلك المرتبة أم لا و كذا الأنثى بالتسع نعم لو علم بلوغ مرتبة الرجولية في من بلغ سنة الاثنى عشر أو أقل أو أكثر دون الخمسة عشر يحكم عليه بالبلوغ و يترتب عليه آثار البالغ إذا فهي علامة حيث لا علامة قبلها اما مع العلم و الظن المعتبر فله حكمه و مع الشاك فالخمسة عشر و التسع و الى هذا أشارت مادة «985» و مادة «986» و لكن مما ذكرنا يظهر لك انه لا محصل لقوله في هذه المادة و إذا أكمل الرجل اثنتي عشرة و لم يلغ إلخ.

فإن بلوغ التسع و إكمالها هو البلوغ شرعا فأي معنى لقولهم أكملت تسعا و لم تبلغ نعم المراهق هو المقارب لسن البلوغ كالثمان للصبية و الاثنى عشر للصبي أو أول الخمسة عشر.

مادة (987) من أدرك سن البلوغ و لم تظهر فيه آثار البلوغ يعد بالغا حكما،،،

هذا هو البلوغ الشرعي و هو البلوغ بالسن المخصوص تعبدا و تجري عليه احكام البالغ.

مادة «988» الصبي الذي لم يدرك سن البلوغ إذا ادعاه لا تقبل دعواه،،،

اعترافات الصبي الذي لم يثبت بلوغه كلها لاغية و هذا منها فالدعوى لا تثبت نفسها بل تثبت باماراتها.

ص: 168

مادة (989) إذا أقر المراهق أو المراهق في حضور الحاكم ببلوغه فإن كذبه ظاهر الحال إلخ.

قد عرفت ان دعوى البلوغ لا تثبت بمجرد الاعتراف بل لا بد من اعتبار الأمارات و بمجرد ادعائه انه بالغ لا يترتب عليه اثر له أو عليه فان حصلت احدى الأمارات المتقدمة الشرعية أو الطبيعية فالعمل عليها أقر أو أنكر و ان لم تحصل هي و لا حصل العلم من أمارات أخرى بل حصل الظن أو الشك فلا عبرة بهما بل المرجع الى استصحاب عدم البلوغ و إقراره مع الشك لا اثر له أصلا مراهقا كان أو غير مراهق و الخلاصة ان القرائن ان كانت منصوصة أو مخصوصة و هي ما ذكرناه فالعمل عليها حتى مع الشك يتعين و ان لم يكن فلا عبرة بها و لو أفادت الظن بل المعول على الاستصحاب فتدبره، و للّٰه المنة.

الفصل الثالث في (السفيه و المحجور)

مادة «990» السفيه المحجور هو في المعاملات كالصغير المميز الى الآخر.

هذا هو القسم الرابع من أقسام المحجور عليهم و يقع الكلام في

ص: 169

تشخيص موضوعه (أولا) ثم بيان احكامه (ثانيا) «اما الأول» فإن السفه ضد الرشد و السفيه يقابل الرشيد و حيث ان الرشد هو ملكه نفسانية تمنع من إفساد المال و صرفه في غير الوجوه المطابقة لأفعال العقلاء فالسفيه بخلافه- مثلا من يبيع ماله بأقل من ثمن المثل و يشتري بأكثر من ثمن المثل فهو سفيه و من اتفق أكثر أمواله في الخمر غالبا و الملاهي أو شطرا من أمواله فيها فهو سفيه و من يبيع ما يحتاجه فيصرفه فيما لا يحتاجه مما يسمونه بالكماليات فهو سفيه و هكذا أملاكه و تعيين مصاديقه موكول الى عرف العقلاء و هو يختلف باختلاف أنواع الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة و الظروف حتى ان من ينفق أكثر أمواله في الخيرات و المبرات زائدا على ما يليق بشأنه فضلا عما إذا كان مجحفا بعياله قد يعد عند العقلاء سفيها (اما الثاني) فمعاملاته المالية باطلة مطلقا حتى ما يوافق فيها طريقة العقلاء و الأصل في ذلك قوله تعالى (وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ) بناء على ما هو الظاهر من ان المراد لا تعطوا أموالكم معاوضة عن أموالهم و ان كان بقية الآية قد تشعر بخلاف ذلك و لكن الاخبار فيه كثيرة و هذا النهي وضعي يقتضي فساد المعاملة و لازم ذلك ان من ابتاع من السفيه مالا و دفع له الثمن فأتلفه لا ضمان عليه و يسترجع الولي المبيع سواء كان عالما بسفهه أم لا و كذا لو باعه شيئا فلا تصح معاملاته التعاوضية فضلا عن معاملاته المجانية كالهبة و العارية و نحوهما نعم ليس هو مسلوب العبارة كغير المميز بل هو كالمميز فيصح ان يوكل على عقد لغيره كما يصح ان يعقد لنفسه بيعا أو نكاحا أو غيرهما و لكن يبقى

ص: 170

موقوفا على اجازة الولي و لا يسلم اليه مال أصلا لا الذي له و لا الذي لغيره و لو سلم اليه المال فتلف فان كان المال للغير فلا ضمان على السفيه و ان كان له فالدافع ضامن و الفرق بينه و بين الصبي المميز ان ولي هذا أولا أبوه أو جده اما ولي السفيه فهو الحاكم الشرعي حتى مع وجودهما أو وجود وصيهما.

مادة «991» تصرفات السفيه التي تتعلق بالمعاملات القولية الواقعة بعد الحجر لا تصح،،،

يظهر من هذا ان الحجر على السفيه موقوف على حكم الحاكم حيث تقول «المجلة» لكن تصرفاته قبل الحجر كتصرفات سائر الناس، و أنت خبير بان السفه أمر ذاتي و نقص في العقل و التفكير فهو كالصغير و المجنون فكما ان الحجر فيهما و في المعتوه لا يتوقف على حكم الحاكم لاستناده إلى أمر ذاتي فكذلك السفيه و من هنا اتفقت الإمامية ظاهرا على ان الحجر عليه غير موقوف على الحكم بل كل معاملة مالية تقع مع السفيه فهي باطلة سواء علم وقتها بأنه سفيه أم لا نعم لو اجازه الولي لوقوعها موافقة لمعاملات العقلاء نفذت كما نبهت عليه (المجلة) في مادة (993) إذا باع السفيه المحجور .. ثم ان من احكام السفيه لزوم إنفاق الولي عليه و هو الحاكم بالقدر المناسب لحاله و شأنه و كذا على عياله الواجبي النفقة عليه كما في مادة «992» و من أحكامه أيضا ما في مادة «994» لا يصح إقرار السفيه و ان الحقوق الثابتة عليه شرعا يؤديها الولي من أمواله كما في مادة «995» و انه إذا استقرض و صرفه على نفسه بالمعروف يلزم الحاكم أداء ذلك الدين و الا فلا

ص: 171

لأن الدائن قد أضاع ماله على نفسه و لكن القدر المعلوم انه حيث يكون الدائن عالما بسفهه و الا فلو أقرضه على أصل السلامة لم يبعد عدم سقوط حقه فليتأمل.

مادة (997) إذا اكتسب السفيه المحجور صلاحا

على قاعدة إذا زال المانع عاد الممنوع و كان السفه هو المانع من صحة التصرفات فإذا زال عادت الصحة كما في سائر العقلاء.

الفصل الرابع في (المديون المحجور)

مادة (998) لو ظهر عند الحاكم مماطلة المديون في أداء دينه حال كونه مقتدرا الى آخرها،،، إذا ماطل المديون غرماءه في أداء دينه و هو قادر و ملي و شكاه الغرماء الى الحاكم أنذره أولا فإن أصر على المماطلة حبسه فإن بقي مصرا فان كان عنده نقود أخذها الحاكم و دفع منها حق الغرماء و ان لم يكن عنده نقود باع الحاكم من أمواله المنقولة أو غير المنقولة حسب نظره بقيمتها السوقية و دفعها الى الغرماء و هذا لا ربط له بالمفلس أصلا و ليس المفلس

ص: 172

شرعا الا هو من قصرت أمواله عن ديونه فطلب الغرماء ان يحجر على أمواله و يمنعه من التصرف بها خوف التلف فتعود الخسارة عليهم و هو الذي أشارت إليه مادة «999» المديون المفلس الذي دينه.

و تحرير هذا البحث بأسلوب واسع و واضح- ان الفلس لا يكون سببا للحجر عندنا معشر الإمامية إلا بشروط (الأول) ثبوت الديون عند الحاكم (الثاني) قصور أمواله عنها اما لو زادت أو ساوت فلا حجر خلافا لما في المجلة في المساوي «الثالث» ان تكون ديونه حالة فلو كانت مؤجلة أجمع أو الحال منها لا يزيد على أمواله فلا حجر حتى لو كانت عند حلولها تزيد عن أمواله (الرابع) التماس الغرماء من الحاكم الحجر عليه و ليس للحاكم التبرع حتى لو التمسه المفلس بنفسه اما لو التمسه بعضهم فان كان دينه بخصوصه يزيد على أمواله صح الحجر و الا فلا، ثم ان أمواله التي تقاس الى ديونه و هي كل ما زاد على دار سكناه و ملابسه و أثاث بيته و خادمته و دوابه و كتبه كل ذلك على حسب شأنه و ما يليق بنسبة أقرانه فإن زادت يؤخذ الزائد و ان نقصت أكملت و بحسب أيضا من أمواله ديونه و ان كانت مؤجلة ان كانت على مؤسرين دون المعسرين أو المتمردين أو الغاصبين و إذا تحققت هذه الشروط و حجر الحاكم عليه ترتبت على ذلك أحكام «الأول» بطلان تصرفاته أجمع في جميع أمواله الموجودة حال الحجر مدة بقائه سواء تعلقت بدين أو عين أو منفعة و سواء كانت بعوض مطلقا كالبيع أو الإجازة بخيار في بيع سابق فإنه نافذ سواء وافق غبطة الغرماء أم لا فان حق الغرماء قد تعلق بماله على نحو كيفية

ص: 173

ملكه له من لزوم أو تزلزل فلا ينقلب الجائز بالحجر لازما و لذا لا يمنع الغير من اجراء خياره لو كان في بعض أمواله كما انه لو خرج مال المفلس عنه بهبة و نحوها قبل الفلس لم يكن للغرماء إلزامه بالرجوع فيه و ان كان له ذلك نعم لا ينفذ إبراؤه و إسقاطه بماله من ديون أو حقوق مالية اما التصرفات الغير المالية كوصيته أو تدبيره اللذين لا ينفذان إلا في ثلث الفاضل عن الدين و كالنكاح و الطلاق و الإقرار بالنسب و ان أوجب النفقة و لكنه في الذمة كما لو افترض أو اشترى نسيئة أو باع سليما فضلا عما إذا كان موجبا لتحصيل المال مجانا كالاحتطاب و الاحتشاش و الاتهاب فهل تدخل في الحجر أم لا، وجهان أقواهما العدم اما أمواله المتجددة بعد الحجر من أمواله المحجورة فهي تابعة لها و الحجر لا يسقط عبارته فيجعلها لاغية كعبارة الغير المميز بل له ان يتوكل عن الغير بل له ان يجري العقود على أمواله المحجورة فتنفذ بإجازة الغرماء أو الحاكم كما نصت عليه مادة «993» إذا باع السفيه،،، و لو فضل عن الديون فان كان لارتفاع السوق فالحجر صحيح و يرد إليه الزائد و ان كان لخطإ في التقدير حين الحجر كشف عن بطلانه و تمضي تصرفاته الواقعة أثناء الحجر [الثاني]، ان إقراراته بعد الحجر و ديونه المتجددة تنفذ عليه و تبقى في ذمته و لا يضربون مع الغرماء المتقدمين في المال المحجور حتى لو أقر بسبق الدين الا ان يصدقه الغرماء أو يثبت عند الحاكم كما في مادة «994» لا يصح إقرار السفيه «الثالث» ان ديونه المؤجلة لا تحل بالحجر و لا بموت الدائن نعم تحل بموت المديون

ص: 174

مطلقا محجورا و غير محجور، و تقسيم أمواله بعد الحجر على ديونه الحالة و لا يدخر للمؤجلة شي ء و ما يحل قبل الشروع بالقسمة ضرب صاحبه مع الغرماء و لو حل بعد قسمة البعض شارك في الباقي مع باقي الغرماء و لو ظهر دين حال بعد القسمة نقضت و شارك و لو كان الحلول بالصلح على تعجيله بإسقاط بعضه فالأقوى مشاركته على تأمل «الرابع» ينفق عليه و على عياله الواجبي النفقة من ماله المحجور الى يوم القسمة كما في مادة «1000» و لو مات قبلها فتجهيزه الواجب من أمواله و كذا لو مات من يجب تجهيزه عليه «الخامس» إذا وجد بعض غرماء المفلس عين ماله فهو أحق بها و لو لم يكن غيرها و لا يشاركه الغرماء فيها اما غرماء الميت لو قصرت أمواله عن ديونهم فهم شرع سواء حتى صاحب العين فتقسم التركة بنسبة ديونهم حتى لو مات محجورا عليه بالفلس لان المال ينتقل إلى الورثة و فيه حق الغرماء و لذا لو دفع الورثة الدين صارت التركة ملكا طلقا لهم، اما لو وقت التركة بالديون فصاحب العين أحق بها ان كانت العين باقية بحالها اما لو تغيرت بزيادة منفصلة أخذها بدون الزيادة، و لو كانت متصلة فإن كانت بفعل المفلس كما لو غرس أو صبغ أو خلط كان شريكا بالنسبة و ان لم تكن بفعله كالسمن و الطول و نحوه فهل يأخذها كذلك أو يسقط الأخذ أصلا أو يأخذها و يكون شريكا بالنسبة و يشاركه المفلس بالنسبة و لعله أقوى الوجوه اما لو تغيرت بالنقص أخذها ان شاء و ضرب مع الغرماء بقيمة النقص، و لو خلطها بالمساوي أو الأدون و لم يمكن التمييز تخير

ص: 175

بين الشركة و بين الضرب مع الغرماء،،، بقيمتها كما لو خلطها بالأعلى و لو تغيرت الحقيقة بأن صار الحب زرعا و البيض فرخا كان بحكم التالف فليس له الا الضرب مع الغرماء كما تقدم، و يقدم حق الشفيع على البائع لو أفلس المشتري و يضرب البائع مع الغرماء بقيمة الشقص و كذا يقدم المرتهن عليهم فيأخذها بدينه ان ساوت و يرد الزيادة ان زادت و يضرب معهم بالنقيصة ان نقصت و كذا حق المجني عليه و لكن لو قصر ثمن العبد الجاني فليس للمجني عليه أكثر من قيمته أو رقبته و لو أفلس بثمن أم الولد أخذها البائع أو اختص بثمنها (السادس) لو تجددت له أموال بعد القسمة فللحاكم ان يحجر عليها إذا التمس الغرماء ذلك تلافيا لبقية ديونهم ان كان المتجدد يقصر عنها و الا فلا الا ان يكونوا قد أسقطوا و أبرءوا «السابع» قد عرفت ان ولاية الصغير و المجنون للأب أو الجد منه أو لمنصوبهما فان لم يكونا فللحاكم أو منصوبه و كذا من بلغ غير رشيد اما من بلغ رشيدا ثم عرضه السفه و صار مفلسا فللحاكم لا غير،،، هذه أهم مباحث الحجر و السفيه و المفلس و منه تعرف كم أهملت المجلة من الفروع المهمة، و الأحكام المحكمة، في هذا الباب، و للّٰه المنة و الحمد.

ص: 176

الباب الثاني في (بيان المسائل التي تتعلق بالإكراه)

اشارة

العمل المكره عليه فاعله لا اثر له شرعا قولا كان أو فعلا و الأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» بل هو نوع من أنواع الضرورة فيشمله كل أدلة المضطر مثل قوله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ» و في الحديث النبوي المعروف (بحديث الرفع) رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما لا يعلمون و ما اضطروا اليه و ما استكرهوا إلخ، (و النبوي المشهور) ما من محرم الا و قد أحله اللّٰه لمن اضطر اليه، و لكن انما تسقط الآثار وضعية و تكليفية بالإكراه إذا استجمع شروطا.

(الأول) ان يكون المكره بالكسر قادرا على فعل ما يتوعد به من ضرب أو حبس و نحوهما و عليه تنص مادة (1003) يشترط ان يكون المجبر.

(الثاني) ان يظن المكره بالفتح أو يقطع بأنه إذا لم يأت بالمكره عليه أوقع بالمكره، بالكسر، به ما يتهدده فيه من قتل أو ضرب

ص: 177

أو نحوهما كما في مادة «1004» يشترط خوف المكره- «الثالث» ان يكون المكره بالفتح عاجزا عن مقاومته و رد شره عنه بنفسه أو الاستعانة من حاكم أو غيره و قد أهملت المجلة هذا الشرط «الرابع» و هو ان يكون ما يتوعد به مما لا يتحمله المكره أو لا يليق بشأنه و هذا يختلف باختلاف الأشخاص و مراتبهم كما يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الاعتبارات فرب شخص لا يليق به كلمة فيها رائحة الإهانة فقد يفعل الفعل دفعا لهذه الكلمة فيكون مكرها و رب شخص لا يضر بشأنه الصفع و الضرب و الحبس و الغل فيفعل الفعل خوف ذلك فلا يعد مكرها، و ربما يشترط بعضهم ان يكون عاجزا عن التورية فلو كان عارفا بها و لم يقصدها كان مختارا لا مكرها و هو غير معلوم و كيف كان إذا تحققت الشرائط المتقدمة ارتفع الحكم التكليفي المرتب على ذات القول أو الفعل لو لا الإكراه كما يرتفع الأثر الوضعي فلو سب نبيا أو وليا مكرها فلا إثم، كما لو باع أو وهب كذلك فلا اثر لبيعه و لا هبته، و لو شرب خمرا مكرها فلا إثم كما لو غصب مال غيره و أتلفه مكرها فلا ضمان و هكذا سواء فعل ذلك بحضور المكره المتوعد أو بغيابه فان الحضور و الغياب ليس له أي أثر بعد تحقق تلك الشروط فلا وجه لما في مادة «1005» ان فعل المكره المكره عليه في حضور المجبر يكون الإكراه معتبرا و اما إذا فعله في غيابه فلا يعتبر لانه يكون قد فعله طوعا الى آخرها،،، فإنه لو أكره أحد آخر على بيع داره و لو بكتاب أو رسول تحقق الإكراه و أي اثر للحضور إذا كان الخوف

ص: 178

حاصلا حتى مع الغياب.

ثم هل يصح عقد المكره بإجارته بعد الإكراه- خلاف، و الأقرب الصحة كما في مادة (1006) و ذلك لعمومات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و نحوها و لفحوى أدلة الفضولي فتدبره،،، و لو باع المالك مكرها و تصرف المشتري كان ضامنا كالغاصب بجميع ما يجري عليه من احكام الضمان المتقدمة.

مادة (1007) كما ان الإكراه الملجئ يكون معتبرا إلخ.

قد عرفت ان لا فرق بين الملجئ و غير الملجئ بالمعنى المذكور لان المدار على الخوف سواء كان من قتل أو حبس أو غيرهما نعم يفترقان بمعنى آخر تقدم بيانه.

ص: 179

الباب الثالث في (بيان الشفعة

اشارة

و ينقسم إلى أربعة فصول)

الفصل الأول في (بيان مراتب الشفعة)

مادة (1008) أسباب الشفعة ثلاثة

(الأول) ان يكون مشاركا قد عرفت قريبا ان أقرب عبارة تكشف عن حقيقة الشفعة التي هي من خصائص الشريعة الإسلامية و عظم عنايتها بنظم الهيئة الاجتماعية و الصالح العام و حكمتها العالية ان لا يبتلى المالك لملك مشاع بشريك جديد لا يعرف شيئا من أخلاقه و حسن سيرته فقد يكون شركته وبالا عليه و تنغيصا لعيشه في داره أو عقاره مدة عمره فجعل له حق أخذ ما باعه شريكه من المشتري بالثمن، إذا فأحسن تعبير عنها انها حق تملك الشريك الشقص من المشتري بالثمن، و لهذا الحق أسباب كما له شروط

ص: 180

اما أسبابه فكما أشارت إليه هذه المادة- الشركة على الإشاعة اما في نفس العين أو في حق الشرب الخاص أم في الطريق الخاص كالأمثلة المذكورة في المتن و هذان سببان لحق الشفعة عند الإمامية أيضا كما عند عامة أرباب المذاهب فهو إجماع المسلمين، «اما السبب الثالث» و هو كونه جارا ملاصقا الى يمينه أو يساره أو خلفه لا المقابل فقد اختلفت أرباب المذاهب فيها، فالشافعي و مالك على عدم الشفعة فيها و عليه كافة الإمامية لقوله عليه السّلام [إذا وقعت الحدود فلا شفعه بينهم] و الحنفي و أصحابه على ثبوتها لما يروى عنهم (جار الدار أحق بدار الجار) و هو الذي اختاره المجلة، و لبعض الفقهاء تفصيل فالجار المشارك في الطريق الخاص من أحد الجانبين له الشفعة و غيره كالجار من خلف أو المقابل لا شفعة له و هذه الأسباب مرتبة فلو اختص كل واحد بواحد منها ففي مادة «1009» حق الشفعة أولا للمشارك في نفس البيع كاشتراك شخصين في عقار شائعا (الثاني) ان يكون خليطا إلخ.

و مادة (1010) إذا لم يكن مشاركا في نفس المبيع أو كان و ترك ..

و حاصله ان المشارك في العين مقدم فان لم يكن أو كان و ترك فللثاني و هكذا، اما مادة (1011)- و مادة (1012) فالشفعة في الموردين انما تثبت حيث تكون الأرض مشتركة اما مع عدم الشركة في الأرض فلا شفعة فإن البناء كالغروس لا شفعة فيها الا تبعا للأرض كما تقدم.

مادة (1013) إذا تعدد الشفعاء يعتبر عدد الرءوس.

ص: 181

هذا هو المتفق عليه ظاهرا عند أرباب المذاهب و لعله المشهور عندنا و وجهه ان سبب الشفعة هو الشركة و هو في الجميع واحد، و وحدة السبب تقتضي وحدة المسبب و هو كما ترى فيه للخدشة مجال و لو قيل بان كل واحد يأخذ بمقدار حصته لكان أقرب الى العدل.

و اما مادة (1014) و ما بعدها الى آخر الفصل.

فالأحكام المندرجة فيها مبنية على استحسانات و اعتبارات لا بأس بها بناء على أصول القوم اما عندنا فلا موقع لها أصلا إذ لا شفعة مع تعدد الشركاء مضافا الى ان تلك الوجوه لا تصلح ان تكون دليلا.

الفصل الثاني في (بيان شرائط الشفعة)

(الأول) مادة (1017) يشترط ان يكون المشفوع به ملكا عقاريا ..

الظاهر اتفاق أرباب المذاهب على هذا الشرط فلا تثبت الشفعة في المقولات مطلقا و لا في الأبنية و المغروسات لا تبعا للأرض اما عند الإمامية فالأخبار الواردة في هذا مختلفة أشد الاختلاف ففي كثير حصرها بالعقارات و في بعضها التعدي إلى الحيوان و في جملة منها التعدي إلى خصوص العبد و لكن

ص: 182

قد استقر المذهب من زمن المحقق و العلامة رضوان اللّٰه عليهما حتى كاد ينعقد الإجماع عندنا أخيرا على عدم ثبوتها في المنقولات مطلقا الا ما يتبع الأرض و عليه فيصح ان يقال ان إجماع المسلمين اليوم على عدم الشفعة في المنقولات الا ما يتبع الأرض فلو كانت الغروس ملكا لاثنين و الأرض لثالث فلا شفعة اما لو كانت مع الغروس لاثنين فباع أحدهما الأرض أو الغروس معها فللشريك ان يشفع كما تشعر به مادة (1019) و نصت عليه مادة (1020)

«الثاني» (1018) يشترط ان يكون المشفوع به ملكا أيضا

- أي لا وقفا و قد اختلف أصحابنا رضوان اللّٰه عليهم أشد الخلاف في ثبوت الشفعة في العين المشتركة بين الوقف و الملك الطلق فيما لو وقع البيع على الملك الطلق أو وقع على الوقف لو حصل المسوغ لبيع الوقف فبين قائل بثبوتها مطلقا مع وحدة الموقوف عليه و تعدده في الصورتين و بين قائل بعدمها مطلقا كذلك و بين مفصل فتثبت مع الوحدة و تنتفي مع التعدد، أو في الصورة الأولى دون العكس أو بالعكس، و تمسك كل قائل لدعواه بوجوه لا يخلو كل واحد منها من خدشة (و خلاصة التحقيق) من ذلك المخض ان أصل الشفعة لما كانت عبارة عن تملك الشفيع الحصة من المشتري قهرا عليه و هذا حكم على خلاف الأصل و العمومات التي تنص على ان الناس مسلطون على أموالهم و ليس لإنسان أن يملك مال غيره قهرا عليه، إذا فلا بد من الاقتصار في هذا الحكم المخالف للأصل على مورد اليقين و المتيقن ما إذا كان الشريكان يملكان ملكا

ص: 183

طلقا اما في الوقف شفيعا أو مشفوعا به فمشكوك و الأصل عدم ثبوت الحق فلا شفعة في مقام الوقف مطلقا و ما ذكرته «المجلة» وجيه متقن.

(الثالث) مادة (1021) الشفعة لا تثبت الا بعقد البيع ..
اشارة

يعني يشترط ان يكون انتقال الشقص بالبيع اما لو كان بغيره من عقود المعاوضات أو غيرها كالهبة و نحوها فلا شفعة حتى في الهبة المعوضة لما عرفت في كتاب الهبة ان المعوض ليس للعين الموهوبة حتى تكون كالبيع بل هو عوض لنفس الهبة فالتعاوض بين الهبتين لا بين الموهوبين و هذه من دقائق فقه الإمامية فتدبره، و منه ظهر الخدشة في مادة (1022) الهبة بشرط العوض في حكم البيع .. نعم يتفرع على اشتراط الانتقال بالبيع و خروج غيره.

مادة (1023) لا تجري الشفعة في العقار الذي ملك لآخر بلا بدل

كتملك أحد عقارا بلا عوض ..

(الرابع) مادة (1024) يشترط ان يكون للشفيع رضا،،،

و لم تحسن (المجلة) التعبير عن هذا الشرط فجاء مختل اللفظ و المعنى- فان الرضا بالبيع لا يسقط الشفعة بل يولدها و لو لا البيع لم تكن شفعة و انما يسقطها إسقاطه لها أو تماهله عن الأخذ بها بناء على ما سيأتي من الفوزية و قد حصل مثل هذا الوهم لبعض أساتيدنا فقال في حواشيه على التبصرة لو اذن في البيع معرضا فالأقوى البطلان اي بطلان الشفعة و كذا فيما لو بارك أو شهد إذا ظهر منه الاعراض انتهى، و كنا قد علقنا عليها ما نصه

ص: 184

الشفيع يأخذ من المشتري لا من البائع فإذنه كاعراضه لعله وصلة الى غرضه، و مثله لو بارك أو شهد فالشفعة في الجميع ثابتة فتدبره جيدا و كذا لا يلزم سقوط الشفعة لو كان وكيلا للبائع في البيع بل كل ذلك محقق لموضوعها لا مسقط لها نعم لو استأجر من المشتري سقطت، و وجهه واضح و كذا لو اعرض عن المشتري بعد علمه بشرائه و لم يبادر إلى الأخذ سقطت شفعته لفوات الفورية لا للاعراض فتدبره.

الخامس (مادة 1025) يشترط ان يكون البدل مالا معلوم المقدار

بناء عليه لا تجري الشفعة في العقار الذي ملك بالبدل الذي هو غير مال كبدل اجرة الحمام الى آخرها،،، اعتبار معلومية البدل اي الثمن ليس شرطا في أصل ثبوت الشفعة و انما هو شرط في إعمالها أي الأخذ بها احترازا عما لو جهل الثمن لغيبة البائع أو المشتري أو موتهما بحيث لم يعلم بمقدار الثمن فإنه لا يمكن الأخذ بها فسقوطها في مثل ذلك من جهة تعذر العمل بها لا بمعنى انه إذا لم يعلم مقدار الثمن حين البيع أو حين قوله شفعت تكون باطلة بل له ان يقول شفعت بالثمن الذي اشتريت به مهما كان، و توهم لزوم الغرر مدفوع بأنه ربما يكون عالما إجمالا بان الثمن عادلا و انه لا يزيد على ثمن المثل الا قليلا، و على كل حال فهذا الشرط قد ذكره فقهاؤنا أيضا و لكن يلزم ان يحمل على المعنى الذي ذكرنا لا على ما يتراءى من المجلة و غيرها من انه شرط في عداد سائر الشروط لأصل ثبوت حق الشفعة مثل كونه عقارا و ان الانتقال بالبيع و نحوها (هذا أولا) (و ثانيا) فلو سلم ان

ص: 185

المعلومية شرط كسائر الشروط و لكن الذي يصح ان يتفرع عليه انه لو شفع و هو جاهل بمقدار الثمن لم تؤثر شفعته لا عدم جريانها فيما إذا كان البدل غير مال كالدار التي ملكت بدل اجرة الحمام «و ثالثا» لا أدرى لما ذا صارت اجرة الحمام ليست بمال و اجرة الحمام لا يخلو اما ان تكون نقودا و هي مال بلا اشكال و اما ان تكون عروضا كدار مثلا و هي مال أيضا بلا ريب و بدلها و هو منافع الحمام أيضا مال لان معيار المال عند العرف هو ما يبذل المال بإزائه أي ما يبذل أحد النقدين بدلا عنه و من المقطوع به ان منافع الحمام يبذل الدراهم و الدنانير بإزائها فهي مال فالمنافع مال و أعواضها من نقود و عروض أيضا مال حتى الدار فلما ذا لا تجري الشفعة لو كان فيها شقص للغير فباعها و كذلك الدار لو ملكت شقصها المرأة مهرا ثم باعته فلشريكها ان يشفع نعم لو ملكته مهرا لم يكن للشريك شفعة لأنها لم تملكه بالبيع و هو من أهم شرائط الشفعة كما عرفت، فهذا الشرط مضافا الى انه لا محصل له ساقط بالكلية كسقوط

(الشرط السادس). مادة «1026» يشترط ان يزول ملك البائع عن البيع بناء عليه،،،

فإنه فضلة مستدرك إذ البيع الفاسد ليس بيعا حتى على القول بالأعم فإنه ليس الفاسد بمراد في هذه الموارد التي يدور الحكم فيها على الانتقال لا على اجراء العقد فقط و الفاسد عندنا غير مؤثر كالباطل على ما سبق في محله اما البيع الخياري فلا يمنع من الأخذ بالشفعة بل للشفيع يأخذ و للبائع ان يعمل خياره إذا شاء و لو كان الخيار للمشتري انتقل مع الشقص الى

ص: 186

الشفيع ان شاء عمله و ان شاء ترك إذا فلا فائدة بهذا الشرط و هو مستدرك استدراك.

مادة (1027) لا تجري الشفعة في تقسيم العقار.

فقد مر انها لا تثبت الا بالبيع، و القسمة ليست بيعا فذكره مستدرك.

الى هنا انتهت شروط الشفعة في «المجلة» و تبقى شروط اخرى لم تذكرها و لعل إجماع الإمامية أخيرا على اعتبارها في ثبوت أصل هذا الحق (الأول)، ان لا يزيد الشركاء على اثنين و في المتقدمين من يذهب الى ثبوتها حتى مع التعدد و لكن انعقد إجماع المتأخرين ظاهرا على اعتبار الاثنين لا غير «الثاني» ان يكون الشفيع مسلما لو كان المشتري مسلما، فلا شفعة لكافر على مسلم و للمسلم الشفعة عليه، (الثالث) قدرته على الثمن أو بدله حالا ان كان البيع حالا، اما لو كان مؤجلا فاما يدفعه حالا و الا يلزم بكفيل- بالإيفاء عند حلول الأجل، ثم انه لا يشترط في الشفيع اي من له حق الشفعة البلوغ و لا الرشد فيثبت للصبي مطلقا و للمجنون و للسفيه و يأخذ لهم الولي مع المصلحة و لو أهمل كان لكل واحد منهم ان يشفع بعد زوال العذر خلافا لما في المجلة (1025) يطلب حق شفعة المحجورين وليهم و ان لم يطلب الولي حق شفعة الصغير فلا تبقى له صلاحية طلب حق الشفعة بعد البلوغ فان هذا على إطلاقه غير صحيح نعم لو ان الولي أهمل اعماله من جهة عدم المصلحة في ذلك الوقت اتجه سقوطها بعد البلوغ اما لو كان تقصيرا من الولي فلا سقوط لانه حق مالي ثابت فان لم يعمله الولي

ص: 187

استوفاه صاحب الحق بعد كماله و ارتفاع المانع

الفصل الثالث يلزم في الشفعة ثلاث مطالبات.

ليس في كتب أصحابنا شي ء من هذه التعاريج و التخاريج و انما الذي عندهم ان الشريك متى علم ببيع الشريك حصته لزمه ان يعرف الثمن ثم اما ان يأخذ به أو يترك سواء كان في مجلس البيع أو غيره مع حضور المشتري أو عدم حضوره غايته انه مع غيبته حذرا من الإنكار يشهد شاهدين ليكونا بينة له على الأخذ بالشفعة فورا و قد اتفقوا على ان الغالب له الشفعة و لو بعد السنين المتطاولة و لا تسقط شفعته بترك الاشهاد و ان تمكن منه فضلا عما لو عجز عنه و كذا المريض و المحبوس و نحوهما كما اتفقوا أيضا على انه لو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام فان لم يحضره بطلت شفعته لكن (في حسنة) علي بن مهزيار غير هذا التفصيل قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السّلام عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على ان يحضر المال فلم ينض فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد بيعها أ ينتظر مجي ء شريكه صاحب الشفعة قال ان كان معه في المصر ينتظر به الى ثلاثة أيام فإن أتاه بالمال و الا فيبيع و بطلت شفعته في الأرض و ان طلب الأجل الى ان يحمل المال من بلد آخر فلينتظر به مقدار

ص: 188

ما يسافر الرجل الى تلك البلد و ينصرف و زيادة ثلاثة أيام فإن وفاه و الا فلا شفعة له انتهى.

و ينبغي ان يكون المراد بصاحب الأرض هو المشتري لا البائع حتى يتجه استحقاق الشفعة للرجل الذي ذهب لإحضار المال فإن الشفعة لا تثبت الا بعد البيع و لو كان المراد بها البائع أي الذي يريد ان يبيع لم يكن المقام موضع شفعة و كيف كان فلا بد من العمل بهذا الخبر الشريف الموافق للعرف و الاعتبار و على كل حال فقضايا الاشهاد و التقرير و المواثبة قضايا احتياطية و استعداد للكفاح في ما لو وقعت الخصومة و لا دخل بها في أصل حق الشفعة فإنها تثبت بمجرد بيع الشريك و للشفيع ان يشفع بأي صورة يشاء و لكن على الفور سواء أشهد أم لا قرار أم لا، و لا حاجة الى مراجعة الحاكم الا عند الخصومة كما في سائر الخصومات و لا يضر في استحقاق الشفعة تأخيره التقرير أو الإشهاد أو مراجعة الحاكم ضرورة ان حكم الحاكم طريق للإثبات لا سبب في الثبوت فليتدبر.

و عليه فلا يهم التعرض لهذه المواد المذكورة في هذا الفصل.

ص: 189

الفصل الرابع في (بيان حكم الشفعة)

مادة «1036» يكون الشفيع مالكا للمشفوع.

تحرير هذا البحث على طرز جديد، و أسلوب مبتكر، هو انك بعد مراجعة ما مر عليك من مباحث الشفعة تستطيع ان تتصور لتكوين حق الشفعة و ولادته و نشوه و ارتقائه ثلاث مراحل (المرحلة الأولى) أسباب تكونه في طور القوة و الاستعداد و عمدة تلك الأسباب الشركة في العقار بنحو الإشاعة «المرحلة الثانية» وجوده بنحو الفعلية و التحقق و ذلك يحصل بالبيع على الأجنبي فإذا باع الشريك حصته على الأجنبي تحقق له حق الشفعة فعلا، (المرحلة الثالثة) استثمار ذلك الحق و استعماله و هو ان يأخذ بالشفعة فإذا دفع الثمن إلى المشتري ملك الحصة قهرا عليه و وجب ان يتخلى عنها، «فالأولى» قوة و «الثانية» فعلية و وسيلة «و الثانية» غاية و ان شئت قلت الاولى «غرس» و الثانية «شجرة» و الثالثة «ثمرة» فإنه بعد تحقق المرحلتين ان دفع الثمن فقد ملك و أخذ الفائدة و الا سقط ذلك الحق الذي تكون له بتلك الأسباب و لعل الى بعض هذا تشير المجلة بقولها: يكون الشفيع مالكا

ص: 190

للمشفوع بتسليمه الثمن و لكن قوله «بالتراضي» لا محل له إذ ليس له الامتناع و لا تتوقف ملكية الشفيع على رضاه و غايته انه إذا امتنع عن قبض الثمن و عن رفع اليد عن المشفوع به يراجع الشفيع الحاكم كما يراجع في سائر موارد الممتنعين عن أداء الحق، و رفع أيديهم عن مال غيرهم لا لخصوصية في الشفعة و لا من أجل ان التملك موقوف على مراجعة الحاكم كما يظهر من عبارة المجلة فتدبره: ثم ان هذا التملك القهري على المشتري- الاختياري للشفيع ليس بيعا و شراء آخر و لا صلحا و لا عقدا من العقود بل هو معاملة أخرى من المعاوضات جعلها الشارع بهذا النحو و بتلك الكيفية و لكنها بمنزلة الشراء في قضية دفع الثمن و أخذ المثمن و هذا المقدار لا يكفي في ترتب جميع آثار البيع فيشكل في مادة (1037) تملك العقار بمنزلة الشراء ابتداء بناء عليه الاحكام التي تثبت بالشراء ابتداء كالرد بخيار الرؤية و خيار العيب تثبت في العقار المأخوذ بالشفعة أيضا،، و تحرير هذا البحث بصورة وافية ان النظر في قضية الخيارات في باب الشفعة يقع في ثلاث جهات ما أشارت [المجلة] الا الى النزر الضئيل منها «الاولى» في الخيارات بين البائع و المشتري و انه هل تثبت الشفعة بمجرد العقد أو لا تثبت الا بعد انقضاء زمن الخيار فنقول ان الخيار اما ان يكون للبائع فقط أو للمشتري كذلك أو لهما فان كان للبائع فقد قال بعض أصحابنا انه لا شفعة حتى ينتهي الخيار لان الانتقال و ان حصل و لكنه متزلزل فلا شفعة إلا بعد استقراره و كذا لو كان الخيار للبائع فقط اما لو كان الخيار للمشترى فقط فقد استقر من جهة

ص: 191

البائع و لزم فتأتي الشفعة و هو كما ترى فيه للخدشة مجال واسع و التحقيق ان الشفعة تدور مدار العقد المؤثر للانتقال و تزلزله لا يمنع منها بأي وجه كان نعم على القول بان الخيار يمنع من أصل الانتقال بالعقد و لا يحصل اثر البيع الا بانقضاء زمن الخيار يتم ما ذكر.

[الثانية] انه لو كان للمشتري خيار و أخذ الشريك بالشفعة هل يسقط خياره لعدم الفائدة له من اعمال الخيار إذ ليس قصده الا استرداد الثمن و لا أقل من تخلصه بالفسخ من عهدة التدارك للشفيع فان الشفيع يأخذ من المشتري لا من البائع و عليه تدارك المبيع لا على البائع و هذا هو الأقوى.

[الثالثة] بعد ان كان مما لا ينبغي الإشكال في ان الخيارات العامة كخيار العيب و الغبن و الرؤية و الشرط و أمثالها مما يعم دليلها جميع المعاوضات بيعا أو غيره تجري في الشفعة ضرورة انها و ان لم تكن بيعا و لكنها لا تخرج عن حظيرة المعاوضات فكما يثبت للمعاوضات يثبت للشفعة إنما الكلام في الخيارات الخاصة بالبيع كخيار المجلس مثلا هل يجري في الشفعة و حيث علمنا ان الشفعة ليست بيعا قطعا و ان خيار المجلس يختص بالبيع نتج من هاتين المقدمتين عدم الريب في عدم جريان خيار المجلس و خيار التأخير و نحوهما فيها و بهذا ظهر انه لو ظهر في المبيع المشفوع به عيب بعد الأخذ فإن كان الشفيع و المشتري قد كانا عالمين به فلا خيار و ان كانا جاهلين فالخيار للشفيع فان رده على المشتري كان له الخيار أيضا و لو كان المشتري عالما به دون الشفيع كان للثاني الخيار فقط ثم بعد ان عرفت ان الشفعة حق و انها حق مالي تعرف يقينا انها

ص: 192

تورث بموت من له الحق و يشملها عموم (ما ترك الميت من حق فهو لوارثه) فلو مات الشفيع قبل ان يأخذ سواء بعد علمه أو قبله حيث لا ينافي الفورية العرفية كان لوارثه أن يأخذ بها لأنها حق مالي و كل حق مالي يورث أما أرباب المذاهب فقد اختلفوا فالمنقول عن الحنفي انه لا يورث و عليه جرت (المجلة) مادة (1038) لو مات الشفيع قبل ان يكون مالكا للمشفوع لم ينتقل حق الشفعة إلى ورثته،،، و وافقهم جماعة من عظماء فقهائنا المتقدمين استنادا إلى رواية طلحة بن زيد و هي ضعيفة السند مهجورة عند الأكثر و قد استقر المذاهب أخيرا على ان الشفعة تورث كسائر الحقوق المالية و وافقنا عليه مالك و الشافعي،،،

مادة [1039] لو بيع المشفوع به بعد طلب الشفيع- يسقط حق شفعته،

بيع المشفوع به بعد طلب الشفيع انما يصح حيث لم يدفع الشفيع الثمن اما مع دفع الثمن فقد عرفت انه يملكه و ينتقل من ملكية المشتري و لا حق له في البيع أصلا إلا فضولا عن الشفيع

مادة «1040» لو بيع ملك عقاري آخر متصل بالملك المشفوع لا يكون شفيعا لهذا العقار الثاني،،،

قد عرفت ان الجوار لا اثر له في ثبوت الشفعة حتى بعد تملك الشفيع فضلا عما قبله،،،

مادة «1041» الشفيع اما ان يأخذ الجميع أو يترك الجميع و ليس له التبعيض

و لعل هذا من المتفق عليه عند جميع المذاهب حتى الإمامية

مادة (1042) ليس لبعض الشفعاء ان يهبوا حصتهم لبعض و ان فعل أسقط حق شفعته،،،

ص: 193

هذا المنع لا وجه له و الناس مسلطون على أموالهم يهبون و يبيعون لمن شاءوا نعم إذا نقل الشريك حصته الى شريكه أو الأجنبي زال عنه حق الشفعة لزوال الموضوع و هو الشركة و هذا جد واضح، إنما الاشكال و المعضل فيما لو باع أو وهب بعد بيع شريكه و قبل الأخذ حيث لا ينافي الفورية يعني باع أحد الشريكين حصته قبل ان يعلم بان شريكه قد باع قبله فهل له ان يأخذ بالشفعة مع انه قد باع حصته أم لا «وجهان» للأول الاستصحاب و للثاني زوال الموضوع بل زوال علة الحكم فان الغرض من الشفعة ان لا يدخل على الشريك شريك أجنبي قد لا يتلايم معه و لا يحسن معاشرته و هذا الوجه قوي و ان كان الاستصحاب أيضا لا يخلو من قوة و المسألة كما قلنا مشكلة.

مادة «1043» ان أسقط أحد الشركاء حقه قبل حكم الحاكم فللشفيع الآخر ان يأخذ تمام العقار،،،

لا نعرف لهذا الفرق وجها بل الشفيع إذا أسقط حقه قبل الحكم أو بعده فقد سقط حقه و صارت الشفعة للباقين على القول بثبوتها مع التعدد.

مادة «1044» لو زاد المشتري على البناء المشفوع.

هذا نظير من اشترى عينا للبائع خيار فيها و أحدث المشتري فيها بناء أو صبغا أو غير ذلك فان تصرفه مشروع و إذا فسخ البائع بخياره لزمه التدارك و دفع قيمة ما أحدثه المشتري و ليس له ان يجبره على القلع بعد ان كان تصرفه مشروعا و للمشتري ان يمتنع عن رده الى البائع قبل أخذ حقه و هكذا الكلام بعينه في الشفيع مع المشتري كما نصت عليه

ص: 194

«المجلة» فالشفيع بالخيار ان شاء ترك و ان شاء تملك المشفوع بإعطاء ثمنه و قيمة الأبنية و الأشجار.

إلى هنا انتهت مواد المجلة في كتاب الشفعة

و قد بقي بحثان مهمان تعرض لهما الفقهاء

اشارة

منا و من القوم و لم تتعرض لهما «المجلة» أصلا و لو على سبيل الإيجاز

(الأول) الحيل الشرعية الموجبة لسقوط الشفعة

و حيث اننا لا نحب الحيل مهما كانت و الناس بحمد اللّٰه قد أصبحوا أحيل من ان يحتاجوا الى من يعلمهم الحيلة فلا حاجة الى ان نسقي السيف سما و نضع ضغثا على ابالة إذا فترك هذا البحث اولى، و يكفي لمن يريد التخلص من شفعة الشريك ان يستبدل البيع بالصلح أو الهبة المعوضة بناء على ما هو الحق من انها ليست بيعا و ان العوض لذات الهبة لا للعين و البيع مبادلة مال بمال و هنا مبادلة عمل بعمل و المال تبع غير مقصود بالأصالة.

(البحث الثاني) مسائل النزاع و الخلاف

اشارة

الذي اعتادت (المجلة) ان لا تذكر منه شيئا في كل كتاب مع أهميته اما فقهاؤنا رضوان اللّٰه عليهم فقد التزموا على الغالب في متون مؤلفاتهم و مختصراتها فضلا عن الموسوعات و المطولات ان يذكروا آخر كل كتاب من البيع و الإجارة و سائر العقود- عدة مسائل من أنواع الخلاف و التنازع بين المتعاقدين كتمرين للفقيه على القضاء و الحكم و قد ذكروا في آخر كتاب الشفعة جملة وافية من مسائل التنازع المتصورة فيها بعضها واضحة و بعضها في غاية الإشكال

ص: 195

فمن تلك المشكلات- ما لو ادعى المشتري زيادة الثمن فقال مثلا اشتريته بمائة و أنكر المشتري فقال بخمسين فظاهرهم الاتفاق على ان البائع معزول في هذه القضية فلا يقبل قوله أصلا سواء شهد للمشتري أو للشفيع لأنه في المقام متهم من جهة التدارك أو غيرها و هو و ان كان على إطلاقه محل نظر واضح و لكن لنفرض الكلام فيما لو لم تكن شهادة للبائع اما لموته أو غيبته أو نحو ذلك فان كانت لأحدهما بينة فهي المتبعة و ان لم تكن فقد تعقدت القضية و اعضلت و لذلك اضطربت كلمات الأصحاب أشد الاضطراب و قام الخلاف على ساق في هذه و في نظيرتها و هي ما إذا اختلف المشتري و البائع في الثمن الذي جرى عليه العقد زيادة و نقيصة، و سر الإعضال في القضية ان من المعروف و الواضح المكشوف ان طالب الزيادة في كل مقام هو المدعي و ان منكرها هو المنكر و على هذا الملاك فالمشتري المدعي لزيادة الثمن هو المدعي و الشفيع هو المنكر فيكون القول قوله بيمينه، و نظرا الى ان المشتري لا دعوى له على الشفيع أصلا و المدعي هو الذي لو ترك ترك و هذه صفة الشفيع هنا فإنه هو الذي يطالب و يريد انتزاع العين من مالكها المشتري قهرا عليه و الأصل عدم تسلطه على مال الغير بقوله و بالمقدار الذي يدعيه فبهذا الملاك صار الشفيع مدعيا لا منكرا و يلزم ان يكون القول قول المشتري لا قوله، فتعارضت الجهات و تدافعت الأصول و قامت الحيرة في ان لأيها الترجيح؟ و على ايها يكون العمل؟ فمال كل فقيه إلى جهة و أخذ كل واحد بترجيح ناحية و تضاربت الأفكار و كثر الرد و الإيراد

ص: 196

حتى ان بعض فقهائنا المتأخرين كتب فيها ما يقرب من عشر صفحات من كتابنا هذا؟ و المسألة هنا خالية من النص نعم في قضية تنازع المشتري و البائع وردت رواية بتقديم قول البائع و قد عمل بها جماعة من الأساطين على ضعف سندها و أراد جماعة ان يطردوها حتى إلى مسألتنا هذه اعني تنازع الشفيع و المشتري و لعله أشبه بالقياس و هو تعدية حكم موضوع الى موضوع آخر،،،؟ و الذي نراه بعد هذا كله ان القول قول المشتري بيمينه لا قول الشفيع فإنه هو المدعي و ان أنكر الزيادة و لكنه يدعي استحقاق العين بذلك المقدار و الأصل عدمه مضافا الى انه هو المطالب و هو الذي لو ترك ترك و المشتري لا يدعي عليه شيئا و لا يطالبه بشي ء و ليت الشفيع تركه و مضى لسبيله، و كل هذا واضح و انما أوقع الارتباك قضية دعوى الزيادة من المشتري فأوهم انه مدع مع أن قضية الزيادة ليست بميزان مطرد نعم الغالب ان مدعي الزيادة يكون مدعيا و منكرها هو المنكر و لكن لا يتمشى ذلك في كل مورد فإن قضية البائع و المشتري هناك و قضية الشفيع و المشتري هنا لها خصوصية أخرى قلبت القضية و غيرت مجاري الأصول فتدبرها جيدا و به المستعان.

و على هذا يبتني ترجيح احدى البينتين على الأخرى لو قدماها معا فان قلنا بان القول قول الشفيع و قلنا بتقديم بينة الداخل قدمت بينته و الا فبينة المشتري و العكس بالعكس و التحقيق موكول الى محله.

(و منها) ما لو أقر أحد الشريكين بأنه قد باع حصته من أجنبي و أنكر الأجنبي الابتياع

قيل تثبت الشفعة نظرا إلى الإقرار و قيل لا تثبت

ص: 197

لأنها موقوفة على ثبوت الابتياع و تحقق الانتقال و لم يثبت، و التحقيق انه يلزم ان يعلق ثبوت الشفعة على ثبوت البيع فان حكم على الأجنبي ببينة و نحوها انه قد ابتاع تثبت الشفعة و الا فلا و الإقرار وحده هنا لا يكفي،،،

(و منها) ما لو اختلف الشريكان في التقدم و التأخر

و فيها صور كثيرة فادعى ان شريكه قد اشترى بعده فله حق الشفعة عليه فأنكر ذلك حلف المنكر ان ليس لخصمه حق شفعة عليه و لا يلزمه اليمين انه قد اشترى قبله اما لو ادعى كل منهما انه قد اشترى قبل الآخر لتكون له الشفعة فالقضية من باب التداعي يتحالفان ان لم تكن بينة فتثبت الشركة و تسقط الشفعة و كذا إذا جاء كل واحد ببينة اما لو انفرد أحدهما بها فالشفعة.

(و منها) ما لو اعترف البائع و المشتري ان الثمن المعين غصب و البيع فاسد و أنكر الشفيع و لا بينة

فاللازم رد العين حسب اعترافهما الى المالك و الشفيع يأخذ الشقص بالشفعة و يدفع مثل الثمن أو قيمته إلى المشتري فيدفعه إلى البائع يأخذه مقاصة عن شقصه و اعترافهما لا اثر له في حق الشفيع لأنه إقرار في حق الغير فان ادعيا عليه العلم يحلف انه لا يعلم بكونه غصبا، اما لو اعترف البائع و الشفيع دون المشتري أو الشفيع و المشتري دون البائع فلا شفعة و يستخرج باقي حكم هذه الصور بالتأمل من الفقيه الماهر و قد ذكر فقهاؤنا قدست أسرارهم هنا فروعا كثيرة، و فروضا نادرة، تدل على غزارة علم، و نابعية فضل و فقاهة عالية لا احسبها توجد

ص: 198

عند امة من الأمم و من أراد تصديق ذلك فليراجع الموسوعات من كتب الإمامية ان كان من أهل الفن ليعرف اننا لم نذكر لهم الا بعض ما يستحقون، و جزى اللّٰه جميع علماء المسلمين و عامة فقهائهم خير جزاء المحسنين و نفعنا بعلومهم و جمعنا و إياهم في الرفيع الأعلى مع النبيين و الشهداء و الصديقين و حسن أولئك رفيقا، و نختم هنا كتاب الشفعة راغبين اليه تعالى في أن يشفع فينا أولياءه الذين لا يشفعون الا لمن ارتضى و آخر دعواهم ان الحمد للّٰه رب العالمين.

ص: 199

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم

الكتاب العاشر (في أنواع الشركات

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثمانية أبواب)

ص: 200

المقدمة في (بيان بعض الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بأنواع الشركات)

اشارة

مادة (1045)

الشركة:

في الأصل هي اختصاص ما فوق الواحد بشي ء و امتيازهم به لكن تستعمل أيضا عرفا و اصطلاحات في عقد الشركة الذي هو سبب لهذا الاختصاص فتقسم الشركة بناء على هذا الى قسمين.

تحرير هذا البحث كما ينبغي بل كما يجب- ان الشركة بحسب وضعها اللغوي و استعمالها العرفي- هي مطلق اجتماع اشخاص في شي ء بجهة جامعة سواء في العين أو الدين أو المنفعة أو الانتفاع أو الحق فمن أباح طعاما

ص: 201

لجماعة فهم شركاء فيه و ان كانوا لا يملكون عينه و لا منفعته بل يملكون الانتفاع به و كذا من أباح لشخصين أو أكثر المطالعة في كتابه و من هنا يعلم ان الشركة في المباحات العامة انما هي بهذا المعنى اي بالمعنى اللغوي العرفي لا الاصطلاحي أعني اصطلاح الفقهاء فإنه قد تخصص عندهم بمعنى اختلفت تعبيراتهم عنه و حيث ان الشركة تتحقق عندهم في العين و الدين و الحقوق و المنافع فأرادوا تعبيرا يعم كل هذه النواحي فعرفها مشهور فقهائنا بأنها اجتماع حقوق الملاك في الشي ء الواحد على سبيل الإشاعة و أرادوا بالشي ء الواحد الشخصي لا النوعي أو الجنسي و اخرجوا بالقيد الأخير ما لو اشتركوا في بستان مثلا أو دار و لكن لا على الإشاعة بل على ان لأحدهما الجانب الشرقي و للآخر الغربي و أمثال ذلك و مع انه أقرب التعاريف إلى الحقيقة قد أطالوا النقض و الإبرام و الطرد و العكس مما لا حاجة و لا فائدة فيه، و لعل أسلم منه و أقرب الى الحقيقة ان يقال- الشركة استحقاق أكثر من واحد لشي ء واحد على الإشاعة ثم ان لهذا الاستحقاق أسبابا و له بعد تحققه احكام اما أسبابه فهي نوعان «قهرية» و «اختيارية» و القهرية أيضا نوعان نوع بجعل الشارع و آخر بأسباب اتفاقية أخرى فمن الأول- الميراث ضرورة ان جميع الورثة يشتركون في ملكية التركة كما يشترك بعضهم في مقدار منها «فهم شركاء في الثلث» «و من الثاني» فاختلاط المالين قهرا بحيث لا يمكن تمييز أحدهما عن الآخر عادة و من هذا القبيل الوصية بالثلث لجماعة أو وقف ملك على جماعة «أما الاختيارية» فلها أسباب كثيرة

ص: 202

(أحدها) مزج المالين بحيث لا يتميزان سواء كان بفعلهما أو فعل أجنبي (ثانيها) العقد بان يشتريا أو يستأجرا دارا على الإشاعة فيدفع كل منهما قيمة نصيبه من ماله فيشتركان في ملكية الدار و ملكية منافعها (ثالثها) الحيازة كما لو اشتركا في حيازة سمك أو أخشاب أو حطب أو صيد (رابعها) احياء موات كما لو اشتركا في إحياء أرض موات فإنهما يشتركان في ملكيتها على حسب عملهما أو اتفاقهما- هذه أهم أسباب الشركة بمعنى اجتماع الحقوق في الشي ء الواحد أو كما قلنا- استحقاق أكثر من واحد لشي ء واحد، و لكن المهم ان تعرف ان هذه الأنواع من الشركة ليست هي المراد من الشركة التي أفرد لها الفقهاء كتابا ذكروه ضمن أبواب العقود و المعاملات «المراد بها عقد خاص يقصد منه الاسترباح و الاكتساب من الشخصين أو أكثر بمالهما بعد المزج و انما ذكروا تلك الأسباب من باب المقدمة و الاستطراد حيث ان الشركة بهذا المعنى تتوقف على المزج و هو يحصل تارة بالاختيار و اخرى بأسباب أخرى كما عرفت و من هنا يتضح لك الخلل البارز فيما ذكرته «المجلة» في هذه المادة حيث جعلت العقد من أسباب الشركة بمعنى الاختصاص مع ان عقد الشركة الذي يبحث الفقهاء عنه في كتاب الشركة المندرج في أبواب المعاملات يتوقف على الشركة بمعنى اجتماع المالين و امتزاجهما و ليس عقد الشركة سببا للاختصاص أو الامتزاج أصلا نعم قد يكون العقد سببا للاختصاص أو الامتزاج كما عرفت فيما لو اشتريا دارا على الإشاعة و لكن ذاك عقد بيع أو إجارة لا عقد الشركة الذي يقصد به الاسترباح و التكسب الذي

ص: 203

لا يحصل و لا يتحقق الا بعد امتزاج المالين قهرا أو اختيارا فعقد الشركة يتوقف على الاختصاص و الامتزاج و هما سبب له لا هو سبب لهما كما تقول «المجلة» فتدبره، و عقد الشركة للاسترباح هو القسم الثاني المذكور هنا و الذي سيأتي تفصيله في الباب السادس، و قد تداخل الموضوع و اختلط البحث على أرباب «المجلة» كما اختلط على جماعة من غيرهم فاحتفظ بهذا، ثم ان محل اجتماع الحقوق كما قلنا أو الاختصاص كما تقول المجلة لا يخلو اما ان يكون عينا أو دينا أو منفعة أو حقا- اما الانتفاع فقد عرفت انه خارج عن الشركة الاصطلاحية و مثله الشركة في المباحات العامة فإنها من قبيل الحكم لا الحق و من قبيل انه ملك ان يملك و انه مالك فعلا، و ذكر بعض الشراح ان تقسيم الشركة إلى عين و دين من قبيل تقسيم الشي ء إلى نفسه و الى غيره فان الدين لا ملك و لا منفعة بل هو وصف شرعي ثم دفع هذا الإشكال بأنه و ان لم يكن مالا فعلا و لكنه مال بالمال انتهى، و أنت خبير بسقوط هذا الاشكال من أصله فإن الدين مال فعلا باعتبار العقلاء، و لذا يباع و يشترى كغيره من الأعيان الخارجية و الشركة فيه واضحة و أوضحها مثالا ما لو مات و له دين على شخص فإن الورثة يشتركون فيه بأجمعهم و كذلك الشركة في المنافع و الحقوق، و من الأخير إرث حق الخيار أو جعل الخيار لاثنين أو أكثر مشتركين لا على نحو الاستقلال.

و من جميع ما ذكرنا اتضحت مادة «1045» و هي الأولى من

ص: 204

كتاب الشركة اما ما بعدها من المواد إلى مادة «1060» فينبغي أو يجب حذفها تماما من المجلة- إذ أي عربي أو متعرب لا يعرف ان معنى الحائط هو الجدار. و المارة عبارة عن المارين أو القناة أو المسناة أو ان رأس المال هو السرماية و هو ترجمة العربي بالفارسي و هلم سحبا إلخ.

ص: 205

الباب الأول في (بيان شركة الملك

اشارة

و يشتمل على ثلاثة فصول)

«الفصل الأول» في (تعريف شركة الملك و تقسيمها)

مادة «1060» شركة الملك هي كون الشي ء مشتركا بين اثنين فأكثر هذا تفصيل ما تقدم من الإجمال لبيان أسباب الاشتراك في المال الواحد و الشي ء يشمل كل ما يمكن تحقق الشركة فيه من العين و الدين و الحق و المنفعة سواء وقعت بأسبابها القهرية أو الاختيارية ثم إذا تحققت الشركة بأحد تلك الأسباب ترتبت عليها احكام بعضها من حيث تصرف الشركاء أو بعضهم و بعضها من حيثيات اخرى- و من الثاني ان

ص: 206

التلف بعد الشركة كلا أو بعضا يكون على جميع الشركاء بنسبة حصصهم إذا لم يكن المتلف أحدهم فلو تلف النصف و الشركاء اثنان كان من كل واحد ربع و هكذا و عليه يبتني مادة (1061) فلو كان لرجل دينار و لآخر من جنسه ديناران فاختلط دينار الرجل بهما بحيث لا يقبل التمييز ثم ضاع اثنان منها يكون الباقي مشتركا بينهما مثالثة ثلثاه لصاحب الدينارين و ثلثه لصاحب الدينار،،، و لكن لعلك عرفت مما مر عليك في الأجزاء السابقة ان هذه القضية لا تبتني على قاعدة الشركة لأن المالين لم يمتزجا امتزاجا حقيقيا بل و في بعض الصور قد لا يكون مزج أصلا كما في مسألة الودعي الذي استودعه رجل درهما و آخر درهمين فتلف درهم لا يعلم انه من صاحب الدرهم أو من صاحب الدرهمين و توزيعه عليهما بالنسبة هو مقتضى قاعدة العدل سواء كانت هناك شركة أم لا و اعلم ان شركة المزج تكون تارة (ظاهرية) و هي التي يتطرق فيها احتمال التمييز كما في قضية الدراهم و أمثالها (و حقيقية) و هي التي يستحيل فيها التمييز عادة أو واقعا كامتزاج المائعات من جنس واحد و كامتزاج الدقيق و نحوه و في الأولى تكون القسمة ظاهرية مراعاة ببقاء الاشتباه فإذا زال أمكن زوال الحكم و بطلان القسمة و في الثانية يكون دائميا لا مجال لبطلانه، و بقية المواد قد سبق بيانها و هي واضحة، و قد شرعت «المجلة» في بيان القسم الثاني من أحكام الشركة أعني ما يتعلق بتصرف الشركاء الذي يتكفل به.

ص: 207

(الفصل الثاني) [في] (بيان كيفية التصرف في الأعيان المشتركة)

اشارة

سواء كانت من العقارات أو الحيوانات أو الأطعمة أو الحبوبات أو غيرها.

مادة (1069) كيف ما يتصرف صاحب الملك المستقل في ملكه يتصرف أيضا في الملك المشترك أصحابه بالاتفاق كذلك.

لا يخفى ما في العبارة من التعقيد و التشويه و المراد ان الشركاء يتصرفون بالاتفاق كما يتصرف المالك في ملكه المستقل فمجموعهم كواحد و واحدهم كالأجنبي ليس له التصرف بدون إذنهم و عليه يتفرع مادة (1070) يسوغ لأصحاب الدار المشتركة أن يسكنوا فيها جميعا لكن إذا أدخل أحدهم أجنبيا فللآخر منعه، على ان هذا الاستدراك مستدرك فان للآخر المنع مطلقا و مثلها مادة (1071) التي مفادها جواز تصرف الشريك بإذن شريكه الذي علم مما سبق و الاستدراك بقوله:

لكن لا يجوز ان يتصرف تصرفا مضرا بالشريك مستدرك أيضا فإن الضرر حرام مطلقا و لا حاجة الى بيانه هنا (1072) ليس لأحد الشريكين ان يجبر الآخر بقوله اشتر حصتي أو بعني حصتك غير ان المحل المشترك

ص: 208

ان كان قابل القسمة و الشريك ليس بغائب يقسم و ان كان غير قابل القسمة فلهما التهايؤ كما يأتي تفصيله في الباب الثاني،، و لكن إذا كان الشريك غائبا لا تبطل القسمة مع طلب أحد الشركاء بل يرفع امره الى حاكم الشرع فينذره أو ينذر وكيله فان لم يحضر أحدهما سقط حق حضوره و تولى الحاكم القسمة لأنه ولي الغائب و الممتنع و كذا لو لم يمكن مراجعة الغائب كمجهول المحل أو الحياة فإن مثل هذه الأمور العامة من وظائف الحاكم و لا يجوز في حفظ النظام تعطيلها و لو لا نصب الحاكم لمثل هذه الحوادث لاختل النظام و تعطل كثير من الاحكام و ساءت حالة الإسلام.

مادة (1073) الأموال المشتركة شركة الملك تقسم حاصلاتها بين أصحابها على قدر حصصهم

فإذا شرط أحد الشريكين في الحيوان المشترك شيئا زائدا على حصته من لبن ذلك الحيوان أو نتاجه فلا يصح لا ريب ان منافع الملك هي لأرباب الملك على حسب حصصهم و لكن ذكر الشرط لا محل له هنا أصلا ضرورة ان الكلام في الشركة بمعنى اجتماع الحقوق لا الشركة العقدية التي ستأتي في الباب السادس و هي التي تقبل الشرط و عدمه اما هذه فلا مجال فيها للشروط أصلا فتدبره جيدا.

مادة (1074) الأولاد في الملكية تتبع الام مثلا إذا كان لواحد حصان فعلا على فرس آخر

فالفلو الحاصل لصاحب الفرس كذلك إذا كان لواحد حمام ذكر و لآخر أنثى فالفراخ الحاصلة منهما لصاحب الأنثى

ص: 209

هذا الحكم ليس له كثير علاقة بمباحث الشركة إلا بمقدار التنبيه على ان النتاج الحاصل من فحل شخص و أنثى آخر لا يكون مشتركا بينهما بل يختص به مالك الأم لأنه يعد عرفا نماء ملكه كالثمرة فإنه يتبع الشجرة لا فحل اللقاح و لا يختص هذا بالحيوان بل يجري حتى في الإنسان المملوك فإنه يكون لمالك امه لا لمالك أبيه و لا لهما معا الا مع الشرط كما هو محرر في محله.

مادة (1075) كل واحد في شركة الملك (بل و في غيرها) أجنبي في حصة الآخر.

ليس واحد وكيلا عن الآخر- إلخ.

هذه المادة على طولها من غير طائل و مع ما فيها من تعقيد العبارة و سوء البيان قد اشتملت على حكم جزافي يخالف قاعدة الشركة و قد عرفت ان كل واحد من الشركاء نسبته وحده الى المال المشترك نسبة الأجنبي إليه سواء بسواء فلا يجوز له اى تصرف بدون اذن الباقين فلو تصرف و تلف المال بيده يكون ضامنا و لو مع عدم التعدي و التفريط لأنها يد عادية إذ كل جزء يفرض فهو له و لشركائه فيكون المقام من قبيل اجتماع الملاك على الشي ء الواحد لا الملاك على أشياء و كل واحد من أصحاب الدار المشتركة لا يعتبر صاحب ملك مخصوص على وجه الكمال بل صاحب ملك ناقص و ملكيته ضيقة يزاحمه فيها جماعة آخرون و هم شركاؤه فلا حق له في دخول و خروج فضلا عن اعارة و اجارة بدون إذنهم فلو سكن الدار بغير رخصة منهم و انهدمت ضمن حصصهم و ان لم يكن بتعد منه أو تفريط كل ذلك قضاء لمعنى الشركة و لوازمها الطبيعية

ص: 210

مؤيدة بالقواعد الشرعية، و كان القوم توهموا ان حقيقة الشركة كون كل شريك يملك جزء في الدار غير الجزء الذي يملكه الآخر و هو معنى لا محصل له و ان كان ربما يدور على لسان بعض المتفقهة، و يتفرع على ما ذكرنا انه لو سكن الدار بدون اذن شريكه لزمته الأجرة لحصة شريكه سواء أشغل الدار كلها أو بعضها فان البعض الذي اشغله هو له و لشريكه إذ لا قسمة في البين فتلزمه اجرة ما اشغله بالنسبة و الا لتساوى المشاع و المقسوم فالحكم بعدم الضمان و عدم الأجرة حكم جزافي غريب و أغرب منه مادة (1076) إذا زرع أحد الشركاء في الأراضي المشتركة لا صلاحية للآخر في طلب حصته من الحاصلات على عادة البلد مثل ثلث أو ربع لكن إذا نقصت الأرض بزراعته فله ان يضمن الشريك الزارع قيمه نقصان حصته.

بل الصحيح حسب الأصول و القواعد ان له اجرة المثل لإعادة البلد إلا إذا ساوت اجرة المثل بل الأصح ان الشريك مخير في هذه الصورة بين قلع الزرع و بين إبقائه بالأجرة إلى حين حصاده مضافا الى أجرة المدة السابقة و هكذا الغرس و البناء و لو نقصت الأرض كان له مع ذلك أرش النقيصة و عليه يبتني ان أحد الشريكين بدون اذن الآخر سواء قبض الأجرة أم لا فهو فضولي و الشريك مخير بين الإجارة و الرد و ترجع الأجرة لصاحبها و لو تلفت كان على المؤجر ضمانها على تفاصيل ذكرت في باب الفضولي و من هنا ظهر الخلل في مادة (1077) أحد الشريكين إذا آجر لآخر المال المشترك و قبض الأجرة يعطي الآخر

ص: 211

حصته منها.

لا- بل الآخر مخير بين الإجازة فيأخذ حصته منها و بين الرد فلا اجازة و لا اجرة، و أشد ضعفا و وهنا مادة (1078) يسوغ للحاضر ان ينتفع بقدر حصته من الملك المشترك في حال غيبة الشريك الآخر إذا وجد رضاه دلالة على الوجه الآتي بيانه.

مادة (1079) انتفاع الحاضر بالملك المشترك بوجه لا يضر الغائب يعد رضا من الغائب.

كلا- بل إذا قامت امارة قطعية على رضاه جاز الانتفاع بمقدار سعة الاذن و ضيقه و مع عدمها لا يجوز أصلا أضر أم لم يضر.

مادة «1080» لا يوجد من الغائب رضا دلالة على الانتفاع بالملك المشترك المختلف باستعمال المستعمل

فلا يجوز لبس الألبسة المشتركة في غياب أحد الشريكين و كذا البرذون- اما في الأشياء التي لا تختلف باختلاف المستعمل مثل حرث و تحميل فله استعماله بقدر حصته كما لو غاب أحد الشريكين في الخادم المشترك فللحاضر استخدامه في نوبته.

هذه المادة كما ترى مثل أغلب مواد هذا الفصل مختلة التراكيب مشوهة الأساليب كأنها رطانة أعجمية لا عبارة عربية، و مباني هذه المواد بعضها استحسان و بعضها جزاف لا يساعد عليه عرف و لا قياس و الا فأي فرق بين الألبسة المشتركة و ركوب البرذون المشترك فلا يجوز و بين التحميل و الحرث و استخدام الخادم المشترك فيجوز و ان كان المراد قضية المهايأة فهي لا تتحقق الا مع التراضي أو الخصومة كما سيأتي و على فرضها

ص: 212

فلتكن في المقامين و لتطرد في جميع الأمثلة المذكورة فما وجه التفصيل بغير دليل.

و مثلها مادة (1081) السكنى في الدار لا تختلف،،،

فان سكنى كل واحد منهما ستة أشهر- ان كان مهايأة فهي موقوفة على التراضي أو الخصومة و هو خلاف ظاهر الفرض و هو غياب أحد الشريكين و ان لم يكن مهاياة و تراضى فكل منهما فعل حراما بتصرفه بدون رضا شريكه و عليه الأجرة قليلة كانت العائلة أو كثيرة غائبا كان أحدهما أو حاضر أنعم في غيبة أحد الشركاء و عدم وكيل له و عدم التمكن من استيذانه أو امتناعه من الاذن يراجع حاكم الشرع لصحة تصرف الباقين حسب ما يراه.

اما- مادة (1082) لا يجوز للحاضر ان يسكن في حصة الغائب المشتركة إذا كانت الحصص مفرزة،،،

فهي خروج عن موضوع الشركة إذ لا شركة بعد الافراز فذكرها هنا فضلة مستدرك، و كذا مادة «1083» المهايأة إنما تجري و تعتبر بعد الخصومة فإذا سكن، الى آخرها،، فهي أيضا مختلة بألفاظها و معانيها، و تراكيبها و مبانيها، أما (أولا) فالمهاياة كما تجري في صورة الخصومة تجري في صورة التراضي (ثانيا) لا وجه للحكم بأنه لا يسوغ له ان يطالبه بالأجرة عن المدة «ثالثا» لا وجه للتفصيل بين صورة الحضور و الغيبة غايته انه مع الغيبة المنقطعة التي يتعذر أو يتعسر مراجعة الشريك فيها يراجع حاكم الشرع كما سبق، و حيث عرفت ان

ص: 213

أكثر مواد هذا الفصل مختلة، و تراكيبها كمبانيها منحلة، فالأولى إعطاء الضابطة الكلية و الفذلكة التي يعلم منها حال سائر الفروع و الفروض فنقول انك قد عرفت انه ليس لأحد الشركاء ان يتصرف بالمال المشترك بدون اذن الآخرين بأي تصرف كان فان تصرف بغير اذن منه أو من وكيله أو من حاكم الشرع فان كان التصرف فعلا من الافعال فهو حرام و لزمته الأجرة و الضمان لو تلفت العين الا على قول من يقول بأن الأجر و الضمان لا يجتمعان و لكن يظهر من المجلة في المادة المتقدمة «1075» لزوم الضمان فيما لو أعار البرذون أو آجره و تلف مع لزوم الأجرة للشريك لو حمله بدون اذن و إذا زرع أحد الشركاء الأرض المشتركة بدون اذن الباقين كان الزرع له على ما سبق مكررا من ان الزرع لصاحب البذر و عليه الأجرة لأرباب الأرض فيدفع للشركاء اجرة حصصهم منها و ما ذكروه في مادة «1085» فهو على طول بيانه و قصور تعبيره يرجع الى مهاياة قهرية بين الغائب و الحاضر أو النصف و النصف الآخر من غير تراض و لا خصومة، نعم لو رجع الى الحاكم مع تعذر استيذان الشريك و أجاز له ذلك صح و لا ضمان عليه حينئذ مع فرض التلف نعم أجرة حصة الشريك لا بد منها،،، هذا كله إذا كان التصرف فعلا من الافعال كسكنى الدار أو لبس الثوب و نحوها، اما لو كان قولا كما لو باع أو آجر الجميع أو حصة الشريك وحدها فهو فضولي موقوف على الإجازة و لا يجوز ان يسلم العين و لو سلمها ضمن و صار تصرفا فعليا مع التصرف القولي كما انه لو استلم

ص: 214

الثمن كان امانة بيده لدافعة يجري عليه حكم الأمانات المالكية، هذا كل ما ينبغي أو يجب ان يقال في هذا الموضوع و عليك بتطبيق كل فرع على هذا الأصل، و منه يتضح حال بقية المواد المذكورة في هذا الفصل و ما فيها من صحة و فساد، نعم مادة (1089) بعض الورثة إذا بذر الحبوب المشتركة بإذن الباقين الكبار أو وصي الصغار في الأراضي الموروثة تصير جملة الحاصلات مشتركة بينهم و لو بذر أحدهم حبوب نفسه بالحاصلات له خاصة لكن يكون ضامنا لبقية الورثة حصة نقصان الأرض على زراعته.

و ان كانت تطابق ما ذكرنا من ان الزرع لأرباب البذر و لكن الضمان ليس لنقصان الأرض فقط بل يضمن أجرة الأرض أيضا و مادة «1090» إذا أخذ أحد الورثة مبلغا من التركة و اتجر به قبل القسمة و خسر يكون الخسران عليه كما إذا ربح لا يسوغ لبقية الورثة طلب حصته منه- واضحة الضعف فان هذا الحكم لا يختص بأحد الورثة بل كل من اتجر بمال غيره فان خسر فالخسران عليه قطعا ان لم يكن مأذونا لأنه بحكم الغاصب إذ هو و ان ربح فهو نوع من الفضولي فإن أجاز الشريك كان له ربح حصته و الا كان له رأس ماله و قد مر قريبا في مادة «1073» ان الحاصلات تقسم بين أصحابها على قدر حصصهم.

(تتمة) إطلاق الشركة يتصرف إلى الإشاعة

أي الإشاعة الكسرية من

ص: 215

الكسور التسعة النصف و الثلث و الربع الى آخرها. و قد تستعمل الشركة في أنواع أخرى «منها» الشركة على نحو الكلي في المعين كصاع من صبرة و أرطال معينة من ثمرة هذا النخل «و منها» شركة مستحقي الزكاة و الخمس في النصاب «و منها» شركة الموقوف عليهم في غلة الوقف «و منها» شركة المسلمين في الأراضي الخراجية، و لكل واحد من هذه الأنواع احكام تخصها مذكورة في محالها.

«الفصل الثالث» في (بيان الديون المشتركة)

اشارة

الشركة في الدين مثل الشركة في العين في أكثر الاحكام و الأسباب فلا يكون الدين مشتركا الا بسبب يوجب الشركة و قد تقدم بيان الأسباب الموجبة للاشتراك في العين فمن استدان عينا مشتركة صار الدين الذي في ذمته مشتركا بين أربابها كما ان الميت لو مات و في تركته أعيان يشتركون الورثة في ملك تلك الأعيان كل على حسب نصيبه من الإرث كذلك لو كان له ديون فإنها تكون مشتركة بينهم على حسب حصصهم، و هذا هو السبب الغالب لحصول الشركة في العين و الدين اما مثل المزج و الحيازة و الاتهاب فلا يجري شي ء منها

ص: 216

في الدين إلا الهبة ان صححنا هبة الدين و لكن إذا وقعت الشركة في العين ثم استقرضها آخر أو ابتاعها في الذمة صار الدين مشتركا و كما ان العين المشتركة لا يجوز لأحد الشركاء التصرف فيها بدون اذن الباقين كذلك الدين المشترك فلو قبض أحدهم الدين كلا أو بعضا بغير إذنهم كان فضوليا و مضمونا عليه و يتخير الشريك الآخر بين أخذ حصته منه أو الرجوع بها على المدين و لا يختص أحدهم بما يقبضه بل هو مشترك بينهم على الحصص حتى ان الشركاء لو أجازوا لواحد ان يقبض حصته فقط فقبضها شاركه الباقون فيها لان الدين لا يقسم كما سيأتي ان شاء اللّٰه،، فالمقبوض من الدين للجميع و التالف منه على الجميع، نعم لو وقع الصلح بينهم على ان تكون حصته من دين فلان بحصته من الدين الآخر فيختص كل واحد منهم بدين شخص كان مدينا للجميع فيعود مدينا لواحد صح ذلك و صار مثل بيع الدين على أجنبي، و جل ما ذكروا في هذا الفصل من المواد و كلها تندرج في هذه الجملة التي ذكرناها، و ظهر من جميع ذلك ان كل واحد من الشركاء في المال المشترك حر مطلق العنان في ملكيته من جهة و مقيد مربوط بغيره من جهة أخرى، مثلا إذا أراد ان يتصرف بحصته المشاعة على إشاعتها من دون ان يمس العين بتصرف كان حرا في ذلك و لا يتوقف على مراجعة شريكه أو استيذانه فلو باعها أو اشترى بها أو وقفها صح بقول مطلق لكن لا يدفع العين إلى المشتري و لا يسلطه على حصته إلا بإذن الشريك فالبيع غير موقوف و لكن التسليم و الإقباض موقوف

ص: 217

و هكذا، ثم لا بأس بإبداء بعض الملاحظات على بعض مواد هذا الفصل.

مادة «1100» و ان كان الدين مشتركا فكل واحد من الدائنين له طلب حصته من المديون

و في غيبة أحد الدائنين عند مراجعة الدائن الآخر الحاكم يأمر الحاكم بأداء حصته.

المتعين جعل هذه المادة مع التي بعدها مادة واحدة دفعا لإيهام التدافع فيقال: إذا كان الدين مشتركا فلكل واحد من الشركاء ان يطالب المديون بحصته فان دفعها أو دفع منها لم يجز ان يختص بما قبض بل المقبوض له و لشريكه و الباقي لهما أيضا و ان امتنع المديون لغيبة الشريك الآخر راجع الدائن الحاضر الحاكم فان قبضها بامره اختص بها لأن أمر الحاكم يقوم مقام القسمة و الافراز «و ان كان الدين لا يقسم» كما سيأتي و هذا يغني عن مادة «1102» فإنها تكرار أو توضيح لا حاجة إليه.

مادة (1103) أحد الشريكين إذا اشترى بحصته متاعا من المديون و لم يقبض منه شيئا فلا يكون الدائن الآخر شريكا في ذلك المتاع

لكن له ان يضمنه حصته من ثمن ذلك المتاع و ان اتفقا على ان يكون المتاع مشتركا كان كذلك.

عرفت قريبا ان لكل واحد من الشركاء ان يبيع حصته أو يشتري بها أو يصالح عليها و تكون تصرفاته من هذا القبيل نافذة لازمة من دون حاجة الى إذن شركائه نعم ليس له ان يدفع العين و يسلط المشتري عليها إلا بإذنهم، و عليه فالمتاع الذي اشتراه يكون مختصا به

ص: 218

و لا حق للشريك فيه و ليس له الرجوع على الشريك كما نصت عليه المجلة بقولها (فلا يكون الدائن الآخر شريكا في المتاع) و لكن لا مجال لقولها متصلا به: و لكن له ان يضمنه حصته من ثمن ذلك المتاع،،، بل هو أشبه بالتهافت، نعم يصح هذا فيما لو قبض الحصة ثم اشترى بها لما عرفت من ان المقبوض مشترك لا يختص به القابض فلو اشترى به متاعا كان فضوليا بالنسبة إلى حصة شريكه ان شاء أجاز القبض و الشراء و كان شريكا في المتاع كما هو شريك في باقي الدين و الا فله الرجوع على شريكه بحصته من الثمن أو على المديون بها، هكذا ينبغي تحرير المباحث و تنقيح المسائل و منه تعرف الخلل أيضا في مادة «1104» إذا صالح أحد الشريكين في الدين المشترك المديون على حقه منه على أثواب بز و قبضها فهو مخير ان شاء اعطى شريكه مقدار ما أصاب حصته من الأثواب و ان شاء أعطاه حصته من الحق الذي تركه.

فان التخيير للشريك الآخر بين الإجازة و بين الرد لا للشريك الذي صالح على أثواب البز كما نصت عليه مادة (1105) و هذا أيضا في صورة القبض اما مع عدم القبض و وقوع الصلح أو البيع بما في ذمة المديون من حصة الشريك فكل هذا ساقط و لا حق للشريك الآخر فيما إذا أخذه شريكه بوجه من الوجوه كما سيأتي أيضا توضيحه فتدبره و لا يشتبه عليك الأمر، و بهذا يتبين لك ان الحق في مادة (1105) هو التفصيل فان الشريك إذا قبض تمام الدين المشترك أو بعضه ثم اشترى به متاعا فالشريك الآخر الدائن مخير كما في المجلة ان شاء

ص: 219

أجاز معاملة شريكه و يأخذ حصته منه كما سبق و ان شاء رد و يطلب حصته من المديون، اما لو اشترى بحصته من الدين قبل قبضه لا كلا و لا بعضا فلا حق للدائن الآخر على شريكه بل يرجع على المديون بحصته، اما قول المجلة: و ان هلك الدين عند المديون يرجع الدائن على القابض- فلا اعرف لهلاك الدين و هو كلي في الذمة- معنى محصلا- نعم لو أفلس المديون أو تعذر تحصيل الدين منه لم يختلف الحكم يعني ان اشترى بحصته في الذمة لم يكن للشريك حق و ان قبض و اشترى كان له الرجوع عليه اي على شريكه و عدم إجازته أولا لا يمنع من رجوعه أخيرا نعم يشكل لو كان قد سبق منه الرد فان الرجوع لا يبقى له محل و لا موضع للإجازة فليتدبر.

مادة (1106) أحد الدائنين إذا قبض حصته من الدين المشترك الذي قد عرفت انه لا يختص به

بل هي له و لشريكه على النسبة و حينئذ لو تلفت في يده بغير تعد فان كان القبض بإذن الشريك فالتلف عليهما و الباقي لهما و إن كان بدون اذن أو مع التعدي كان التلف عليه فقط و الباقي عند المديون يكون لشريكه و هذا هو البيان الصحيح هنا لا ما ذكرته المجلة فان ذكر الضمان لا محل له أصلا و قيد بدون تعد منه- لغو- إذ لا ضمان عليه مطلقا مع التعدي و بدونه، نعم يختلف الحكم مع الاذن و عدم التعدي فيشتركان في التالف كما يشتركان في الباقي اما مع عدم الاذن فيختص التلف مطلقا بالقابض و الباقي للشريك الآخر فافهم جيدا و اعرف الفرق بين هذا و بين ما ذكرته «المجلة»:

ص: 220

مادة «1107» إذا استأجر أحد الشركاء المديون بمقابل حصته من الدين المشترك فللآخر ان يضمن شريكه مقدار ما أصاب حصته من الأجرة.

كلا- لاحق للشريك الآخر هنا و لا ضمان و لا رجوع نعم لو قبض الدين و استأجر فللآخر الإجازة أو الرد و لكل واحدة حكمها و بهذا الملاك يظهر الخلل في مادة «1108» أحد الشريكين الدائنين إذا أخذ رهنا عن حصته و تلف في يده فلشريكه ان يضمنه مقدار ما أصاب حصته الى الآخر.

فان أحد الدائنين إذا أخذ على حصته الكلية رهنا فهو مختص به كما لو اشترى بها شيئا حسب ما عرفت من بياناتنا السابقة فلو تلف الرهن تلفا ضمانيا سقطت حصته المقابلة للرهن فقط و يبقى الباقي الذي في ذمة المديون للدائن الآخر فقط كما لو أبرأه أحدهما أو وهبه المنصوص عليه في مادة «1110» إذا وهب أحد الدائنين المديون حصته ..

و لا يكون ضامنا حصة شريكه.

و كذا لو أخذ كفيلا على حصته فإنه كالرهن و الهبة و الاسقاط يختص بها نعم لو احاله بحصته اشتركا لأن الحوالة نوع من الأداء فما في مادة «1109» من طردهما على نسق واحد غير سديد فتدبره.

و كذا لا فرق بين الصورتين في مادة «1111» إذا أتلف أحد الدائنين مال المديون و تقاصا بحصته ضمانا- الى آخرها ففي كلا

ص: 221

الصورتين يصير الدائن مشغول الذمة بقيمة ما أتلفه فيقع التقاص و التهاتر و يبقى الباقي في ذمة المديون للشريك و هو الدائن الآخر و التفصيل بينهما لا وجه له أصلا فتدبره.

مادة «1112» ليس لأحد الدائنين ان يؤجل الدين و لكن له ان يؤجل خصوص حصته فقط و لا يتوقف على اذن الآخر،،،

و الاشتباه و الخلط الواقع في هذه الفروع المندرجة في هذه المواد من المجلة كله ناشئ من الغفلة عن الضابطة التي ذكرناها صدر كتاب الشركة و هي ان كل تصرف يتعلق بالحصة من حيث هي و على كليتها في الذمة أو في العين فهو صحيح نافذ لا يتوقف على اذن الشركاء الباقين اما لو وقع على العين الخارجية أو الحصة المقبوضة من كلي الدين فهو موقوف على اذن الجميع فاغتنمه و تدبره.

(لاحقة) «1113» إذا باع واحد مالا الى اثنين يطالب كل واحد بحصته على حدة

ما لم يكن أحد المشتركين كفيلا للآخر لا يطالب بدينه هذا واضح كوضوح العكس و هو ما لو باع اثنان مالهما لواحد فان اللازم ان يدفع لكل واحد حقه و لا يجوز لأحدهما المطالبة بكل المال الا ان يكون وكيلا عن الآخر.

ص: 222

الباب الثاني في (بيان القسمة

اشارة

و يشتمل على تسعة فصول)

الفصل الأول في (تعريف القسمة و تقسيمها)

مادة (1114) القسمة هي تعيين الحصة الشائعة بعضها عن بعض كالذراع و الوزن و الكيل.

لما كانت القسمة هي ضد الإشاعة و رفعها و الأشياء تعرف بأضدادها و كانت الإشاعة عبارة عن اجتماع الحقوق فالقسمة إذا إفرازها و تفريقها، اما تعريفها كما في «المجلة» بتعيين الحصة الشائعة ففيه من التسامح ما لا يخفى، و على كل فان التعبيرات هنا بأجمعها لا تخلو من قصور و ينكشف هذا الغموض بما ذكرناه من ان حقيقة الإشاعة هي اجتماع

ص: 223

الملاك على ملكية شي ء واحد فهو نحو ضعيف من الملكية، و عليه فالقسمة هي تبديل ملكية ضعيفة لكل واحد من الشركاء في العين بملكية قوية لكل واحد في بعضها، هذه هي الحقيقة الصميمة و بما شئت فعبر عنها.

ثم ان المقياس لا يختص بالذراع أو الوزن أو الكيل بل يحصل بالعد أو المشاهدة أو غير ذلك حسب الأوضاع و الأطوار الزمنية.

مادة «1115» القسمة تكون على وجهين اما جمع الحصص الشائعة في كل فرد ..

الى آخرها هذا التقسيم للقسمة غير واف و لا مستبين (و تحرير البحث) ان القسمة من حيث المال المقسوم و المقسوم عليهم أو باعتبارات اخرى تنقسم إلى أقسام. فمن الحيثية الأولى، نقول ان المال المقسوم اما ان يكون عينا واحدة أو أعيانا متعددة من جنس واحد أو أجناس مختلفة و على كل التقادير فاما ان يمكن قسمته على الحصص قسمة متساوية أم لا و على الثاني اما ان تتعذر القسمة مطلقا أو تمكن مع الرد فان كان متعددا و أمكن القسمة على نسبة الحصص فهي التي تسميها المجلة قسمة الجمع كثلاثين شاة مشتركة فإن كانت لثلاثين أو خمسة عشر أو عشرة فهي صحيحة و ان كانت لثلاثة عشر أو تسعة فهي كسرية، و ان كان المقسوم واحدا و أمكن قسمته أجزاء بحسب الحصص أيضا فهي قسمة التفريق اي تفريق الواحد الى أجزاء، و هو ظاهر في أكثر المثليات من المكيل و الموزون أو كلها كما سيأتي، و ان لم يمكن تقسيمه

ص: 224

أجزاء متساوية بنسبة الحصص فإن أمكن قسمته متفاوتا مع الرد و الجبران فهي القسمة الردية و الا فلا قسمة بل ترفع القضية مع التشاح الى الحاكم فيلزمهما اما بيع حصة أحدهما على الآخر أو على أجنبي و يقسم الثمن و هذا لعله هو الذي يطلق عليه اليوم (ازالة الشيوع) و اما من حيث المقسوم عليهم فاما ان يتفقا على القسمة أو يتشاحا فان اتفقا فهي قسمة تراضي اختيارية و ان تشاحا و رجعا الى الحاكم فالزم بها فهي جبرية و هي التي تعبر عنها المجلة بقسمة القضاء و السابقة بقسمة الرضا كما في مادة (1120) و (1121) و (1122) و ان تشاحا بعد القسمة على الحصص فالقرعة، هذا مجمل ما ينبغي ان يقال في جمهرة أقسام القسمة و منه يتضح مادة (1116) و القسمة من جهة أفراز و من جهة مبادلة و هذا التنويع يبتنى على ما هو المشهور عند الفقهاء هي ان كل جزء يفرض فجزؤه لأحد الشريكين و الآخر للآخر اما على ما اخترناه من ان معناها اجتماع مالكين على الشي ء الواحد فهي مبادلة بين الملكيتين.

فقط و لا إفراز في البين فتدبره جيدا.

مادة (1117) جهة الإفراز في المثليات راجحة

بناء عليه كل واحد من الشريكين في المثليات له أخذ حصته في غيبة الآخر بدون اذنه كلا- لا يجوز عندنا تصرف أحد الشريكين بدون اذن الآخر مطلقا غائبا كان الآخر أو حاضرا قسمة كان التصرف أو غيرها فاما هو أو الحاكم و بدون أحدهما لا يجوز القسمة و لا غيرها،،، و لو تلفت حصة الغائب قبل التسليم تكون الحصة التي قبضها شريكه مشتركة بينهما

ص: 225

بل و التالفة مضمونة يعنى يضمن للغائب حصته منها:

مادة (1118) جهة المبادلة في القيميات راجحة إلى آخرها

يعني بالمثليات ما تتساوى أجزاؤه بالقيمة على النسبة مثلا حقة القمح بأربعة دراهم فالوقية بدرهم اما القيميات فلا تتساوى اجزاؤها بالقيمة فإن مثقال الألماس مثلا بمائة دينار و لكن بعه بعشرة لا بخمسة و عشرين و يريدون ان المثليات اي المتساوية يأخذ الشريك منها نصيبه و لو بدون اذن الآخرين و اما غير المتساوية اي القيميات فلا يجوز و قد عرفت عدم الجواز في الجميع

مادة «1119» المكيلات و الموزونات و العدديات المتقاربة كالجوز و البيض كلها مثليات الى آخرها.

هذه الضوابط للمثليات و القيميات غير مطردة و ليس كل المكيلات و الموزونات مثليات و لا كل الذرعيات قيميات فان أنواع الحلي و المصاغ كلها موزونة مع أنها قيمية و الحبال و الامراس ذرعية مع ان أكثرها مثلية فالأولى الرجوع في كل مورد بخصوصه الى العرف و نظر الحاكم و اجتهاده الخاص في الموضوع.

ص: 226

الفصل الثاني في (بيان شرائط القسمة)

مادة (1123) كون المقسوم عينا شرط فلا يصح تقسيم الدين المشترك الى الآخر.

تقسيم الدين له صورتان إحداهما ما ذكر في هذه المادة من اتفاق الورثة على ان يكون دين مورثهم على الأشخاص المتعددين موزعا عليهم كل واحد لواحد منهم «الثانية» ان يقتسموا الدين الواحد فيكون القسط الأول لواحد و الثاني لآخر و هكذا، و تقسيم الدين بهاتين الصورتين باطل. و ما يقبضه أحدهم كلا أو بعضا يكون مشتركا بين الجميع المقبوض هم و الهالك عليهم و الاخبار المعتبرة عندنا بهذا متوفرة

مادة (1124) لا تصح القسمة إلا بإفراز الحصص و تمييزها

فلو قال أحد أصحاب الصبرة المشتركة من الحنطة خذ أنت ذلك الطرف و هذا الطرف لي لا يكون قسمة.

حق هذا ان يقال ان شرط صحة القسمة معلومية الحصص فلو كانت مجهولة بطلت، و تختلف الجهالة و المعلومية باختلاف الأجناس فمعلومية المكيل و الموزون بكيله و وزنه و معلومية الأرضين بمساحتها و ذرعها

ص: 227

و هكذا و قد تكفي المشاهدة في جملة أشياء كما تكفي في البيع.

و جمهرة شروط صحة القسمة أمور «1» الملكية أي ملكية كل واحد من الشركاء فلو ظهر كون المقسوم كلا أو بعضا مستحقا للغير بطلت في جملة من الصور كما سيأتي قريبا و كذا لو ظهر وقفا فان الوقف لا يقسم نعم يقسم و يفرز عن الملك الطلق لو كان مشتركا معه (2) المعلومية في الحصص فلو كانت مجهولة أو بعضها بطلت (3) تعديل الحصص يعني التساوي و عدم الغبن فلو تبين الغبن فيها على بعض الشركاء بطلت (4) الرضا من الشركاء أو حكم الحاكم أو الوصي أو الولي «5» الطلب في قسمة القضاء من بعض الشركاء «6» قابلية المال المشترك للقسمة بحيث لا تفوت المنفعة المهمة من كل واحد من الحصص بذاته بعد القسمة «7» كون المقسوم عينا خارجية لا دينا و لا حقا.

هذه خلاصة ما أشارت إليه «المجلة» من الشروط في هذا الفصل

اما (مادة: 1125) شرط المقسوم كونه ملك الشركاء حين القسمة فإذا ظهر مستحق للمقسوم الى آخرها.

فخلاصة ما تتضمنه بيان الصور لظهور المستحق و هي محتاجة جدا الى التحرير فإنها من شكاسة التعبير بمكان، و إليك البيان، (1) ان يظهر المقسوم مستحقا للغير بتمامه و البطلان هنا لا يحتاج الى تبيان (2) ان يظهر مستحق لجزء منه مشاع منصف أو ثلث و تبطل هنا أيضا لأن كل حصة من المقسوم فيه حصة للغير فيكون تفريق حقه في

ص: 228

الحصص ضررا عليه اللهم إلا إذا رضي بذلك فتبقى القسمة بحالها و يكون شريكا لكل واحد منهم (3) إذا ظهر مستحق لخصوص حصة معينة من الحصص المقسومة فتبطل القسمة طبعا و تعاد في الباقي للشركاء من رأس (4) ان يظهر مستحق لمقدار معين في حصة معينة من الحصص أو الجزء مشاع فيها و هنا لا تبطل القسمة بل يتخير صاحب الحصة المستحق فيها بين إمضاء القسمة و الرجوع على الشركاء بنقصان ما أخذ المستحق منه و بين فسخ القسمة و إعادتها من رأس (5) ان يظهر مستحق لجزء مشاع في حصة واحد معين و لا تبطل هنا أيضا بل يكون لصاحب الحصة التي فيها الجزء المشاع خيار بين فسخ القسمة و إعادتها و بين البقاء على الشركة مع المستحق الجديد و أخذ النقصان من الشركاء.

«6» ان يظهر مستحق لجزء معين من كلتا الحصتين أو الحصص مع تساوي حقه في كل حصة و هنا تبقى القسمة بحالها و يأخذ المستحق حقه من الجميع (7) ظهور المستحق لجزء معين في الحصتين أو الحصص مع عدم التساوي و الحكم هنا أيضا عدم البطلان و يتخير أرباب الحصص بين فسخها و إعادتها من رأس و بين إبقائها و يرجع صاحب الحصة الناقصة على شريكه ذي الحصة الزائدة.

و من مجموع ما ذكر تتضح جميع مواد هذا الفصل فتدبرها.

ص: 229

«الفصل الثالث» في (بيان قسمة الجميع)

اشارة

عرفت ان مرادهم بقسمة الجمع قسمة الأعيان المتعددة على الشركاء المتعددين سواء كانت من جنس واحد كعشرين شاة أو من أجناس متعددة كشياة و جمال فان كانت متحدة جرت فيها قسمة التراضي بلا اشكال بل و قسمة القضاء من الحاكم كما في مادة «1132»- و كان ينبغي ان يضم إليها أيضا مادة «1133» فيقال الأعيان المتحدة الجنس تجري فيها قسمة القضاء كما تجري قسمة الرضا لعدم التفاوت بين افراد المثليات المتحدة الجنس كعدم الضرر بأحد الشركاء و يكون كل واحد قد استوفى تمام حقه،،، و لا حاجة الى ذلك التطويل و الإكثار من الأمثلة.

مادة (1134) القيميات المتحدة الجنس- الى قولها مثلا خمسمائة شاة مشتركة بين اثنين إذا قسمت نصفين فكأنما أخذ كل واحد منهما عين حقه.

الخدشة في هذا واضحة فإن القيميات غالبا تختلف آحاد الجنس الواحد منها أشد الاختلاف و قلما تتساوى افرادها، خذ مثلا الخمسمائة

ص: 230

شاة التي ذكرتها المجلة فإنك قد لا تجد فيها شاتين متساويتين من حيث السمن أو الهزال و اللون و الصوف و غير ذلك فلا بد في قسمتها من التعديل و لا يصح قسمتها جزافا عددا لكل واحد مائتين و خمسين من دون توازن بين الجيد و الردي و السمين و الهزيل، و يمكن ان يقال ان القاعدة الكلية أو الغالبة ان القسمة في المثليات المتحدة الجنس قسمة جمع لا تحتاج الى تعديل و أظهره في الموزون و المكيل و ما عداها من القيميات أو المثليات المختلفة تحتاج الى تعديل و هذا لازم في كل قسمة رضائية أو قضائية فان التعديل في القسمة ضروري الا ان يسقط أحدهم حقه لشركائه أو لبعضهم فتدبره جيدا و لا يشتبه عليك الأمر كما اشتبه عليهم و مما ذكرنا تتضح بقية مواد هذا الفصل.

الفصل الرابع مادة (1139) تفريق العين المشتركة و تبعيضها ..

ملاك صحة القسمة هنا أعني في الدار و العقار و كافة الأموال الغير المنقولة عدم حصول الضرر على أحد الشركاء بالقسمة و المراد بالضرر هنا عدم إمكان الانتفاع بالحصة انتفاعا معتدا به عند العرف و ان كان في غير الجهة الأولى مثلا لو كانت الدار لا تنقسم الى دارين و لكن يمكن ان تكون دكانين في سوق دائر أو شارع عام فالأقرب صحة الإجبار على

ص: 231

القسمة، و عدم الضرر كما عرفت معتبر في كل قسمة غايته ان المتماثلات المتعددة لا يحصل في قسمتها ضرر غالبا بخلاف القيميات مثل الدار و العقار فإنها مظنة الضرر في الغالب و لذا يلزم فيها الرد للحيران و التعديل في الأكثر و من هنا يستبين لك الخلل في مادة (1140) فإن القسمة إذا كانت تضر بعض الشركاء و تنفع بعضهم لا يمكن للحاكم ان يجبرهم على القسمة بصورة مطلقة كما يظهر من هذه المادة بل لا بدّ من تدارك ضرر الشريك بالرد و الجيران، و الا كان من القسم الذي لا يمكن قسمته كما في مادة (1141) إلى آخر هذا الفصل و كلها واضحة.

الفصل الخامس في (بيان كيفية القسمة)

مادة (1147) المال المشترك ان كان من المكيلات فبالكيل أو من الموزونات فبالوزن .. يصير تقسيمه،، مواد هذا الفصل بأجمعها قد ظهرت من الفصول السابقة و انما ذكرتها المجلة لمزيد البيان و التوضيح و ما فيها مسلم و صحيح سوى ان الأرض المشغولة بالأشجار و النخيل تلاحظ في مجموعها القيمة فإنها من القيميات و لا

ص: 232

تمسح الأرض مستقلة و تذرع و يقوم ما عليها من الأشجار بل يلحظ المجموع شيئا واحدا.

الفصل السادس في (بيان الخيارات)

من المعلوم ان القسمة بعد وقوعها جامعة للشرائط المتقدمة تكون لازمة ليس لواحد منهم فسخها الا ان يكون هناك سبب يستدعي جواز الفسخ و في الحقيقة ان الخيار في القسمة ليس كالخيار في البيع يعنى ان لكل من المتبايعين فسخ البيع و ان كان قد وقع صحيحا جامعا للشرائط و الخيار في القسمة عبارة عن ظهور خلل فيها يكشف عن وقوعها فاسدة فإن تراضوا بها فمعناه إسقاط حق و الا فلكل منهم طلب نقصها و إعادتها صحيحة و لذا فتسميتها خيار فيه نوع من التسامح و لا يجري فيها سوى الخيارات العامة كخيار الغبن و الرؤية و العيب مما يكون مدركه في الغالب وجوب دفع الضرر أو مظنة الضرر كالجهالة الناشئة من عدم الرؤية اما شرط الخيار فيها الى أيام محدودة فلا يبعد صحته بعموم (المؤمنون عند شروطهم) ان قلنا بعموم الشرط و لم نقيده بالعقود و عليه فيصح شرط الخيار في المثليات و في غيرها كما يجري خيار الرؤية فيها فلا وجه

ص: 233

لما في مادة (1155) خيار الشرط و الرؤية لا يكون في قسمة المثليات المتحدة الجنس الى آخرها،،، لما عرفت من ان عدم رؤية الحنطة قبل القسمة توجب جهالة المقسوم و الجهالة تبطل القسمة كما عرفت لا فرق في ذلك بين المثلي و غيره فكما لا يجوز بيع الحنطة المجهولة كذلك لا يجوز قسمتها.

الفصل السابع (في بيان فسخ الإقالة)

سبق قريبا ان القسمة إذا وقعت جامعة للشروط تكون لازمة ليس لأحد الشركاء نقضها و لكن إذا اتفقوا على النقض كان لهم ذلك لأنها حق لهم فقولهم «مادة 1157» بعد تمام القسمة لا يسوغ الرجوع يعني لأحدهم لا لجميعهم و كذا في مادة «1158» في أثناء القسمة إذا خرجت قرعة الأكثر و بقي واحد فأراد أحد أصحاب الحصص الرجوع ينظر ان كانت قسمة رضا فله الرجوع و ان كانت قسمة قضا فلا رجوع.

فإنهم إذا اتفقوا على الرجوع بعد القسمة أو في أثنائها كان لهم ذلك كما صرحت به مادة «1159».

اما إذا تبين الغبن الفاحش كما في مادة (1160) فكما لهم فسخها

ص: 234

لهم إبقاؤها و تدارك ضرر المغبون و لا يتعين الفسخ كما يظهر من عبارة المجلة و كذا في قضية ظهور الدين كما في مادة «1161».

الفصل الثامن (في بيان أحكام القسمة)

مادة (1162) كل واحد من أصحاب الحصص يملك حصته مستقلا بعد القسمة لا علاقة لواحد في حصة الآخر بعد و كل واحد يتصرف في حصته كيف شاء على الوجه الآتي.

يعني حيث لا يكون لأحدهما حق في حصة الآخر من حق مرور أو أعلى و أسفل أو غير ذلك و هذا أمر طبيعي للقسمة و ذكره مزيد توضيح نعم ما ذكره في مادة (1163) من دخول الأشجار في قسمة الأراضي مع عدم ذكرها محل نظر أو منع الا ان تكون هناك قرينة حال أو مقال على ارادة دخولها في الحصة و لا فرق في هذا بين الأشجار و بين الزرع و الفاكهة و كون هذه معرضا للزوال و الانتقال بخلاف الأشجار و الآصال لا يجدي إلا إذا كان هذا المعنى ملحوظا للمتقاسمين و مع الإطلاق و عدم الذكر و عدم القرينة المعينة الرافعة للخصومة تكون القسمة فاسدة فهذه المادة و التي بعدها غير سديدة و ذكر التعبير العام حين القسمة لا يجدي إلا إذا رفع الإبهام و منه يعلم حال

ص: 235

حق الطريق و المسيل و سائر الجهات و المتعلقات و بقية مواد هذا الفصل صحيحة سالمة من الاشكال.

الفصل التاسع «في بيان المهايأة»

مادة «1174» المهايأة عبارة عن قسمة المنافع.

حقيقة المهايأة اتفاق الشريكين أو الشركاء على توزيع المنفعة بينهم على حسب حصصهم في العين و هي معاملة جائزة لكل واحد فسخها متى شاء و ليست هي قسمة حقيقية فإنها لا تصح إلا في العين لا في الدين و لا في المنافع و حيث انها اتفاق و تراض فتصح في المثليات كبعض الثياب و الافرشة مما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه و في القيميات كالدور و الدواب و نحوها فلا وجه لما في مادة (1175) المهايأة لا تجري في المثليات بل في القيميات ليكون الانتفاع بها ممكنا حال بقاء عينها.

مادة (1176) المهايأة نوعان الى آخره.

يظهر منها ان المهايأة في المكان في قبال المهايأة في الزمان مع ان المهايأة في المكان يلزم ضبطها بالزمان رفعا للجهالة و لكن بناء على ما ذكرنا من انها معاملة جائزة لكل منهم فسخها متى شاء فالجهالة زمانا لا تضر فلو قال أحدهما للآخر اسكن هذه الدار مدة و انا اسكن في تلك مدة جاز و ان

ص: 236

لم يعينا المدة نعم تعيين الموضوع من دار أو دابة أو غيرها لا بد منه طبعا و منه يظهر ما في هذه المواد من خلل اعني مادة (1178)- و مادة (1179) فان المهايأة بقسميها لا يلزم فيها تعيين الزمان نعم لا بد من تعيين المكان اما البدء فلو تشاحا فيه استخرجاه بالقرعة و كذا لو تشاحا في المكان كما لو أراد كل منهما الدار المخصوصة أو الغرفة المعينة و لكن الأصح ان المهايأة لا تأتي مع التشاح أصلا بل قوامها و ملاكها الاتفاق و التراضي فإذا تشاحا في جهة من جهاتها و شأن من شؤنها امتنعت و ليس للحاكم ان يجبر عليها و لا معنى أصلا للجبر على المهايأة و لا دليل عليه و انما يصح الجبر على قسمة العين فقط عند التشاح و في ظروف مخصوصة و بهذا ظهر المنع و الخدشة في مادة «1181» و لا فرق في ذلك بين متفقة المنفعة و مختلفتها فتدبره.

و من هنا يظهر الوهن في مادة (1182) أيضا فان الحق ان أحدهما إذا امتنع عن المهايأة و طلبها الآخر لا يجبر عليها الممتنع لأنها قائمة بالرضا و الاتفاق نعم يجبر على القسمة إذا كان المحل قابلا اما في المحل الغير القابل مع التشاح فيجبرهما الحاكم اما على المبايعة أو البيع على ثالث و لا حق له في جبرهما على المهايأة فلا وجه لما في مادة (1183) إذا طلب المهايأة أحد الشريكين فيما لا يقبل القسمة و امتنع الآخر يجبر على المهايأة، و لو كانت المهايأة لازمة و يصح الجبر عليها من الحاكم لم يكن وجه لما في مادة (1184) كل ما ينتفع العامة بأجرته من العقارات المشتركة كالسفينة و الطاحون- الى قولها: لكن إذا زادت غلتها

ص: 237

أي أجرتها في نوبة أحدهم تقسم تلك الزيادة بين أصحاب الحصص،،، فإن زيادة المنفعة حينئذ تكون من نصيبه قضاء للزوم المهايأة فرجوعها إلى أصحاب الحصص دليل على ان الشركة حتى في المنافع باقية على حالها و ليس إلا الإباحة اما- مادة «1185» من جواز ان يوجرها لغيره فالأصح انه انما يصح إيجارها إذا رضي الشركاء بذلك و الا فهو ممنوع و لا يجوز له ذلك.

مادة «1186» بعد ان حصلت المهايأة على استيفاء المنافع بدء الى آخرها،،،

حاصل هذه المادة المستطيلة ان المهايأة إذا حصلت على استيفاء المنافع و كانت غلة أحد الشركاء في نوبته أكثر فليس للباقين مشاركته بالزيادة اما إذا كانت على الاستغلال من أول الأمر و كانت غلة احدى الدارين مثلا أكثر لم يشاركه الآخر في الزيادة.

و الظاهر ان هذا الحكم تحكم صرف و لا يكاد يظهر وجه صحيح للفرق بين الصورتين و الحق المشاركة فيهما مع الإطلاق اما مع الشرط فهو المتبع ان قلنا بلزوم مثل هذه الشروط الابتدائية أي التي لا تقع ضمن العقود اللازمة نعم للشركاء ان يسقطوا حقهم من الزيادة و هذا أمر آخر لا دخل له بالمهاياة فتدبره جيدا.

مادة (1187) لا تجوز المهايأة على الأعيان فلا تصح المهايأة على ثمرة الأشجار المشتركة و لا على لبن الحيوانات و صوفها إلخ،،،

بعد ما عرفت ان حقيقة المهايأة الاتفاق و الرضا من الشركاء

ص: 238

على توزيع المنافع و إباحة كل منهم للآخر منفعة حصته على التبادل- يتضح لك انه لا مانع من المهايأة في الأمثلة المذكورة اجمع و هي و ان كانت أعيانا و لكنها في نظر العرف منافع فإن منفعة الشجرة ثمرتها و منفعة الشاة صوفها و لبنها و حليبها و هكذا، و لذا جازت إجارة الشاة و الشجرة باعتبار تلك المنافع و كذا تجوز العارية فيها مع ان الإجارة و العارية لا يتعلقان بالأعيان إلا باعتبار منافعها كما مر موضحا في كتاب الإجارة و العارية- إذا لا مانع من المهايأة في الشجرة المشتركة بأن يكون سنة لهذا و سنة للآخر و هكذا الزرع و البقرة و الشاة غايته انها لو لم تثمر في السنة الثانية يرجع على الشريك فيما استوفاه لما عرفت من انها جائزة و إباحة مقيدة بإباحة ما يقابلها من المنفعة فهي تشبه المعاوضة بل هي في الحقيقة معاوضة ارتكازية فإذا لم يسلم العوض لأحدهما عادت الشركة إلى حالها و لم يكن هناك تمليك حتى يقال انه قد ملكه حصته من المنفعة فلا وجه للرجوع عليه بل هي إباحة بإباحة و لكنها مقيدة مشروطة ضمنا فتدبره جيدا فإنه ثمين.

مادة (1188) و ان جاز فسخ المهايأة الحاصلة بالتراضي لأحد الشريكين

لكن إذا آجر أحدهما في نوبته لآخر فلا يجوز لشريكه فسخ المهايأة ما لم تنقص مدة التواجر.

عرفت ان الشريك ليس له الإجارة في المهايأة المطلقة بل هي منصرفة إلى الانتفاع مباشرة نعم لو أجاز له صريحا ان يؤجر صح و الفرض ان المهايأة معاملة جائزة فهل له بعد الإجارة ان يرجع جريا

ص: 239

على حكم المهايأة أم ليس له ذلك لان الإجارة عقد لازم و قد وقعت باذنه وجهان و أوجه منهما الجمع بين الأمرين فيقال ان له فسخ المهايأة و تبقى الإجارة للأجنبي على حالها لأنها وقعت برضا الشريكين و تكون الأجرة في المدة الباقية لهما معا.

مادة (1189) و ان لم يجز لواحد من الشركاء ان يفسخ المهايأة الجارية بحكم الحاكم فلكلهم فسخها بالتراضي.

عرفت ان المهايأة لا مجال لدخول الحاكم و حكمه فيها و لكل واحد منهم فسخها متى شاء فضلا عن اتفاقهم، و منه يعلم الخلل في مادة (1190) و مادة (1191) فإن لكل واحد من الشركاء فسخ المهايأة سواء أراد بيع حصته أو أراد ان يعيد المال المشترك الى حالة القديم بلا سبب و الحاكم معزول هنا بتاتا، كما انها يموت أحد الشركاء تبطل قطعا و (القصارى) ان أصحاب [المجلة] يرون أن المهايأة كالقسمة لازمة أو كعقد لازم كما يشعر به تعريفهم لها بأنها قسمة المنافع و لكنها دعوى لا تستند على دليل و ليست هي من القسمة في شي ء و ان أشبهتها في بعض الشي ء فخذها حقيقة ناصعة و لا تتوهم كما توهموا و للّٰه المنة و منه التوفيق.

ص: 240

الباب الثالث في (بيان المسائل المتعلقة بالحيطان و الجيران

اشارة

و يشتمل على) (أربعة فصول)

الفصل الأول في (بيان بعض قواعد في أحكام الاملاك)

مادة (1192) كل واحد يتصرف في ملكه كيف شاء

لكن إذا تعلق به حق الغير يمنع المالك من تصرفه على وجه الاستقلال- الى قولها فليس لأحدهما أن يفعل شيئا مضرا إلا بإذن الآخر و لا ان يهدمه بنفسه.

كل ما في هذه المادة صحيح و إذا انهدم الفوقاني يشتركان في عمارته لان منفعته تعود لهما و إذا عمراه يكون ملكا لهما.

مادة (1193) واضحة و قد تقدم حاصلها في مباحث الشركة مادة (1194) كل من ملك محلا صار مالكا ما فوقه و ما تحته

ص: 241

أيضا- الى آخرها، يعنى ان من يملك عقارا بوجه مطلق يكون له من تخوم الأرض إلى عنان السماء و له ان يتصرف في أعلاه و أسفله كيف شاء من حفر بئر في باطن الأرض أو بناء منارة إلى السماء نعم لا يجوز ان يمتد تصرفه الى فضاء جاره كما في مادة «1195» من أحدث في داره بيتا فليس له ان يبرز رفرفه على هواء دار جاره.

مادة «1196» من امتدت أغصان شجر بستانه الى دار جاره فللجار ان يكلفه بتفريغ هوائه بالربط أو القطع

لكن إذا ادعى الجار ان ظل الشجرة مضر بمزروعات بستانه لا تقطع الشجرة،، ان كان المراد ان الجار الذي امتدت أغصان الشجرة إلى بستانه يدعي ان ظلها مضر بمزروعاته و اثبت ذلك فالقطع هنا اولى من الصورة الأولى التي أوجبت المجلة الربط أو القطع فيها كما هو واضح و ان كان المراد ان صاحب الشجرة الممتدة إلى الجار يدعي ان قطعها يضر بمزروعاته فالحكم بأنها لا تقطع لا وجه له لان دفع ضرره لا يسوغ له التصرف في ملك الغير بغير حق فهذا الحكم جزافي على كلا التقديرين.

ص: 242

الفصل الثاني في (بيان حق المعاملات الجوارية)

مادة «1198» كل أحد له حق التعلى على حائط ملكه و بناء ما يريد و ليس لجاره منعه،، «الضابطة العامة» في تصرف الإنسان بملكه- ان كل أحد له ان يتصرف كيف شاء يملكه بشرطين ان لا يكون ملكه متعلق حق للغير، و ان لا يكون موجبا لضرر الغير و عدا ذلك فجميع تصرفاته مباحة له، و تقييد الضرر بالفاحش لا وجه له بل قاعدة نفي الضرر الحاكمة على قاعدة السلطنة تقتضي منع كل ضرر و إضرار بالغير غايته ان بعض افراد الضرر لقلته و حقارته لا يعتد به عند العرف و يعد كلا ضرر و تشخيص مصاديق الضرر و تمييز المعتد به من غيره و الفاحش من غيره موكول الى العرف و أهل الخبرة و لكل حادثة حكمها، و لكل بلد تقاليدها، و لكل زمان أطواره، و ليس لذلك قاعدة كلية مطردة بل يختلف الضرر باختلاف المكان و الزمان و الأشخاص و البلدان و ما ذكرته «المجلة» في مادة «1200» من أمثلة الضرر الذي يجب رفعه مبنى على

ص: 243

الغالب و الا فقد لا يعد في بعض القرى أو البلدان مثل تلك الأمور ضررا كما ان ما ذكر في مادة «1201» من ان منع دخول الشمس و سد الهواء ليس ضررا و ليس فاحشا غير مطرد بل الغالب انه ضرر فاحش بل أفحش لان سد الهواء و منع الشمس يوجب الأمراض المهلكة و الحياة التعيسة كسد الضياء، و ما ذكروه في مادة (1202) رؤية المحل الذي هو مقر النساء، كصحن الدار و المطبخ و البئر يعد ضررا فاحشا الى آخره- لا يعد ضررا فضلا عن كونه فاحشا عند كثير من الأمم التي لا تعرف الحجاب و لا تلتزم ببعض التقاليد و الآداب و لا تتحاشى من تطلع جارها على دارها و هكذا،،، و الغرض ان المجلة نظرت الى حال الشرقيين بل الى حال البعض منهم و تقاليدهم و عاداتهم و الا فالقضية غير كلية و إناطتها بنظر الحاكم و أهل الخبرة في كل بلد أو قرية حسب أوضاعهم و خلائقهم و أخلاقهم أصح و أوضح أما- مادة «1207» و ما بعدها الى «1210» فجميعها يبتنى على قاعدة «القديم على قدمه» فإذا أحدث رجل دار أو لجاره شبابيك قديمة فليس له سدها لان القديم على قدمه و هكذا في أمثاله مما يطول تعداده، و اما- مادة «1210» و مادة «1211» فهما مبنيان على قضية الشركة و حيث ان الحائط مشترك فليس لأحدهما أن يتصرف فيه بدون اذن الآخر فرفع الجذوع إلى الأعلى لا يجوز فإن الأعلى ليس له نعم له ان يخفضها إلى الأسفل لان الأسفل له.

ص: 244

«الفصل الثالث» في (الطريق)

اقحام هذا الفصل و الذي بعده في هذا الباب اعني باب قواعد أحكام الأملاك لا وجه له فان الطريق ليس من الاملاك لا العامة و لا الخاصة بل الطرق من المباحات العامة و منفعتها الخاصة و هي المرور حق لكل البشر و لكنه حق الانتفاع لا المنفعة كما سبق بيانه فوجوب رفع الأشياء المضرة بالمارين هي من احكام الطرق لا من أحكام الاملاك نعم احكام الطريق الخاص قد تدخل في هذا الباب باعتبار كونها ملكا أو تشبه الملك، و قد حكمت المجلة في مادة «1223» انه لا يسوغ لأصحاب الطريق الخاص ان يبيعوه و لو اتفقوا و لا يسوغ ان يقسموه بينهم و لا يسدوا فمه، و لكن الظاهر من بعض فقهائنا انه حق لهم فلو تبايعوه بينهم أو اقتسموه كان لهم ذلك و هو أقرب الى الاعتبار و لا ينافيه ان فيه حق المرور لكل واحد فان هذا الحق لهم ما دام الطريق مفتوحا اما إذا زال فلا حق لهم و تسمى هذه الطرق عندنا بالطرق «المرفوعة» و لعلها لارتفاعها عن الطريق العام أو لغير ذلك

ص: 245

الفصل الرابع في (بيان حق المرور و المجرى و المسيل)

مواد هذا الفصل كلها تبتني على ثلاث قواعد (1) قاعدة (الضرر يزال) (2) (القديم على قدمه إذا كان مشروعا) (3) (المبيح له الرجوع عن إباحته متى شاء) فلو اذن صاحب العرصة بالمرور فيها لشخص له الرجوع عن اذنه متى شاء مهما طالت المدة فإن قاعدة القديم على قدمه انما تعتبر في الأمور المشروعة المجهولة السبب عند جيلنا اما لو علمناه فالحكم للسبب لا للقدم مثلا لو وجدنا دارا يجري عليها ميزاب من دار الغير و هو قديم فنحكم بلزوم بقائه من جهة قدمه اما لو علمنا أو ظهرت ورقة أو بينة بان صاحب الدار أباح للجار وضع الميزاب على داره و قد رجع عن إباحته فلا ريب ان قاعدة القديم تسقط و العمل على قاعدة الإباحة و الرجوع فيحكم الحاكم برفع الميزاب و هذا نظير قضية (اليد) التي هي من أقوى الأمارات على الملكية و لكنها انما يعتمد عليها حيث تكون مجهولة السبب اما لو علم سببها فالعمل على السبب مثلا لو وجدنا دارا بيد شخص تلقاها من أبيه و جده و ادعاها آخر نحكم بأنها لصاحب

ص: 246

اليد حتى تقوم الحجة على انها ليست له اما لو ظهر من امارة أو بينة انه قد استأجرها جده من أجداد المدعي أو أباحها له فان اليد تبطل و يطالب بالبينة على انها قد انتقلت بناقل شرعي و الحاصل ان الأمارات و القواعد جلها أو كلها انما تكون معتبرة حيث تكون مجهولة السبب و هذه فائدة ثمينة فاحتفظ بها، و للّٰه الفضل و المنة و منه نستمد التوفيق

ص: 247

الباب الرابع في (بيان شركة الإباحة

اشارة

و يشتمل على سبعة فصول)

الفصل الأول في (بيان الأشياء المباحة و غير المباحة)

مادة (1234) الماء و الكلاء و النار مباحة و الناس في هذه الأشياء الثلاثة شركاء.

قد عرفت فيما سبق ان الشركة هنا لغوية لا بمعناها المصطلح بل الاشتراك هنا بمعنى عموم الحكم لعامة البشر فاباحة الانتفاع و التملك لشي ء من هذه المواد الحيوية عام لجميع الأنام كعموم سائر الاحكام و الأصل في هذا- الحديث النبوي المشهور-: الناس شرع سواء في ثلاثة أشياء الماء و الكلاء و النار.

و المباحات العامة أكثر من ذلك كالصيد و الأحطاب و ثمار الأشجار في الغابات و غير ذلك كما سيأتي.

ص: 248

و لا ريب ان المراد اشتراكهم فيه قبل حيازة أحد لشي ء منه فالماء الذي نقله إنسان من الفرات و شبهه مملوك له انما المباح العام هو ماء الفرات في مجاريه و مجاري السيول و القنوات العادية فليس لأحد منع غيره من الاستقاء منها و الحيازة اما الذي يحوزه إنسان في نهر صغير في أرضه أو داره أو بستانه فقد ملكه و لا يجوز الأخذ منه بغير اذنه و مثله الكلام في الكلاء و هو النبات في الأراضي الواسعة و الغابات بل و أشجارها و ثمارها أو أشجار الجبال و الأودية قبل حيازة أحد لشي ء منها و كذلك النار فلو أوقد إنسان نارا في فلاة من الأرض فليس له ان يمنع غيره من الاستضاءة بها أو التدفئة بالقرب منها أو الاقتباس من جذوتها نعم ليس له ان يحمل جمرة منها أو فحمة خشب منها لأنها مملوكة لموقدها فلا يجوز أخذها إلا بإذنه كما انه لو أوقد نارا في داره ليس لأحد ان يدخل الدار للتدفئة أو الاستضاءة بدون اذنه بخلاف ما لو كانت في صحراء مباحة كما في مادة «1261» الآتية، و من مادة «1235» إلى مادة «1241» كما ان الكلاء النابت في الأراضي التي لا صاحب لها مباح كذلك الكلاء النابت في ملك شخص بلا تعاطي سببه أيضا مباح الى آخرها.

هذا التقسيم سقيم و تحكم بلا دليل حتى من قياس و نحوه فاز النابت في ملك إنسان و لو من غير سببه يدخل في ملكه قهرا كما نبعت عين ماء في أرضه أو في داره أو ظهر معدن فيها و نحو ذلك مما لا إشكال في صيرورته ملكا له سواء تعاطى إيجاد السبب أم لا فلواذ

ص: 249

لشخص بالدخول الى داره أو عقاره فدخل لم يجز له ان يتصرف بشي ء من ذلك النبات أو الماء الا بإذن خاص من المالك كالأشجار النابتة من نفسها في ملك إنسان حسب ما نصت عليه مادة «1244» الأشجار النابتة بلا غرس في ملك أحد هي ملكه ليس لأحد ان يحتطب منها الا بإذنه فإن يفعل يكن ضامنا.

و هذا صحيح لامرية فيه انما العجب هو التفرقة بين النبات فهو مباح و بين الشجر فغير مباح مع اتحاد الملاك في المسألتين فليتدبر

مادة «1247» الصيد مباح.

يعني انه من المباحات العامة إذا لم يكن قد صاده أحد قبل ذلك اما لو صاده و كان من عادته العود فلا إشكال في حرمة صيده اما لو لم يكن من عادته العود فمحل اشكال و يجوز حمل الصيد على المصدر كما يجوز حمله على اسم العين و سيأتي بيان احكام كل واحد منهما في الفصل السابع

الفصل الثاني

مادة «1248» أسباب التملك ثلاثة (الأول) النقل من مالك الى مالك آخر كالبيع ..

قدمنا لك في بعض الأبحاث السابقة ان أسباب الملك نوعان قهرية و اختيارية و تحت كل نوع من هذين أصناف و أظهر أسباب

ص: 250

التملك القهري- الإرث- و الجنايات و الاروش و النذور و ما الى ذلك، و أظهر أسباب التملك الاختياري الاكتساب و البيع و الشراء و الصيد و الحيازة و احياء الموات و ما الى ذلك و لا حاجة في أمثال الصيد و الحيازة إلى وضع اليد لا حقيقة و لا حكما بل المدار على صدق الاستيلاء عرفا و منه التحجير الذي يثبت به حق اختصاص في المباح إلى أمد معين اما لو نصب شبكة فوقع الصيد فيها فقد ملكه بالاستيلاء حقيقة و لا يجوز لغيره ان يتصرف به بدون إذن الحائز الأول و لو أتلفه كان ضامنا كما في مادة «1249» كل من أحرز شيئا مباحا كان مالكا له مستقلا الى آخرها.

مادة (1250) كون الإحراز مقرونا بالقصد لازم.

هذا البحث مبتور هنا، و حقه، ان يقال ان التملك الاحياء مشروط بشروط «1» انتفاء يد الغير فلو كان على الأرض يد معتبرة شرعا لم يصح للغير إحياؤها «2» عدم ملك سابق لمسلم أو معاهد فلو كانت مملوكة لأحدهما و لم يتحقق الاعراض أو السبب المزيل لم يجز إحياؤها بناء على عدم بطلان الملكية بالموتان «3» ان لا يكون حريما لعامر «4» ان لا يكون مشعرا للعبادة كمنى و المشعر و عرفة و نحوها «5» ان لا يكون متعلقا به حق الغير فلا يكون مما أقطعه الإمام أو السلطان لأحد المسلمين أو غيرهم فإنه يكون اولى به و لا محجرا اي قد شرع أحد في إحيائه بوضع علامة من مرز أو حفر نهر أو نحو ذلك «6» ان يكون الإحياء أو الحيازة بقصد التملك فلو فعل أحد الأسباب

ص: 251

بدون قصده أو بقصد غيره لم يملك و الظاهر الاتفاق على هذه الشروط و لا ينافي شرطية قصد التملك ما ذكرناه من ان الحشيش النابت في أرض شخص أو داره ملك له و ان لم يعمل سببه فإن ملكية هذه الأشياء بالتبعية لا بالحيازة و الاحياء و هو ظاهر و هناك شرطان آخران لم يتحقق الاتفاق عليهما و ان ذهب الى اعتبارهما جماعة و هما اشتراط اذن الامام عند حضوره أو نائبه عند غيبته «و الثاني» تحقق الاحياء و تماميته فلا ملكية إلا بعد صدق كونه قد أحياها عرفا، و لا بأس بهذين الشرطين و ان كان الدليل عليهما غير ظاهر، و سيأتي ذكر بعض هذه الشروط في الفصل الخامس- اما مادة «1251» يشترط في إحراز الماء انقطاع جريه فالبئر التي ينز ما فيها من الماء لا يكون ماء محرزا فلو أخذ شخص من الماء المجتمع في هكذا بئر تنز بدون إباحة صاحبه و استهلكه لا يلزمه الضمان إلخ- لم اعرف وجهه فإن البئر إذا كانت مملوكة لشخص فماؤها ملك له لا يجوز لغيره ان يأخذ منه بدون اذنه انقطع جري الماء أو لم ينقطع و هكذا الحوض اما إذا لم تكن مملوكة لشخص فهي من المباحات يجوز لكل أحد الأخذ من مائها انقطع جريها أيضا أم لا، و دعوى ان الماء الذي لا ينقطع جريه يستمد قوته من المياه الجارية تحت الأرض و هي غير مملوكة، فسادها غني عن البيان.

ص: 252

الفصل الثالث في (بيان أحكام الأشياء العمومية المباحة)

جميع مواد هذا الفصل واضحة لا مناقشة فيها و قد تقدم بعضها و هي من لوازم الإباحة العامة.

الفصل الرابع في (بيان حق الشرب و الشفعة)

و جميع موادة أيضا واضحة جليلة المدرك، نعم في مادة «1268» يسوغ لمن كان ضمن ملكه ماء متتابع الورود سواء كان حوضا أو نهرا ان يمنع طالبه من الدخول في ملكه لكن إذا لم يوجد في قربه ماء مباح غيره للشرب يجبر صاحب الملك على إخراج الماء لذلك الطالب أو إعطائه الرخصة بالدخول لأجل أخذ الماء و ان لم يخرج له الماء فله حق الدخول و أخذ الماء.

فإنه- لا يخلو من اشكال فإن إجبار المالك على إخراج الماء

ص: 253

أو الدخول قهرا عليه الى داره كل ذلك مناف للقواعد العامة كقاعدة السلطنة و نحوها و لكن يمكن لولي الأمر أو نائبه العام أو الخاص ان يجبر المالك كذلك نظرا للصالح العام و حفظ النظام و استبقاء حياة النفوس و ان كان مخالفا للقواعد العامة الا انه لو اقتحمنا هذه العقبة الكؤد و قلنا بجوازه و تخريج دخوله فلا بد من دفع القيمة و يكون كقضية الأكل في المخمصة فليتدبر.

الفصل الخامس في (إحياء الموات)

مادة (1270) الأراضي الموات هي التي ليست ملكا لأحد و لا هي مرعى و لا محتطب إلخ.

ذكرنا قريبا شروط التملك بالاحياء و منه يتضح لك حدود الأرض الموتان التي يجوز إحياؤها حتى تصير ملكا لمحييها و أقرب تعريف للأرض الميتة انها هي التي لا تصلح للزرع بحالتها الحاضرة بل تحتاج الى علاج غير الحرث و السقي إما لكونها مغمورة بالماء كالاهوار و الأجم أو لبعد الماء عنها فتحتاج الى شق نهر أو آلة موصلة و أمثال ذلك و مع هذا فإرجاع ذلك الى العرف أقرب الى الصواب، اما اشتراط بعدها

ص: 254

عن أقصى العمران كما في هذه المادة فغير لازم نعم ان كان ذلك الموات من مرافق البلد و محل حاجتها و لو في بعض السنة فضلا عما لو كان مرعى أو محتطبا و محتصدا فلا إشكال في عدم جواز إحيائه لأنه حريم للعامر و كذا لو كان حريما لبئر البلد و أمثال ذلك كما سبق ذكره و نصت عليه مادة «1271» الأراضي القريبة إلى العمران إلخ،،، اما لو خلت من كل ذلك جاز إحياؤها و ان كانت متصلة بالبلد أو العمران فتدبره.

مادة «1272» إذا أحيا شخص أرضا مواتا بالاذن السلطاني صار مالكا لها إلخ،،،

يظهر من هذه المادة ان أصحاب المجلة يعتبرون اذن السلطان شرطا في التملك بالاحياء و قد تقدم ان بعض فقهائنا يعتبر هذا الشرط أيضا و لكنه خلاف إطلاق الحديث المشهور (من أحيا أرضا فهي له) نعم بناء على ان الموات من الأنفال التي هي للّٰه و لرسوله كما يدل عليه الحديث المشهور (موتان الأرض للّٰه و لرسوله فمن أحيا أرضا ميتة فهي له) يكون اذن الامام أو نائبه شرطا و لا ينافيه الإطلاق انها للمحيي فإن المراد منه ان المحيي بشروطه يكون مالكا إذ لا ريب ان ليس كل من أحيا يملك و على كل فاستيذان الإمام أو نائبه الخاص أو العام ان لم يكن أقوى فلا ريب انه الأحوط.

مادة (إذا أحيا شخص أرضا مواتا و بعده جاء آخرون أيضا و أحيوا الأراضي التي في أطرافها الأربعة) إلخ.

ص: 255

بل ليس للآخرين ان يحيوا طريق المحيي الأول لأنه من مرافقه و لوازمه فيملكه بالتبع و لا يجوز لغيره التعرض له.

مادة «1277» وضع الأحجار أو الشوك- ليس بإحياء و لكنه تحجير.

الفرق بين الاحياء و التحجير واضح مفهوما و حكما فان التحجير هو الشروع في مقدمات الإحياء أو وضع علامات حيازة الأرض و ان لم يكن لها دخل بالاحياء اما الاحياء فهو صلاحية الأرض فعلا للزرع اي لإلقاء البذر فيها و سقيه و حكم الاحياء حصول الملكية به اما التحجير فتحصل به الأولوية و لكنه حق يورث يصح المصالحة عليه و أخذ المال بالمعاوضة عليه نعم يمهله حاكم الشرع أو السلطان حسب ما يراه و لا يتقيد بسنة أو ثلاث بل بما يراه الحاكم حسب اختلاف الظروف و الأحوال فان لم يكمل إحياءها في تلك المدة يسقط حقه و ينتزعها منه و يدفعها لغيره و بهذا يتضح ما في المواد الباقية في هذا الفصل من مادة «1278» إلى مادة «1280».

الفصل السادس (في بيان حريم الآبار المحفورة و المياه المجراة و الأشجار المغروسة) (بالاذن السلطاني في الأراضي الموات)

مادة «1281» حريم البئر يعني حقوقها من جهاتها من كل طرف أربعون

ص: 256

المراد ان من حفر بئرا في أرض موات فإنه يملك من كل جهة من جهاتها الأربع أربعين ذراعا تسمى حريما للبئر كما ان حريم العين المستخرجة خمسمائة ذراعا، أما الذي ذكره فقهاؤنا في هذا المقام فهو ان حريم الطريق شارعا أو غيره إلى الأملاك أو غيرها خمسة و قال الأكثر سبعة فلا يجوز الأقل و يجوز الأكثر بل قد يجب عند الحاجة، و حريم العين الف ذراع في الأرض الرخوة و خمسمائة في الصلبة بمعنى انه لا يجوز لغيره ان يستخرج عينا في هذه المساحة فإن أحياها كانت له و إلا جاز لغيره إحياؤها و لازمة جواز استخراج بئر أخرى للآخر، و حريم بئر الناضح اى البعير الذي يسقي الزرع ستون ذراعا و بئر المعطن أي البئر التي اتسق الإبل منها و تشرب من مائها أربعون ذراعا و حريم الحائط و الدار مطرح الآنة من تراب و رماد و كناسة و نحوها و كل هذه المقادير بين ما ورد رواية به و بين ما اقتضاه الاعتبار و العرف و لذا أهمل بعض الفقهاء اعتبارها و ارجع التقدير الى حد الضرر فلكل واحد من تلك العناوين من الأرض حولها ما تقتضيه حاجته عرفا و ما يستلزم تطرق الضرر عليه في الأقل منه و ليس هنا تعبد شرعي بمقدار معين بل الأحاديث الواردة في هذه المواضع ناظرة إلى العرف في تلك الأعصار فالأصح إناطة ذلك الى نظر أولياء الأمور الصالحين المصلحين حسب ما تقتضيه المصالح العامة و الخاصة و هي تختلف باختلاف الأزمان و البلدان و الظروف و الأحوال مع التجريد عن الأغراض و الإخلاص للّٰه تعالى و للأمة في النية و العمل و اللّٰه ولي التوفيق و هو العالم بالسرائر.

ص: 257

مادة (1288) إذا حفر شخص بئرا في خارج حريم بئر فذهب ماء البئر الاولى الى الثانية فلا شي ء عليه.

هذا إذا لم يعد بنظر العرف تسبيبا لمنع الماء عن الأولى و الا فهو مشكل و كذا في قضية الدكان.

الفصل السابع في (بيان المسائل العائدة إلى أحكام الصيد)

مادة «1292» الصيد جائز،،،

المشهور عند فقهائنا ان صيد اللهو حرام و سفره سفر معصية يوجب الإتمام و انما يحل الصيد إذا كان للكسب و التجارة أو للقوت و هو من المباحات العامة التي تملك بالحيازة و لا يكون الا للحيوان الممتنع و هو لا يخلو اما ان يكون في الهواء أو في الماء أو على الأرض و لكل واحد من هذه المواضع آلات تخصها و آلات تشترك فيها و قد ذكرت (المجلة) في هذه المادة بعضا من المختصة و المشتركة فالآلات الجارحة كالرمح و السهم و البندقة تشترك في صيد ما في الهواء و ما في الأرض و يختص الكلب و الجوارح بصيد ما على الأرض و تشترك الشبكة بصيد ما في

ص: 258

الأرض و ما في الماء، ثم ان المجلة لم تستوف شروط حلية الصيد و هي أهم ما في المقام فنقول ان الآلة إذا أصابت الصيد فإن بقي حيا و أدرك حياته و كان مأكول اللحم لم يحل أكله إلا بتذكيته الشرعية و ان مات و استند موته الى تلك الآلة حل اكله و لكن بشروط «1» ان يكون الحيوان حلال الأكل كالبقرة الوحشي و الحمر الوحشية و الوغل و الغزال لا كالثعالب و الأرانب و نحوها من الوحوش و ان حل استعمال جلودها بالتذكية «2» التسمية عند إرسال الكلب أو إطلاق السهم أو البندقة فلو لم يسم عمدا حرم الصيد إذا لم يدرك ذكاته و لو نسيها حل «3» القصد الى الصيد فلو رمى لاهيا فأصاب حيوانا لم يحل «4» ان يكون المرسل مسلما فلو كان كافرا لم يحل «5» ان يقتل السهم و ما بحكمه من الآلات يحده لا بثقله يعني ان يكون محددا و لو من غير نصل فيخرق الجلد و اللحم و يقتل الصيد (6) ان ان لا يغيب عنه و حياته مستقرة فلو غاب ثم مات و لو بعد ساعة و لم يعلم ان الموت استند الى الكلب أو السهم لم يحل (7) ان يستند الموت الى الكلب أو الآلة فلو اصابه السهم و تردى من شاهق أو وقع في نهر فمات غرقا لم يحل (8) ان لا يكون الحيوان مملوكا فلو ظهرت عليه آثار الملكية كجرس في رجله أو طوق في عنقه لم يحل صيده و لا اكله، و مما ذكرنا يظهر ما في مواد هذا الفصل من المجلة مثل مادة (1293) الصيد هو الحيوان المستوحش من الإنسان،،، فإن المدار ليس على استيحاش الحيوان بل المدار على كونه ممتنعا بذاته لقدرته على الطيران

ص: 259

بجناحه أو العدو برجله فالحمام الذي يأوي إلى البيوت و يسكن فيها مع أهلها مستأنس غير مستوحش و مع ذلك يجوز صيده.

و مثل مادة (1294) كما ان الحيوانات الأهلية لا تصاد كذلك الحيوان البري المستأنس بالإنسان لا يصاد- بناء على ذلك الحمام المعلوم انه غير بري بدلالة أمثاله أو الصقر الذي برجله الجرس أو الغزال الذي في عنقه الطوق إذا أمسكها أحد تكون من قبيل اللقطة فيلزمه الإعلان بها كي تعطى لصاحبها.

فإنها مختلفة منحلة- ضرورة أن الحمام و الصقر و الغزال الحاملة لتلك العلائم و الاوسمة انما لم يصح صيدها لأنها مملوكة للغير لا من جهة أنها مستأنسة بالإنسان ألا ترى أن الحمام المستأنس في بيوت الناس يصح صيده إذا لم يكن عليه علامة ملك سابق فالاستيناس و التوحش لا ربط له بقضية الصيد أصلا إنما المهم ان لا يكون مملوكا و ان يكون ممتنعا كما في مادة (1295) شرط الصيد كونه ممتنعا عن الإنسان إلخ، و هذا اي الامتناع هو المدار في ملكية الصيد فمن رمى حيوانا و اصابه بحيث لا يقدر على الفرار و زال منه قدرة الامتناع ملكه و الا فلغيره ان يصيده و يملكه كما في مادة (1297) الصيد لمن أمسكه ..

مادة (1300) في ساقية شخص و جدوله سمك لا يمسك من غير صيد فللآخر ان يمسكه.

كلا- فقد عرفت ان كل مال في ملك الإنسان غير مملوك

ص: 260

لأحد فهو ملك له بالتبعية سواء اعمل السبب في وجوده أم لا فلا يحل لأحد ان يملك شيئا هو في بئري أو نهري أو أرضى أو جدولي و هكذا أمثال ذا.

(1301) شخص هيأ محلا في حافة الماء لأجل صيد السمك الى آخرها،،،

لا تخلو من اشكال فإن حفر الحفيرة كنصب الحظيرة بقصد صيد السمك موجب لملكية كل ما يدخل فيها لصاحب الحفيرة أو الحظيرة سواء كان الماء كثيرا أو قليلا محتاجا الى الصيد أو لا

(1302) إذا دخل صيد دار إنسان فأغلق بابه لأجل أخذه يصير مالكا لكن لا يكون مالكا بلا إحراز.

إغلاق الباب و الإحراز لا يكفي حتى يقبضه أو يدخله في قفص فلو أغلق الباب ثم فر الطير قبل إمساكه كان مباحا و للغير ان يصيده بخلاف ما لو أمسكه فقد ملكه و لو فر لم يجز لغيره صيده و لو صاده أرجعه إلى الأول.

مادة «1303» إذا وضع شخص شيئا ما كالشرك و الشبكة لأجل الصيد فوقع فيه صيد يكون لذلك الشخص

لكن إذا نشر شبكة لأجل جفافها و وقع فيها صيد فلا يكون له.

و ذلك للقصد في الأول و عدمه في الثاني و كذلك في المثال الثاني

مادة (1304) إذا اتخذ حيوان وحشي في بستان عشا الى آخرها.

تقدم الكلام في نظائرها فلا تغفل.

ص: 261

الباب الخامس في (بيان النفقات المشتركة

اشارة

و يشتمل على فصلين)

الفصل الأول في (بيان عمارات الأموال المشتركة و سائر مصارفها)

جميع مواد هذا الفصل ضرورية واضحة لا كلام فيها نعم مادة (1312) إذا طلب شخص عمارة الملك المشترك القابل للقسمة و كان شريكه ممتنعا و عمره بدون اذنه يكون متبرعا يعني لا يسوغ له الرجوع على شريكه بحصته و ان كان ذلك الشخص قد راجع الحاكم عند امتناع شريكه فبناء على مادة (25) لا يجبر على العمارة لكن يجبر على القسمة.

مادة «25» هي الضرر لا يزال بمثله- و لا ربط لها بالمقام فإن عمارة الشريك للدار المشتركة مثلا ليس من الضرر أصلا بل هو إصلاح

ص: 262

و نفع فقد دفع الضرر عن نفسه و عن شريكه و لكن لا يضرر شريكه بل ينفعه و بالجملة فإذا عمر بإذن الحاكم استحق الرجوع على شريكه بلا اشكال و لو عمر بدون اذنه و دون اذن الحاكم فلا رجوع و هذه قاعدة مطردة في هذا الباب و منه يظهر الوهن فيما ذكروه في مادة (1313)- و ان عمر من غير اذن الحاكم فلا ينظر الى مقدار ما صرف و لكن له ان يستوفى المقدار الذي أصاب حصة شريكه من قيمة البناء-،، فان المتصرف بدون اذن المالك و الشارع متبرع لاحق له الا في أحوال استثنائية و ضرورات فرضية فليتدبر، و القاعدة المطرودة في باب الشركة ما سبقت الإشارة إليه غير مرة من ان الشريكين ان اتفقا على إجارة أو عمارة أو سكنى أو غير ذلك فهو و الا فالمرجع الى حاكم ليحكم بالحق فيما بينهم و يحل عقدة الخصومة فإن تصرف أحدهما بدون اذن الشريك و اذن الحاكم فتصرفه باطل لا يستحق عوضا عليه و لا اجرا و لا اجرة و هذا مطرد في ملك كل مشترك من دار و عقار و حيوان و غيرهما فليتدبر

الفصل الثاني في (حق كري النهر و المجاري و إصلاحها)

مادة «1321» كرى النهر الذي هو غير مملوك إصلاحه على بيت المال

ص: 263

فان لم يكن وسعة في بيت المال يجبر الناس على كرية.

إنما يجبر الناس على كرية إذا كان نفعه يعود إليهم اما لو لم يكن لهم فيه منفعة فلا وجه لجبرهم.

مادة (1325) النهر العام مملوكا أو غير مملوكا ان كان في حافة ارض لأحد و ليس من غيرها طريق فللعامة المرور من تلك الأرض

لأجل الاحتياجات كشرب الماء و إصلاح النهر و ليس لصاحبها المنع.

هذا من باب تقديم الصالح العام على المصلحة الخاصة الذي يمكن ان يخصص قاعدة (الناس مسلطون على أموالهم) (و لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه) و المسألة معقدة تحتاج الى مزيد تأمل و استقصاء و باقي مواد هذا الفصل واضحة.

ص: 264

الباب السادس في (بيان تعريف شركة العقد و تقسيمها)

[الفصلان الأولان]

مادة (1329) شركة العقد عبارة عن عقد شركة بين اثنين فأكثر على كون رأس المال و الربح مشتركا بينهم.

قد ذكرنا ان هذه هي المقصودة بالأصالة من الشركة التي ذكرها الفقهاء في باب المعاملات و العقود و حيث انها موقوفة على امتزاج المالين بحيث لا يتميزان ذكروا من باب المقدمة أنواع الشركات الموجبة لامتزاج المالين أو صيرورة المال الواحد لاثنين أو أكثر حتى تتحقق الشركة فيه و من هنا تعرف ان قوام الشركة العقدية بالمالين الممتزجين و عليهما يدور محور الشركة و على نسبتهما يكون الربح و الخسران لكل واحد من الشريكين سواء تساويا في العمل أو اختلفا فإنما يتساويان في الربح حيث يتساويان به و يختلفان فيه على مقدار اختلافهما فيه و كذا الخسران، هذا مع إطلاق العقد اما مع الشرط فهو المتبع سواء كان الشرط في ضمن عقد الشركة أو في ضمن عقد آخر

ص: 265

جائز أو لازم و ان كان هنا في بعض الصور بحث و نظر، لا مجال لتفصيله و لكن حيث ان الشركة المقصود منها الاسترباح و الاكتساب عقد و العقد لا يتحقق إلا بالإيجاب و القبول نصت مادة (1330) ركن شركة العقد الإيجاب و القبول لفظا أو معنى.

يعني لا يعتبر فيها لفظ مخصوص و صيغة خاصة بل يكفي كل ما دل على ذلك و لكن الصيغة المذكورة في هذه المادة غير وافية بالمعنى المقصود بل اللازم ان يمزجا المالين ان كانا خارجين اما لو كان مشتركا بان ورثا مالا أو كان لهما على ذمة مديون فلا حاجة إليه فيقول أحدهما للآخر شاركتك على العمل بهذا المال و الاسترباح به فيقول الآخر قبلت و يلزمهما العمل معا فان كان بينهما شرط ذكراه في العقد و الا فالمقدار على نسبة المالين زيادة و نقيصة مناصفة أو مثالثه أو غير ذلك و تجري على النسبة التامة إلا مع الشرط فيتبع مادة «1331» شركة العقد تنقسم الى قسمين فإذا عقد الشريكان عقد الشركة بينهما على المساواة التامة إلخ.

عرفت ان عقد الشركة إذا وقع على نحو الإطلاق اقتضى المساواة حسب المالين فان تساويا في المقدار كان لكل منهما النصف تساويا في العمل أم لا و ان اختلف المقدار فلكل واحد من الربح و الخسران على حسب ماله تساوى العمل أم اختلف و لا حاجة الى شرط ذلك في العقد نعم لو اتفقا على التفاوت لم يلزم الا بالشرط في عقد لازم اما في عقد الشركة المتفق على جوازه فالأصح الصحة أيضا و حاله حال الشروط

ص: 266

في العقود الجائزة ثم ان هذا النحو من الشركة هو (العنان) عندنا- و لعل وجه التسمية أن عنان المالين بيد الشريكين على حد سواء و يظهر من هذه المادة ان غير الإمامية يسمونها شركة «المفاوضة» أما شركة العنان عندهم فهي التي لم يشترط فيها المساواة حينئذ فوجه التسمية غير واضح.

(و الخلاصة) انه لا تصح عند الإمامية إلا الشركة على المالين الممتزجين حسب ما عرفت و يسمونها شركة (العنان) و كل شركة على غير المالين فهي باطلة عندهم فلا تصح شركة (المفاوضة) و يعنون بها ان يتعاقد اثنان أو أكثر على ان يكون بينهما على السواء أو التفاضل كلما يربحان من غنيمة أو تجارة أو حيازة أو ميراث أو غير ذلك من موارد الانتفاع و الفائدة كما ان عليهما كلما يغرمان من خسارة في تجارة أو جناية أو غيرها، و كذا لا تصح شركة (الأبدان) بان يتعاقدا على الاشتراك فيما يحصل من أعمالهم اتفق العمل أو اختلف و لا شركة (الوجوه) بان يتعاقد وجهان لا مال لهما على ان يبتاعا في الذمة إلى أجل ثم يبيعان و يؤديان الأثمان و تدريجا و يقتسمان الفاضل نعم لو اشترياه مشتركا بذمتهما أو وكل أحدهما الآخر في الشراء صح و كان الربح لهما كما ان أحدهما لو صالح الآخر نصف منافعه إلى أجل معين بنصف منافع الآخر صح لان الصلح يحتمل من الجهالة ما لا يحتمله غيره من العقود، و من جميع ما ذكرنا هنا يتضح بعض الكلام في مادة (1332) الشركة سواء كانت مفاوضة أو عنانا أما شركة

ص: 267

أموال، إلى الآخر.

فان النوع الأول أي شركة الأموال هي الصحيحة عندنا لا غير و هي شركة العنان اما الأنواع الأخرى كشركة الاعمال و شركة الوجوه فهي باطلة كبطلان شركة المفاوضة الا بالنحو الذي عرفت.

ثم ان عقد الشركة عقد برأسه أثره صحة عمل كل من الشريكين في المال المشترك بالاذن و لا حاجة الى جعله متضمنا وكالة كل من الشريكين للآخر في التصرف و هو كعقد المضاربة الذي يضرب العامل بمال غيره و يكتسب على ان له حصة في الربح و تصرفه بالمال الذي هو لغيره من مقتضى عقد المضاربة لا من تضمنه الوكالة فتدبره نعم لما كانت الشركة عقدا من العقود فلا ريب في انه يعتبر فيه جميع ما يعتبر في العقود من الشرائط العامة كبلوغ الشريكين و رشدهما و عدم الحجر عليهما و القصد و الاختيار و غير ذلك مما مر عليك في تضاعيف العقود «و منها» المعلومية و عدم الجهالة و تعيين حصة كل واحد منهما من الربح و الخسران كما في مادة (1336)- و مادة (1337) كون حصص الربح التي تنقسم بين الشركاء كالنصف و الثلث جزء شائعا شرط. فإذا تقاول الشركاء على إعطاء أحدهم كذا غرسا مقطوعا تكون الشركة باطلة،،، يعني يشترط في صحة عقد الشركة ان يكون توزيع الربح بينهما بنحو الكسر الشائع من ثلث و ربع و نصف فلو جعلاه مبلغا معينا كمائة درهم أو عشرين دينارا بطلت الشركة و صارت أشبه بعقد الإجارة، و ذلك لما عرفت من ان

ص: 268

عقد الشركة يتقوم و يدور على المالين و توزيع الربح بينهما بنسبتهما فلو جعلا لأحدهما مقدارا معينا صار الربح مختصا بأحدهما و هو مناف لجوهر عقد الشركة.

الفصل الثالث في (بيان الشرائط المخصوصة في شركة الأموال)

مادة (1338) كون رأس المال من قبيل النقود شرط

يعني يشترط في شركة الأموال أي شركة العنان كون المال الممتزج منهما الذي تعاقدا على الاسترباح به من النقود المسكوكة من ذهب أو فضة أو غيرهما.

و لازم هذا انه لو جعلا رأس المال عروضا كحنطة و نحوها لم يصح عقد الشركة مع ان في مادة (1342) ما يظهر منه خلاف هذا كما سيأتي.

أما عندنا معشر الإمامية فيجوز عقد الشركة على كل مال نعم يشترط ان يكون عينا لا دينا و ان يكون معلوما لا مجهولا و قد تضمنت مادة «1341» الأول و لم تذكر الثاني، و في مادة «1342»

ص: 269

لا يصح عقد الشركة على الأموال التي ليست من النقود كالعروض و العقار- شبه التهافت فإنها بعد ان منعت من الشركة في العروض أولا إجازتها أخيرا في الحنطة إذا خلط أحدهما حنطة بحنطة الآخر فقالت: يجوز لهما ان يتخذا هذا المال المخلوط رأس مال و يعقدا عليه الشركة- و هذا الأخير هو الأصح.

مادة (1343) إذا كان لواحد برذون و لآخر؟؟ ممر؟؟؟

فاشتركا على ان يؤجراه الى الآخر،،، بطلان الشركة هنا لعدم امتزاج المالين اما لو باع أحدهما نصف حيوانه بنصف حيوان الآخر ضحت الشركة، و منه يعلم وجه عدم الصحة في المال المذكور بمادة (1344) إذا كان لواحد دابة و لآخر أمتعة و تشاركا على تحميل الأمتعة على الدابة و بيعها، الى الآخر.

نعم يصح هذا و الذي قبله و جميع ما هو على منوالهما لو أوقعاه بعقد الصلح.

الفصل الرابع في (بعض ضوابط تتعلق بشركة العقد)

مادة (1345) العمل يكون متقوما بالتقويم

يعني ان

ص: 270

العمل بتعيين قيمته يقوم و من الجائز ان يكون عمل شخص أكثر قيمة بالنسبة إلى عمل شخص آخر.

شرط الزيادة في الربح لمن له عمل زائد أو أنفع مما لا اشكال فيه بل لا يبعد جوازه حتى مع عدم الزيادة.

مادة (1346) ضمان العمل نوع من العمل إلخ.

هذا ليس من عقد الشركة أصلا و لا تصح الشركة بهذا النحو نعم يصح الصلح عليه و يلزم، و كذا مادة «1347» كما ان استحقاق الربح يكون تارة بالمال و تارة بالعمل كذلك بحكم مادة «85» يكون بالضمان إلخ.

فإن هذا لا يصح شركة و يصح صلحا.

مادة (1348) إذا لم يوجد أحد الأمور الثلاثة السالفة الذكر المال و العمل و الضمان فلا استحقاق للربح

فلو قال شخص لآخر اتجر أنت بمالك على ان الربح مشترك بيننا لا يوجب الشركة و ليس له أخذ حصته من الربح الحاصل فإنه أكل مال بالباطل.

«1349» استحقاق الربح انما هو بالنظر الى الشرط المذكور في عقد الشركة و ليس هو بالنظر الى العمل الواقع- إلخ.

هذه المادة قاصرة البيان مختلفة الأركان، و تحريرها ان الشريكين ان اشترطا العمل منهما متساويا أو متفاضلا لزم الشرط و لو أخل أحدهما بالعمل ينقص من حصته بنسبته تساوى المالان أو تفاضلا كما انه لو شرط العمل على واحد صح و يكون أشبه بالمضاربة فإن جعل له من الربح

ص: 271

مقدارا لزم سواء شرط له أكثر مما يستحقه من الربح بنسبة ماله أم لا، و ان لم يعينا له شيئا فقد يقال ان مقتضى الإطلاق المجانية و هو محل نظر فإن أصالة حرمة عمل المسلم تقتضي ان يكون له اجرة المثل أو من الربح بنسبة ماله الا ان يصرح بالمجانية، هذا إذا ذكرا العمل اما إذا أطلقا فالعمل لازم على كل واحد نسبة ماله و لو أخل نقص بالنسبة و مما ذكرنا ظهر الخلل فيما ورد بهذه المادة من ان الشريك لو لم يعمل يعد كأنه عمل و لو عمل أحدهما و لم يعمل الآخر يعذر أو بغير عذر يقسم الربح بينهما و ان كان العمل مشروطا عليهما،، فإنه حكم جزافي و أكل مال بالباطل و لا سيما مع اشتراط العمل عليهما فتدبره.

مادة (1350) الشريكان كل واحد منهما أمين الآخر.

هذا إذا سلم أحدهما المال للآخر أو تسالما على وضعه بيد أحدهما اما لو اتفقا على وضعه في يد ثالث فلا ائتمان و هو واضح.

مادة (1351) رأس المال في شركة الأموال ..

حاصلها ان رأس المال إذا كان من الشريكين متساويا أو متفاضلا فهي الشركة و ان كان من واحد و العمل من آخر و الربح بينهما فهي مضاربة و ان كان للعامل فقط فهو قرض و إذا كان لصاحب رأس المال فهو في يد العامل بضاعة فإن ظهر منه تصريحا أو تلويحا التبرع و المجانية فلا شي ء له و الا فله اجرة المثل و الربح و الخسران كله على صاحب رأس المال.

ثم ان عقد الشركة عقد جائز لكل منهما فسخه متى شاء كما انه ينفسخ بموت أحدهما أو جنونه كما هو شأن العقود الجائزة و لو تعدد

ص: 272

الشركاء فالفسخ يختص بالمجنون و تبقى على حالها في الآخرين كما في مادة «1352»- و مادة «1354» مبنية على ما تقدم من ان الدين لا يقسم فالمقبوض منه لجميع الشركاء و الباقي لهم اجمع فالحاصل لهم و التالف عليهم.

الفصل الخامس في (بيان شركة المفاوضة)

مادة (1356) المفاوضان أحدهما كفيل الآخر كما بين في الفصل الثاني إلى آخرها،

سبقت الإشارة منا الى ان نفس عقد الشركة بأي نوع من أنواعها لا تقتضي كفالة و لا وكالة إلا بتصريح مستقل و عقد آخر و ليس من مقومات الشركة و لا من لوازمها الطبيعية ان يكون أحدهما كفيلا أو وكيلا للآخر.

مادة (1357) المأكولات و الألبسة و سائر الحوائج الضرورية التي يأخذها أحد المفاوضين لنفسه و اهله و عياله خاصة له لا حق لشريكه فيها

لكن يجوز للبائع مطالبة شريكه بثمن هذه الأشياء بحسب الكفالة أيضا.

الكفالة على تقدير تحققها بين الشريكين فإنما ينصرف إطلاقها الى ما يتعلق بشؤون التكسب و الاسترباح لا بالشئون الخاصة نعم لو صرحا بذلك جاز للبائع مطالبة كل منهما.

ص: 273

مادة «1358» المفاوضان في شركة الأموال كما ان كونهما متساويين بمقدار رأس مالهما و حصتهما من الربح شرط كذلك عدم وجود فضلة عن رأس مال أحدهما، إلى آخرها،،،

سوء التعبير و تعقيد البيان بالغ أقصاه في هذه المادة و لا يكاد يتحصل منها معنى جديد، و غاية ما يمكن استخراجه من هذه الأقفال و الأغلال اعتبار تساوي المالين و ان لا يكون لأحدهما فضلة تصلح لتكون رأس مال في الشركة كالنقود أو ما في حكمها من المنقولات كالحنطة و نحوها و لو كان له فضلة لا تصلح للشركة كالعقار و الدين لم يضر بالمفاوضة و تحقق المساواة و هو كما ترى تافه و مستدرك.

مادة (1359) الشريكان في شركة الاعمال إذا عقدا- إلخ.

بلوغ شركة الأعمال الى هذا الحد البعيد بحيث يمضي إقرار أحدهما على الآخر مع إنكاره بعيد جدا، و بقية مواد هذا الفصل واضحة على مبانيهم اما عندنا فكلها ساقطة، و لا تضر الزيادة و النقصان برأس المال في شركة العنان، التي هي الشركة الصحيحة عندنا لا غير، و هي التي تكفل ببيان أحكامها و سائر شؤنها.

ص: 274

الفصل السادس (في حق شركة العنان

اشارة

و هو يشتمل على ثلاثة مباحث)

(المبحث الأول) (في بيان المسائل العائدة إلى شركة الأموال)
مادة «1365» لا يشترط في الشريكين بشركة العنان كون رأس مالهما متساويا،،،

هذه المادة تشتمل على الأمرين (الأول) عدم لزوم تساوى المالين في شركة العنان بخلاف شركة المفاوضة و هذا قد تكرر فيما سبق فلا فائدة في بيانه (الثاني) انه لا يلزم الشريك ان يدخل جميع نقوده و أمواله في الشركة بل يجوز ان يعقدها على مقدار منها، و هذا أيضا واضح لا حاجة لبيانه إذ من ذا الذي يحتمل ان الشركة لا تنعقد إلا بإدخال الشريك جميع أمواله و نقوده فيها.

مادة (1366) كما يجوز كون عقد الشركة على عموم التجارات كذلك يجوز عقدها على تجارة خاصة كتجارة الذخيرة مثلا.

الشركة كسائر العقود تدور مدار ما يلتزم به الطرفان من الشروط و القيود تعميما و تخصيصا فان قيدا لزم القيد و ان أطلقا جاز كلما شمله الإطلاق فلو اشترطا الاتجار بالطعام أو الحبوب لزم الاقتصار عليهما و الا جاز بهما و بغيرهما كما ان تقسيم الربح بينهما حسب ما تقدم يدور مدار الشرط زيادة و نقصان فان شرطا لأحدهما زيادة لزمت في الشركة

ص: 275

الصحيحة و ان لم يشترطا أو كانت الشركة فاسدة فالمدار في الربح و الخسران على نسبة المالين كما دلت عليه مادة «1367»- و مادة «1368»- و «1369»،- اما مادة «1370» إذا شرط شريكان تقسيم الربح بينهما على مقدار رأس المال إلخ.

فقد عرفت انه لا حاجة الى الشرط بل هو مقتضى طبيعة الشركة و إطلاقها و انما الذي يحتاج الى الشرط هو الزيادة و النقيصة عن حصة كل منهما من رأس ماله أو تساويهما في العمل أو عدمه و أشباه هذا من الكيفيات التي لا يقضيها إطلاق الشركة فتدبره جيدا، كما نصت عليه مادة (1371) إذا تساوى الشريكان في رأس المال و شرطا من الربح حصة زائدة لأحدهما مثلا كثلثي الربح و كان عمل الاثنين مشروطا فالشركة صحيحة و الشرط معتبر، انظر مادة (1345) اما إذا شرط عمل أحدهما وحده فينظر ان كان العمل مشروطا على الشريك الذي حصته من الربح زائدة فكذلك الشركة صحيحة و الشرط معتبر و يصير ذلك الشريك مستحقا ربح رأس ماله بماله و الزيادة بعمله، لكن حيث كان رأس مال شريكه بيده كانت الشركة شبه المضاربة و ان كان العمل مشروطا على الشريك الذي حصته من الربح قليلة فهو غير جائز فيقسم الربح بينهما على مقدار رأس المال لأنه إذا قسم الربح على الوجه الذي شرطاه فلا يكون شي ء مقابل من مال أو عمل أو ضمان للزيادة التي يأخذها الشريك الذي لم يعمل و استحقاق الربح انما هو لواحد من هذه الأمور الثلاثة، انظر مادة (1347) و (1348).

ص: 276

نقلنا هذه المادة بطولها لما يتراءى فيها من براعة التحقيق و استيعاب القسمة و قوة التنويع و التعليل و لكن لا يلبث هذا الرونق على محل النقد حتى يستبين زيغه أو يتضح زيغه، فان العمل إذا كان مشروطا على الشريك القليل الحصة من الربح لا يكون الآخر قد أخذ زيادة بلا شي ء مقابل من مال أو عمل بل أخذها بالشرط لرأس ماله كالشخص الذي يكون منه كل رأس المال و العمل كله على العامل المضارب و يشترط صاحب رأس المال زيادة في الربح على النصف الذي حقه عند الإطلاق فإنه يأخذ الزيادة بالشرط في قبال رأس ماله كما يأخذ الآخر الأقل في مقابل عمله و مادة (1348) لا ربط لها بما نحن فيه أصلا فإن موردها ما إذا لم يكن مال و لا عمل أصلا كما يتضح ذلك من مثالها و هو قوله اتجر بمالك على ان الربح مشترك بيننا فيستحق حصته في الربح من غير مال و لا عمل و يكون أكل مال بالباطل بخلاف ما نحن فيه فان الشريك الذي اشترط لنفسه الزيادة بغير عمل قد استحقها بإزاء رأس ماله الذي دفعه لشريكه غايته انه كان يستحق بالإطلاق على نسبة ماله من الربح و لكن بالشرط يستحق الزيادة و لكن بإزاء ماله لا بلا إزاء شي ء و عموم المؤمنون عند شروطهم شامل له، و ما ذكرته المجلة و ان كان له وراء و طلاء و لكنه عند التحقيق غثاء و من هنا يظهر ضعفه ما في مادة (1372) التي هي كتكرير للمادة المتقدمة و كانت هي مع طولها تغني عن هذه المادة فيجب عند التحرير حذفها.

اما- ما في مادة (1373)- و (1374) من جواز بيع مال الشركة نقدا و نسيئة قليلا أو كثيرا فهو مع الإطلاق و عدم مظنة الضرر

ص: 277

اما لو اشترطا البيع بالنقد أو بربح معين أو أطلقا و كان بيع النسيئة في معرض التواء لم يصح شي ء من ذلك و هكذا مادة (1375) فان الشريك لا يصح له ان يشتري للشركة إذا اشترطا ان يكون البيع و الشراء للآخر اما مع الإطلاق فله ذلك.

مادة (1376) إذا اشترى أحد الشريكين بدراهم نفسه شيئا ليس من جنس تجارتهما يكون له خاصة.

يعني لو اشترطا ان تكون تجارتهما بالأطعمة فقط فاشترى أحدهما ثيابا فلا إشكال في ان الثياب لا تدخل بالشركة بل تختص بالمشتري و لكن من الحكم الجزافي قول المجلة في هذه المادة- لكن مع كون رأس مال الشركة في يد أحدهما إذا اشترى مالا من جنس تجارتهم و لو بمال نفسه يصير للشركة.

فإن هذه مخالف لقاعدة تبعية العقود للقصود و لقواعد الشركة فإن الذي يدخل في الشركة ما يشترى بمال الشركة لا ما يشتريه أحدهما بمال نفسه و لنفسه فيشترك معه فيه غيره قهرا عليه و خلافا لقصده و قد اشتراه بماله الخاص، أ فليس هذا من الجزاف

مادة (1377) حقوق العقد انما تعود للعاقد إلخ

سلطة كل واحد من الشريكين على التصرفات في مال الشركة تصورها أرباب المجلة بين إفراط و تفريط فقد تقدم في آخر مادة (1356) و كما ان ما باعه أحدهما يجوز رده على الآخر بالعيب كذلك ما اشتراه أحدهما يجوز ان يرده الآخر بالعيب ثم ترقى الأمر و تفاقم الخطب حتى قالوا

ص: 278

بعدها في مادة «1357» المأكولات و الألبسة و سائر الحوائج الضرورية يجوز للبائع مطالبة شريكه بثمن هذه الأشياء بحسب الكفالة أيضا.

فبينا تراهم يجعلون الشريكين كشخص واحد حتى ما اشتراه لحوائجه الضرورية يمكن ان يطالب به الشريك الآخر، و إذا بهم يفرقون بينهم أشد التفرقة و يجعلون كل واحد مباينا للآخر كما في هذه المادة و التي بعدها (1378) الرد بالعيب أيضا من حقوق العقد فما اشتراه أحد الشريكين فليس للآخر رده بالعيب و ما باعه أحدهما لا يرد بالعيب على الآخر.

فانظر الى هذا التهافت، هناك يجوز الرد بالعيب على الآخر و هنا لا يجوز، و من المعلوم الضروري عدم الفرق في هذه الآثار بين شركة المفاوضة و شركة العنان و ليس الفرق بينهما إلا في قضية لزوم التساوي في رأس المال و الربح في شركة المفاوضة عند القوم و عدم لزوم في شركة العنان و لذا كان لكل واحد من الشريكين في النوعين الإيداع و الإبضاع و الإيجار و المضاربة و غيرها كما في مادة (1379) كل واحد من الشريكين له إيداع و إبضاع مال الشركة- لكن ليس له ان يخلط مال الشركة بماله و لا ان يعقد شركة مع آخر بدون اذن شريكه فان فعل وضاع مال الشركة ضمن حصة شريكه.

و (الضابطة) في هذا- ان كل ما فيه منفعة أو مظنة منفعة مع الا من عادة من الضرر فإطلاق العقد يقتضي جوازه لكل من الشريكين و كل مالا منفعة فيه موقوف على الاذن فضلا عما فيه مظنة الضرر

ص: 279

فلو اذن أحدهما للآخر اذنا عاما بجميع التصرفات لم يجز للمأذون أن يقرض من مال الشركة أو يهب أو ينتقل به من بلد الى بلد إلا بإذن صريح كما نصت عليه مادة (1382) و مادة (1383) من انه لو تصرف مثل تلك التصرفات التي لا يشملها العموم فضلا عن الإطلاق بل تحتاج إلى إذن صريح و حصل الضرر يكون ضامنا للخسار و هو واضح

مادة «1384» إقرار أحد الشريكين شركة عنان بدين في معاملاتها لا يسري الى الآخر،،،

هذه المادة أيضا محتاجة إلى التحرير و حسن التعبير و كأنها مبتنية عندهم على ما تقدم من ان شركة العنان لا تتضمن الكفالة و تحتاج الى تصريح بالوكالة و عليه فإقرار أحدهما لا يلزم الآخر بل يختص به و لكن لازم هذا انه لو أقر أنه دين لزم من معاملتهما معا يلزم بالجميع لا بالنصف إلا إذا صدقه شريكه، و على كل فتحرير البحث- انه لا يجوز لأحد الشريكين في شركة العنان التي لا يصح عندنا غيرها- التصرف في المال المشترك إلا بإذن صاحبه فان كان الاذن لواحد منهما فقط لم يجز التصرف للثاني و ان اذن كل منهما للآخر صح لكل منهما التصرف بمقدار الاذن مطلقا أو مقيدا انفرادا أو اجتماعا فلو اذن كل منهما للآخر بالتصرف مطلقا و منفردا فإقراره بالعين أو الدين يمضى على الآخر إذا أقر أنه دين على الشركة أو العين قد باعها و قبض ثمنها للشركة و الا لم يمض إقراره الا على نفسه نعم لو أطلق أحدهما الاذن للآخر و لم يقيده بنحو مخصوص لزمه ان يقتصر على ما هو المتعارف عند التجار في بلده و زمانه كما في المضاربة على ما سيأتي و لو

ص: 280

تجاوز فخسر ضمن.

المبحث الثاني (في بيان مسائل عائدة إلى شركة الأعمال)

هذا المبحث و الذي بعده لا وجه لدخولهما في هذا الفصل أصلا ضرورة ان الفصل معقود لشركة العنان و هي شركة الأموال- فما وجه دخول شركة الاعمال و الوجوه فيه- مادة (1385) شركة الاعمال عبارة عن عقد شركة على تقبل الاعمال فالاجيران المشتركان يعقدان الشركة على تعهد و التزام العمل، الى آخرها قد يعبر عن هذه الشركة عندنا بشركة الأبدان و لها صورتان «الاولى» ما ذكرته المجلة من تعهد الشريكين بعمل تكون أجرته لهما متساويين أو بالتفاضل «الثانية» ان يتعاقدا على ان يعمل كل واحد على حسابه مستقلا ثم يجمعان ما يرد لهما و يقتسمانه بالتساوي أو التفاضل حسب الاتفاق و كلاهما عندنا باطلان و لكل واحد أجرته لنفسه نعم يمكن تصحيحه بالصلح كما سبق و كل هذه الفروض و الأمثلة المذكورة في المجلة لا تصح عندنا بعقد الشركة و انما تصح بالصلح فقط- و كل مواد هذا الفصل صحيحة على مباني القوم و هي واضحة و عباراتها منسجة، نعم مادة (1398) إذا عمل شخص في صنعته

ص: 281

هو و ابنه الذي في عياله فكافة الكسب لذلك الشخص و ولده يعد معينا له كما إذا أعان شخصا ولده الذي في عياله حال غرسه شجرة فتلك الشجرة للشخص و لا يكون ولده مشاركا له.

قد عرفت غير مرة ان عمل المسلم محترم فان ظهر من الولد انه يعمل لأبيه مجانا أو كان هناك عرف عام أو خاص يقتضي بهذا الظهور فهو و الا فهو مشكل بل يجوز للولد مطالبة أبيه بأجرة عمله أو مشاركته بالشجرة الا ان يكون قد قصد في نفسه المجانية فلا حق له بالمطالبة و كونه في عياله لا يقتضي سقوط حرمة إعماله الا ان يشترط عليه أبوه ذلك.

المبحث الثالث (في بيان مسائل عائدة إلى شركة الوجوه)

مادة «1399» كون حصة الشريكين على التساوي في المال المشتري ليس بشرط إلخ.

عرفت ان شركة الوجوه الباطلة عندنا الصحيحة عند القوم هي عبارة عن العقدين الاثنين على ان يشتريا بالذمة و يبيعا و يقتسما الربح بعد ان يدفعا أصل الثمن الى الغرماء الدائنين و عليه فهي تدور مدار الاتفاق بينهما و الشرط من حيث التساوي و التفاضل في الربح و الخسار و من حيث من يتولى البيع و الشراء و المال الذي يشترى به و يباع و غير ذلك من شئون هذه المعاملة و لكنها تتقوم بضمان الشريكين ثمن ما يشتريان من الأموال و بهذه الحيثية يستحق كل واحد منهما حصة في الربح و لكن بنسبة ضمانه و حصته في الشراء فلو كان الشراء لهما على المناصفة فالربح

ص: 282

بينهما كذلك و لا يصح ان يكون الشراء على المناصفة و الربح مثالثة كما في مادة «1402» و كذا يتوزع الخسران عليهما بتلك النسبة فلا يسوغ ان يكون الشراء بينهما مثالثة و الخسار و الربح بينهما مناصفة كما في مادة «1403» هذا خلاصة مواد هذا الفصل و لكن الأحكام المذكورة كلها استحسانية و اعتبارية لا تستند على دليل راسخ و مقتضى القواعد العامة بعد عدم الدليل الخاص في المقام انه يصح كل ما يتفقان عليه و يتراضيان به بالشرط و ما المانع ان يجعلا الربح مناصفة و الربح أثلاثا أو يدخل أحدهما في الربح و لا يتحمل شيئا من الخسران فليتدبر.

ثم انه قد بقيت أبحاث مهمة في أحكام عقد الشركة لم توضحها مواد (المجلة) يلزم التنبيه عليها

اشارة

للإحاطة بهذا الموضوع من جميع أطرافه

«الأول» ان عقد الشركة جائز كما عرفت

فيجوز لكل منهما الرجوع فيه و المطالبة بالقسمة عروضا كان المال أو نقدا و ليس لأحدهما المطالبة بإقامة رأس المال بل يقتسمان الأعيان الموجودة إذا لم يتفقا على؟؟؟؟

و لو شرطا فيه عدم الفسخ إلى مدة معينة كان حكمه حكم الشروط في العقود الجائزة و لا يبعد لزومها كما لو شرط ذلك في عقد لازم و بعد الأمد لا يتصرف أحدهما بالمال المشترك إلا بإذن جديد من الآخر سواء قلنا باللزوم أو عدمه

(الثاني) ان هذا العقد كسائر العقود الجائزة يبطل بموت أحدهما أو موتهما

أو جنونه أو إغمائه أو فلسه أو سفهه فلا يجوز للآخر التصرف و لكن لا تزول الإشاعة إلا بالقسمة

«الثالث» الشريك المأذون بالتصرف أمين لا يضمن ما يتلف بيده إلا بالتعدي أو التفريط

ص: 283

و يقبل قوله بالتلف بسبب خفي أو ظاهر و في عدم الخيانة و التفريط و في قصد انه لنفسه أو للشركة بيمينه

«الرابع» إذا باع الشريكان المال المشترك بعقد واحد

على مشتر واحد أو متعدد و قبض أحدهما من ثمنه شيئا فإن كان القابض وكيلا عن شريكه في القبض أو مطلقا فهو لهما بلا اشكال و ان لم يكن وكيلا فالثمن اما ان يكون عينا شخصية أو كليا ففي الأول ان قبض الثاني حصته منها أو أجاز قبض شريكه برئت ذمة الدافع و الا فحصته من العين مضمونة لو تلفت و له الرجوع ببدلها مخيرا بين الرجوع على الدافع أو القابض على قاعدة توارد الأيادي، و ان كان الثمن كليا و لم يكن القابض وكيلا حسب الفرض فان دفع الثمن اجمع كان قبض الشريك لحصة شريكه فضوليا فإن أجاز أو قبض فلا اشكال و الا فله الرجوع بها على القابض و ان كانت موجودة و على الدافع اما لو تلفت تعين رجوعه على الدافع المديون، و ان دفع حصة القابض فقط فان كان متمردا ممتنعا أو جاحدا للآخر تخير الشريك الآخر بين المشاركة في المقبوض بناء على ان الدين المشترك لا يتعين بتعيين المديون و لا تصح القسمة فيه بل المقبوض لهما و التالف عليهما كما هو الأصح و بين الرجوع على الدافع، و ان لم يكن ممتنعا بل عازم على الوفاء فهل له المشاركة في المقبوض أو يختص بالقابض قولان المشهور على الأول و وجهه ما عرفت و خالفهم جماعة بناء على ان بتعيين الغريم يتعين حق كل منهما و الأول أقوى و تخييره غير بعيد- هذا كله عند حلول الحقين فلو كان أحدهما مؤجلا لم يشارك صاحب الحق المعجل إذا

ص: 284

قبض بلا اشكال، و هذا التفصيل و البيان الوافي المستوعب يجري في كل مال مشترك كالدين الموروث و إتلاف المال المشاع و غيرهما و يمكن التخلص بمصالحة كل واحد منهما عن حقه فيختص بما يقبض أو بالإبراء أو الاستيهاب معوضا أو غير ذلك.

ص: 285

الباب السابع في (حق المضاربة

اشارة

و يشتمل على ثلاثة فصول)

الفصل الأول

مادة (1404) المضاربة نوع شركة على ان رأس المال من طرف و السعي و العمل من الطرف الآخر. يقال لصاحب المال رب المال و للعامل مضارب،،، هذا التعريف قاصر معنى و عبارة و الأقرب منه الى حقيقتها انها معاملة بين اثنين يكون المال من أحدهما و العمل من الآخر على ان يتجر به و له حصة في الربح و يتضح من هذا انها عقد إذا فلا بد فيها من إيجاب و قبول و لكن بما انها عقد جائز فلا يلزم فيها صيغة مخصوصة بل يكفي فيها كل ما دل عليها من العبارات كما نصت عليه مادة (1405) ركن المضاربة الإيجاب و القبول- الى آخرها.

و الموجب هو رب المال و القابل هو العامل فإن أطلق الموجب و قال خذ هذه الدراهم و اتجر بها بحسب رأيك و كيف شئت فهي المطلقة و ان قيده بنحو مخصوص زمانا أو مكانا أو جنسا و هكذا لزم عليه ان لا يتعدى ذلك فلو تعدى و تلف المال أو بعضه ضمن كما في مادة

ص: 286

(1406) و (1407) المضاربة المطلقة هي التي لا تتقيد بزمان و لا مكان الى آخرها، ثم ان المضاربة تتقوم بأربعة أركان «1» الصيغة أي الإيجاب و القبول و قد عرفت كفاية كل ما دل عليها و لا يلزم فيها عبارة مخصوصة «2» المال الذي تقع فيه المضاربة،، و يعتبر ان يكون رأس المال من أحد النقدين فلا يصح بالفلوس و العروض و المال الذي في الذمم نعم لو وكله على قبض دينه و قال له ضارب به و كان من أحد النقدين أو قال له خذ هذه الحنطة أو الثياب و بعها بأحد النقدين و ضارب به على النصف أو الثلث أو نحو ذلك صح كما في مادة (1409) و يظهر منها صحة المضاربة بالغروش و عندنا لا يصح، و ان يكون ملكا و قدره معلوما و لا حق فيه للغير كرهن و نحوه و ان يعين حصة العامل من الربح كسرا شائعا نصفا أو ربعا و ان أطلق فالمناصفة كما في مادة «1411» يشترط في المضاربة كشركة العقد الى آخرها «3» رب المال و يشترط فيه مضافا الى الشرائط العامة ان لا يكون محجورا عليه بفلس أو سفه و ان يكون قادرا على تسليم المال و ان يسلمه «4» المضارب اي العامل و يشترط فيه مضافا الى تلك الشروط ان يكون قادرا على العامل و لا يكون سفيها اما الفلس فلا يقدح فيه فلو اختل أحد الشروط بطلت المضاربة و لم يستحق العامل الحصة لو عمل و انما يستحق اجرة المثل كما في مادة (1412) و هذا تمام مواد الفصل الثاني.

ص: 287

الفصل الثاني (في بيان أحكام المضاربة)

(مادة: 1413) المضارب أمين- رأس المال في يده في حكم الوديعة

و من جهة تصرفه في رأس المال هو و كل رب المال و إذا ربح يكون شريكا فيه، عرفت فيما سبق ان الشركة و المضاربة عقود مستقلة أثرها صحة التصرف فهي و ان أفادت فائدة الوكالة و لكن لا دخل للوكالة فيها و لا هي متضمنة لها كما انها تختلف عن الوديعة بأن الوديعة قبض متمحض لمصلحة المالك و المضاربة كالإجارة القبض فيها لمصلحة الطرفين و بهذا يختلف حكمها عن الوديعة في بعض الجهات.

مادة (1414) المضارب في المضاربة المطلقة بمجرد العقد يكون مأذونا في العمل إلخ،،

المضاربة المطلقة الأمر فيها موكول الى المضارب و لكنها بطبيعة الحال عقلا و عرفا مقيد بان لا يعمل ما يوجب الضرر أو ما فيه مظنة الضرر و الخسران و ان لا يتجاوز المتعارف بين التجار و العرف فضلا عن اعتبار التحرز من الغبن الفاحش و غيره،، اما ما عدا ذلك من الشئون فهو مطلق العنان فيها من بيع و شراء بنقد أو نسيئة و الإيداع و الإبضاع و التوكيل و السفر و الحضر كلها جائزة له الا ان يكون شي ء منها خارجا عن متعارف التجار أو فيه مظنة الضرر مظنة عقلائية فلو خالف و حصل الضرر كان ضامنا و كذا قضية الرهن و الارتهان و الإيجار و الاستيجار

ص: 288

و غير ذلك حتى خلط مال بمال المضاربة ان لم يكن فيه مظنة ضرر و لم يكن خلاف المتعارف.

مادة (1418) المال الذي أخذه المضارب بالنسيئة زيادة على رأس المال بإذن رب المال يكون مشتركا شركة وجوه.

إذا استدانه المضارب صار شركة وجوه و الربح بينهما حسب الاتفاق و إذا استدانه على ذمة رب المال فهو مضاربة.

مادة (1423) إذا وقت رب المال المضاربة بوقت معين فيمضي ذلك الوقت تنفسخ المضاربة،،،

العقود الجائزة لا معنى لتوقيتها فلو جعل لها وقتا و أمدا معينا جاز لكل منهما فسخها متى شاء حتى لو اشترطها في ضمن عقدها و لو قلنا بلزوم الشروط في ضمن العقود الجائزة فإن معنى لزومها وجوب العمل بالشرط ما دام العقد اما إذا فسخ أحدهما فلا عقد و لا شرط خلافا لما يظهر من بعض أساتيدنا، نعم لو شرط بقاء العقد الجائز و عدم فسخه إلى أمد معين في ضمن عقد لازم كبيع أو إجارة أو غيرهما لزم الشرط و العقد فتدبره جيدا.

مادة (1424) إذا عزل رب المال المضارب يلزم اعلامه بعزله و تكون تصرفات المضارب المواقعة معتبرة حتى يقف على العزل- إلخ.

المضاربة في هذه الجهة كالوكالة فكما ان الوكيل لا تبطل تصرفاته الا بعد بلوغ العزل اليه فكذلك المضارب اما جواز تبديل الأموال بالنقود بعد العزل كما في هذه المادة فمشكل بل القاعدة تقتضي العدم

مادة (1426) استحقاق رب المال للربح بماله فيكون جميع الربح له في المضاربة الفاسدة- إلخ:

ص: 289

المضاربة إذا كانت صحيحة استحق العامل من الربح الحصة التي وقع العقد عليها و ان وقعت فاسدة و ربح العامل فالربح جميعه لرب المال ثم ان كان العامل يعلم بالفساد و أقدم على العمل لإحراز الاذن و الرضا من رب المال استحق أقل الأمرين من اجرة المثل و الحصة التي وقع عليها العقد الفاسد و كذا إذا عمل و هو جاهل بالفساد اما لو لم يحرز الاذن مع علمه بالفساد فهو متبرع و لا شي ء له ربح أم لا و كذا لو عمل و لم يربح و كان مأذونا لأنه إنما أقدم على ان يكون له حصة في الربح و الفرض انه لم يربح فلا شي ء له، مادة (1427) إذا تلف مقدار من مال المضاربة يحسب في أول الأمر من الربح و لا يسري الى رأس المال، و إذا تجاوز الربح و سرى الى رأس المال فلا يضمنه المضارب سواء كانت المضاربة صحيحة أو فاسدة،،، العامل يستحق حصته من الربح بمجرد ظهوره و لكن لا يصح له أخذها إلى انتهاء المعاملة لاحتمال ورود خسران بعد فيجبر من الربح فكل خسران يرد يجبر من الربح فان ورد خسران على رأس المال لعدم ربح يجبر منه فالخسارة على المالك و لا شي ء على العامل في صورة الإطلاق و صحة عقد المضاربة اما مع الفساد فان كان مأذونا فلا غرامة عليه أصلا و ان لم يكن مأذونا و عالما بالفساد فهو ضامن للخسارة كلها و لا يلحق رب المال شي ء منها، فما في هذه المادة من إطلاق عدم ضمان العامل في غير محله، نظير ما لو خالف الاذن كما تقدم في مادة (1421)

ص: 290

و مادة (1422)،،،

مادة (1428) على كل حال يكون الضرر و الخسار عائدا على رب المال، و إذا شرط كونه مشتركا بينه و بين المضارب فلا يعتبر ذلك الشرط.

اما كون الضرر و الخسار عائدا على رب المال على كل حال- فقد عرفت ما فيه و انه على إطلاقه غير صحيح، و اما اشتراط كونه بينهما أو على المضارب فقط فالمشهور عندنا كما في المجلة انه باطل و تبطل به المضاربة لأنه شرط مناف لمقتضى العقد، و ناقش فيه السيد الأستاذ قدس سره بأنه مناف لمقتضى إطلاق العقد لا لذاته فلا مانع منه و إطلاق أدلة الشروط يشمله و أنت خبير بأن طبيعة عقد المضاربة حسب العرف و السيرة الجارية بين العاملين و أرباب الأموال تقتضي عدم تحميل العامل شيئا من الخسارة إلا إذا فرط أو خالف الاذن و الشرط و الشارع امضى هذه المعاملة على ما هي عليه عند العرف الا ما قام عليه الدليل و لعل هذا مدرك ما يدعى من الإجماع عندنا على عدم صحة هذا الشرط وفقا لما في المجلة ثم ان عقد المضاربة من العقود الجائزة بلا خلاف من الفريقين و عامة أرباب المذاهب فلو مات أحدهما أو جن مطبقا تنفسخ المضاربة كما في مادة (1429) إذا مات رب المال أو جن جنونا مطبقا تنفسخ المضاربة،، لا يختص الانفساخ بموت رب المال بل تنفسخ أيضا بموت العامل و لا بالجنون المطبق بل بجنون أحدهما و لو أدواريا كما تنفسخ بفسخ أحدهما اختيارا أو بسفه أو فلس يوجب الحجر عليهما أو على أحدهما كما تنفسخ

ص: 291

بتلف رأس المال تلفا سماويا اما التلف الضماني فيقوم البدل مقام الأصل و تبقى المضاربة على حالها.

مادة (1430) إذا مات المضارب مجهلا فالضمان في تركته

يعني لو مات و لم يبين حال رأس المال أو الربح و كان الحال مجهولا فان ادعى الورثة الرد يقبل بيمينهم ان المال لبس عندهم و لا علم لهم به أو انهم يعلمون برده الا ان يقيم رب المال البينة ان المال في تركة المضارب و بالجملة الورثة يقومون مقام المضارب فكما انه أمين يقبل قوله في الرد و عدم الخيانة و عدم التفريط فكذلك ورثته نعم لو كان المال في تركته فليس للورثة التصرف فيه بل يكون امانة بيدهم يجب رده الى المالك بعد أخذ حصتهم منه،،، و اعلم انه قد بقيت في المضاربة أبحاث مهمة لم تذكرها المجلة و قد ذكر فقهاؤنا بعضها في مطولاتهم و مختصراتهم و لما كان ذكرها يوجب الإطالة و الحال الراهن العصيب يضطرنا الى الاختصار لذلك تركناها و ان عز علينا فوت تلك المحققات الثمينة.

ص: 292

الباب الثامن في (بيان المزارعة و المساقاة

اشارة

و ينقسم الى فصلين)

الفصل الأول (في بيان المزارعة)

اشارة

اعلم ان أفضل الأعمال التي يكتسب بها المال هو الزرع و قد ورد من الشارع المقدس في الحث عليه و الترغيب فيه ما يفوق كل أسباب الكسب و وسائل العيش ففي بعض اخبار أهل البيت سلام اللّٰه عليهم:

الزراعون هم كنوز اللّٰه في أرضه و ما في الأعمال شي ء أحب الى اللّٰه من الزراعة و ما بعث اللّٰه نبيا الا زارعا و سئل النبي «ص» اي الأعمال خير قال زرع زرعه صاحبه و أصلحه و ادى حقه يوم حصاده و في بعض الاخبار الكيمياء الأكبر الزراعة، ازرعوا فلا و اللّٰه ما عمل الناس عملا أحل و لا أطيب منه، و انما جعل الزارعين كنوز اللّٰه لأنهم يستخرجون كنوز الأرض للناس،، ثم ان المزارعة تشبه المضاربة من جهة حيث ان الأرض من شخص و العمل فيها من آخر فهي تقوم مقام المال، و تشبه الإجارة من جهة أخرى فإن العامل أجير على

ص: 293

العمل و الحصة من الزرع أجرته و صاحب الأرض مستأجر و ان كان العمل و البذر و العوامل من واحد و الأرض فقط من الآخر فالعامل هو مستأجر الأرض و صاحبها مؤجر و كذا الكلام في المساقاة.

مادة «1431» المزارعة نوع شركة على كون الأراضي من طرف و العمل من طرف آخر يعني ان الأراضي تزرع بينهما.

هذا التعريف كسائر تعاريفهم ضعيف فاتر، و أقرب ما يكون إلى حقيقة هذه المعاملة ان يقال انها عقد بين مالك الأرض و آخر على ان يزرعها و يكون له حصة شائعة في العائد منها، و حيث انها عقد فبالضرورة يكون كما في مادة «1432» ركن المزارعة الإيجاب و القبول- و الظاهر انه لا يلزم فيها عبارة خاصة و صيغة معينة بل يكفي في انعقاده كل عبارة تدل عليها و ان كانت عقدا لازما، و يكفي الاستدعاء من الزارع و القبول من صاحب الأرض كما نصت عليه هذه المادة.

مادة «1433» كون العاقدين عاقلين في المزارعة شرط و كونهما بالغين غير شرط فيجوز للصبي المأذون عقد المزارعة.

يعني إجراء الصيغة يشترط فيه العقل و التمييز فلو كان غير عاقل مجنونا أو غير مميز فصيغته لغو لان كلا منهما مسلوب العبارة اما لو كان مميزا غير بالغ فعبارته صحيحة و لكن لا تنفذ عقوده إلا بإذن الولي فإذا كان مأذونا صحت و نفذت.

«1434» يشترط تعيين ما يزرع.

ص: 294

المزارعة كالمضاربة مطلقة و مقيدة فإن أطلق المالك أو عمم كان للزارع ان يزرع ما شاء و لكن لا يخرج عن المتعارف فلو كان زرع القطن غير متعارف أو مظنة ضرر و المتعارف كما في العراق زرع الحنطة أو الشعير أو الرز لم يجز له العدول عنها فلو عدل ضمن، و ان قيد لزم ان لا يتجاوز موضع القيد فلو تجاوز و تضرر ضمن.

مادة «1435» يشترط حين العقد تعيين حصة الفلاح جزء شائعا من الحاصلات كالنصف و الثلث الى آخرها.

هذا أهم شروط المزارعة يعنى تعيين حصة الزارع من الحاصل كسرا مشاعا نصفا أو ثلثا، فلو لم يعيناها عند العقد أو عينا مقدارا من النقود أو العروض أو الطعام بوزن مخصوص منها أو من غيرها بطلت مزارعة و لا تصح اجارة بل له اجرة المثل أو أقل الأمرين منها و من الحصة المتعارفة في تلك الغلة، و الأول أصح

مادة «1436» يشترط كون الأراضي صالحة للزراعة و تسليمها الى الفلاح.

هذا الشرط ضروري و المزارعة بدونه باطلة، و بقي شرطان آخران (أحدهما) استحقاق المزارع للأرض يملك العين أو المنفعة أو حق اختصاص بتحجير أو ولاية أو وصاية أو وقف خاص أو استعارة اما إذا لم يكن له حق فيها أصلا كالموات و مال الغير و غير ذلك فلا يجوز مزارعتها (ثانيهما) تعيين الأرض و تشخيص حدودها بما يرفع الجهالة و الغرر فلو زارعه في قطعة من أراضيه و لم يعينها أو في

ص: 295

إحدى القطعتين و لو كانتا متساويتين لم تصح نعم لا يشترط التشخيص و لو قال زارعتك على جريب من هذه الأرض على نحو الكلي في المعين و كانت متساوية الاجزاء أو على نحو الكلي في الذمة و وصفها مما يرفع الجهالة و دفع المصداق- صحت.

ثم إذا استجمعت المزارعة شروطها لزمت و استحق الزارع الحصة المشاعة من العائد و إذا اختل شرط من الشروط فسدت و كان الزرع كله لصاحب البذر و للآخر أجرة أرضه بتقويم أهل الخبرة و للفلاح ان كان اجرة المثل كما ان للعوامل من بقر و آلات أجرتها، و الى بعض هذا أشارت مادة «1439» تكون كل الحاصلات في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر الى آخرها،،، ثم انه قد مرت الإشارة الى ان عقد المزارعة بعد صحته يقع لازما و تحرير ذلك انه إذا وقع على مدة معينة من سنة أو سنتين أو شهرين أو ثلاث لزم و لكن بشرط ان يكون الأمد صالحا لبلوغ الزرع المعين في العقد أو مطلقا فلو عين وقتا لا يمكن حصول اي زرع فيه أو الزرع التي تصلح تلك الأرض له بطلت المزارعة طبعا و ان لم يعين فان كان هناك الذي شي ء متعارف و زمان معروف انصرف العقد اليه و تعين و ان لم يكن ذلك فالأصح البطلان للجهالة و ان أمكن الصحة بحمله على زمان يمكن به نضوج الزرع من قمح و نحوه أو خضراوات و نحوها و إذا وقع لازما لم يكن لأحدهما فسخه بغير سبب مشروع من شرط خيار أو عجز أو اتفاق منهما معا بالإقالة و نحو ذلك، اما إذا مات صاحب الأرض فالزارع يبقى على عمله إلى النهاية و يقسم الحاصل بينه و بين الورثة

ص: 296

و لو مات الزارع قام وارثه مقامه إلى نهاية الأمد و لو كان عاجزا حتى عن الاستيجار انفسخت و استحق الوارث عن المدة الماضية من الزرع بالنسبة و لم تذكر المجلة بقية شروط المتعاقدين من الاختيار و الرشد و الحرية أما (الفلس) فيقدح في الملك لا العامل إذا لم يكن منه مال أو بذر و الا لم يصح و تجوز مزارعة الكافر، كما أنها أهملت ذكر أبحاث مهمة فيها فوائد جمة، حالت بيننا و بين تحقيقها الأحوال بل الأهوال و نحن نشير الى بعضها إشارة إيماء (منها) ان خراج الأرض مع إطلاق العقد على المالك الا ان يشترطاه على العامل أو عليهما و ما يأخذه المأمورون ظلما زائدا على الخراج فان علم انه على الأرض فعلى المالك أو على الزرع فعلى العامل و ان لم يعلم يوزع.

(منها) كل ما فسدت المزارعة فالزرع لصاحب البذر و للعامل اجرة المثل فان كان البذر من المالك فالزرع له و عليه اجرة العامل و العوامل و ان كان للزارع فالزرع له و عليه أجرة الأرض، و ان كان لهما فالزرع لهما و لكل منهما على الآخر اجرة ما يخصه من الأرض و العمل، و ان كان لثالث فالزرع له و عليه أجرة الأرض لمالكها و اجرة العمل للزارع و لا فرق بين علمهما بالفساد أو جهلهما أو اختلافهما و لا بين زيادة الأجرة على الحصة المشتركة أو نقصانها و يحتمل أقل الأمرين منها و من الحصة كما انه لو كان الفساد من جهة اشتراط عدم حصة للعامل فلا شي ء له لإقدامه على المجانية.

(منها) إذا صح العقد ثم فسخ بخيار أو تقابل فان كان قبل

ص: 297

العمل فلا اشكال و لو كان بعده قبل ظهور الزرع فالحكم ما سبق في صورة الفساد، و ان كان بعده قبل الإدراك أو بعده فهل يكون الزرع لصاحب البذر و للأرض أو العمل الأجرة كصورة الفساد أو يكون بينهما على الشرط كما لو بقي العقد وجهان أصحهما الأول و للثاني وجه و هو الاستصحاب و على تقدير كونه كالفساد فان تراضيا على البقاء الى البلوغ بأجرة أو بدونها فهو و الا فللمالك القسمة و إلزام العامل بأخذ حصته و لا يلزم المالك بالإبقاء و لو بأجرة (منها) إذا عرض في الأثناء قبل ظهور الثمر أو قبل نضجه ما يفسد العقد لو حصل في الابتداء كانقطاع الماء أو استيلائه عليها أو نحو ذلك من الأعذار العامة كالثلوج المتراكمة و الموانع المزاحمة فهو كاشف عن فساد العقد من أصله و الصحة كانت ظاهرية و القول بالصحة و ثبوت الخيار لا وجه له.

و بقيت من هذا النظير أبحاث كثيرة و ما ذكرناه من قبيل الأنموذج لها

الفصل الثاني في (في بيان المساقاة)

مادة (1441) المساقاة نوع شركة على ان يكون أشجار من طرف و تربية من طرف آخر و يقسم ما يحصل من الثمر بينهما.

المساقاة كالمزارعة سوى ان المزارعة معاملة على زرع الأرض

ص: 298

و المساقاة معاملة على تربية الأشجار و سقيها اما الشروط فتلك الشروط و الاحكام تلك الاحكام عقدا و صحة و فسادا و فسخا و حصة و جوازا و لزوما فالإعادة قليلة الإفادة و كلما ذكرناه هناك يجري هنا

نعم بقي في المقام معاملة ذات شأن دائرة بين الملاكين، و عليها يدور عمارة الأرضين و جعلها حدائق و بساتين

و هي عقد (المغارسة)

و لم تتعرض لها المجلة، و هي شقيقة المزارعة كلاهما معاملة على العمل في الأرض و لكن تلك على زرعها و هذه على غرسها نخيلا و أشجارا و هي من الاعمال الاقتصادية الحيوية بل الضرورية و لكن الغريب ان المشهور عند فقهائنا بطلانها بل ربما يدعى الإجماع عليه للأصل بعد كونها على خلاف القاعدة و استشكل فيه بعض المتأخرين لأن الأصل مقطوع بالعمومات مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم و الإجماع غير محقق و الأقوى الصحة و هي عبارة عن عقد بين صاحب ارض و آخر على ان يغرسها إلى مدة معينة و يكون له حصة في تلك الغروس مشاعة ربعا أو ثلثا و نحوها سواء جعل له في الأرض حصة أم لا و المتعارف في بعض نواحي الفرات ان يكون ثلث لصاحب الأرض ملاكية و ثلث للفلاح إزاء إتعابه البدنية و ثلث للمصارف المالية فإن قام شخص ثالث بها فالثلث له و ان قام بها الفلاح أو صاحب الأرض فله الثلثان و لو وقعت هذه المعاملة و قلنا بالصحة لزم العمل على ما اتفقا عليه و ان قلنا بالبطلان فالغرس لصاحبه فان كان من صاحب الأرض فعليه اجرة عمل الغارس ان كان جاهلا

ص: 299

بالبطلان بل و ان كان عالما به على الأصح عندنا و ان كان الغرس للعامل فعليه أجرة الأرض للمالك مع جهله به بل مطلقا و له الإبقاء بالأجرة بل يتعين مع الجهل و له الأمر بقلع الغروس أو قلعه بنفسه مع العلم بالبطلان و ليس عليه أرش النقصان نعم لو قلعها في صورة الجهل كان عليه ذلك و قيل عليه التفاوت ما بين قيمته قائما و مقلوعا، و على الغارس طم الحفر و إصلاح الأرض ثم لو قلنا بعدم صحة هذه المعاملة أمكن تصحيحها يجعلها بنحو الإجارة أو المصالحة أو الشركة بأن تكون الأصول مشتركة بينهما اما بشرائهما معا أو تمليك أحدهما للآخر نصفا منها مشاعا فيصالح صاحب الأرض الغارس على ان يشتغل بغرسها و سقيها الى زمان معين بنصف منفعة أرضه أو بنصف عينها أو يستأجره على عمل الغرس و السقي المعين بنصف الأرض أو نصف منفعتها و لو صدرت مغارسة و شك في صحتها و فسادها بني على الصحة قد وافق ختامه بقلم مؤلفه الضعيف العاجز محمد الحسين آل كاشف الغطاء صباح الجمعة في أواخر شهر صفر سنة احدى و ستين بعد الالف و الثلاثمائة هجري

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.